سودانية وعُمانية ومصرية يدلين بشهاداتهن الأدبية في ملتقى الرواية

آن الصافي تتساءل: إن لم نكتب للأجيال الحالية والقادمة فلمن نكتب ولم نكتب؟
رشا سمير: رواية "بنات في حكايات"، رواية اجتماعية تدور خلف الأبواب المغلقة في مجتمع المراهقات، وهذا الجانب المسكوت عنه في حياتهن
الكتابة وسيلة التعبير التي تحمل مسؤولية عظمى أمام واقعنا

ثلاث كاتبات من السودان وسلطنة عمان ومصر اجتمعن في إحدى الجلسات الأدبية التي ترأسها الروائي الجزائري واسيني الأعرج، والتي أقيمت ضمن فعاليات ملتقى القاهرة الدولي السابع للإبداع الروائي "الرواية في عصر المعلومات" دورة الطيب صالح.
تحدثت الكاتبة السودانية آن الصافي عن تجربتها مع الكتابة للمستقبل متسائلة: إن لم نكتب للأجيال الحالية والقادمة فلمن نكتب ولم نكتب؟ وقالت: مع مطلع العقد الثالث من الألفية الثالثة، ونحن نعيش واقع ما عرفته البشرية من قبل نلمس ملامح حياة جديدة، حيث أنتجت الحضارة الإنسانية تقنيات ذكية وعوالم معرفية ونظم معلوماتية ورقمية، كما تيسر التنقل من مكان لآخر في زمن وجيز، بدلاً عن أشهر وأيام لساعات ودقائق. كذلك نشأت مدن حاملة للثقافات المتنوعة (الكوزموبوليتان)، والتي عبر نشر ثقافة التسامح حققت مفهوم التنوع الثقافي وجعله من أسباب قوة المجتمعات. من ناحية أخرى تجاوزت سبل الاتصال الحديثة الحواجز الزمانية والمكانية لينتج مسمى الزمكان الذي اطلقه آينشتين في شرح مفهوم نظرية النسبية قبل أكثر من مئة عام والتي تعنى بالزمن كبعد رابع. كل ذلك، ترك أثره في أسلوب تفكير الإنسان ونظرته لذاته وما حوله وتعاطيه مع قضاياه، فنتجت ظواهر جديدة واختفت مسائل سابقة مما أثر وتوجه المجتمعات. من كل ذلك، كيف نرى واقعنا وما حولنا وكيف نتتبع أثر ماضينا في حاضرنا وكيف نستشرف مستقبلنا عبر الفكر والإبداع؟
وترى الصافي أن الكتابة وسيلة التعبير التي تحمل مسؤولية عظمى أمام واقعنا لنأخذ بأسباب وفرتها لنا حضارة اليوم لتنير أفق الفكر والوعي ما أمكن، فهناك أجيال تنتظر منا أن نهيء لها أرضية صلبة محققة شروط التنافسية في أفضل صورها في المستقبل لتبني واقعا يوائم رؤى وطموحات نأملها ترقى بحضارة تشرق حيثها الشمس ولا تأفل.
وأوضحت أنه من المهم أن ندرس التاريخ دون أن نسكنه؛ التحليل الموضوعي والأخذ بالمعايير العلمية والفكر الحر سبل لفهم الرابط بين السبب والنتيجة في أوضح صورة ممكنة. الوعي بأهمية العلم ومعطيات الحاضر وتسخيره في التعاطي مع ما حولنا يسهل المحافظة على جودة المكتسبات وتطويع المعرفة لخدمة قضايانا.
وأكدت آن الصافي أن الكتابة للمستقبل هو المشروع الأدبي الذي تعمل عليه بحيث يحمل طيه رؤى تطرحها عبر نصوص سردية وأوراق فكرية ثقافية، تعنى بأثر أدوات العصر الراهن في آلية التفكير والتواصل وما يؤثر على حياة الفرد ومسار المجتمعات. 
وقالت: حملت النصوص عبر عوالم السرد الثقافات الثلاث الأدب والعلم والنظريات العلمية الأحدث فكراً وعصراً مثل الذكاء الاصطناعي والتقنيات الحديثة وتطبيقاتها وعوالم صناعة واستخدام النانوتكنولوجي في شتى مناحي الحياة العلمية الطب والهندسة والفضاء ومروراً بعوالم واقتصاد البيانات وإقتصادات المعرفة. من ناحية أخرى حرصتُ عبر الكتابة للمستقبل الاهتمام بقضايا بالإستدامة والتسامح ورؤى تواكب مسار التوجه بالتفكير في الذات الإنسانية والبيئة وكوكب الأرض والإعتناء بدراسة المنظور الكوني لكل ذلك، وما يلمس حياة الفرد والمجتمع ويؤثر في مسار البشرية نحو مستقبل يعنى بالسمو الأخلاقي والمحافظة على الموروثات الثقافية المجدية لسعادة ونجاح الإنسان في إطار مبدأ الحفاظ على الحياة.
وأوضحت الصافي أن نصوصها السردية احتفت في مشروع الكتابة للمستقبل بالعلم والمعلوماتية والفكر والفنون. وقدمت بعض النماذج منها وقوفاً عند عدد من محاور الملتقى. وهي ترى أن الكتابة تبقى للمستقبل محاولة نجتهد في وضع أسسها علنا نصل لأهداف قادتنا للإيمان بقيمة العطاء عبر الأدب والفكر والثقافة.

أما الكاتبة العمانية جوخة الحارثي، التي فازت منذ أيام قليلة بجائزة مان بوكر العالمية في الرواية، عن روايتها "سيدات القمر" فقد قالت في شهادتها الأدبية الإبداعية: كنتُ في منتصف عشريناتي طالبة مغتربة، أدرس دكتوراه بلغة غير التي أعشق، وأما لطفلة تعاني الوحدة، لكن الكتابة أنقذتني.
أمشي غريبةَ الوجه واليد واللسان، أرى آلافَ الحكايا تمشي معي وأدعوها لنجلس معا ونشرب كوب قهوة في الصقيع، شربَت الحكاياتُ عشرات الأكواب ونادمتُها، آلاف الحكايا، لا تبدأ الحكاية حتى تنتهي، ولا تنتهي حتى تدخل في حكاية جديدة، قالت لي الحكايا: هِمنا طويلا كأشباح في هذه المدينة، وقد تنادمنا طويلا، اكتبيني.
فكتبتُ روايتي "سيدات القمر".
أضواء الكريسمس تلوح من النافذة والثلج يغطي إفريزها وأنا أستحضر بخيالي الصحراء وأرواح أجدادي الشهداء، الناس يهرولون بالمعاطف وأنا أُلبِس الطفل أحمد الراكب على كرب نخلة الدشداشة الخفيفة والحروز الحارسة من سطوة الموت، جارتي تدعوني لشاي العصر في بيتها الفاتح اللون وأنا أغوص في غرفة خالتي بصبغها القاتم وروازنها المليئة بالأواني الأثرية، الراديو يبث الموسيقى الاسكتلندية الشعبية وأنا أترنم بالأمثال مع ظريفة، وأردد الأهازيج مع عبدالله ومنين. تصالحتُ مع غربتي، أحببتُ أدنبرة حين أعطيتها لغتها في الدكتوراه ومنحتني لغتي في الرواية، وأحببتُ شخوصي، بكيتُ لآلامهم وضحكتُ لمزاحهم. 
كتبتُ فحررتني لغتي، لغتي أعطتني ساقين فركضتُ، الكتابة أعطتني جناحين فطرت.    
وعن تأثير البنية المعلوماتية على البناء الروائي قالت الكاتبة المصرية رشا سمير في شهادتها: بدأت مشواري الأدبي بكتابة القصة القصيرة، وبعد خمس مجموعات قصصية، بدأت رحلتي الروائية إيمانًا مني بأن الرواية هي أصل السرد والحكي هو أصل الإبداع.
بدأت الكتابة الروائية برواية "بنات في حكايات"، وهي رواية اجتماعية في المقام الأول تدور خلف الأبواب المغلقة في مجتمع المراهقات، وهذا الجانب المسكوت عنه في حياتهن. الرواية الاجتماعية لم تحتج مني الرجوع إلى البنية المعلوماتية لأنها تعتمد بشكل أكبر على التجارب الحياتية. لكن يجب أن أعترف أنه لا يمكن بأي حال فصل الرواية وخصوصًا التاريخية عن المعرفة والبنية المعلوماتية منذ نشأتها وحتى الآن.
وتوضح سمير أن الروايات التي تدور بين أروقة التاريخ، تتكئ بشكل أساسي على التخيل، فلا يفصلها عن كتب الخيال العلمي أو التاريخي سوى كلمة (رواية) التي توضع على غلافها. الفرق أن الرواية لا يمكن أن تتحول إلى وثيقة، ولكن قيمتها تأتي بالتأكيد من البنية السردية للنص، وقوتها تأتي من المُتعة الحسية التي تتسلَّل إلى القارئ من خلال الأحداث.
وقالت: في وقت أصبحت فيه المواقع الإلكترونية هي سيدة الموقف، لا ينبغي أن يكتفي الروائي بتقديم المعلومات كما هي خارج الرواية، وإنما يتحتَّم عليه إعادة تشكيلها في شكل سردي. 
وعن روايتها الثانية "جواري العشق" قالت إنها رواية تاريخية تدور حول ثلاثة أجيال من النساء يبحثن عن حريتهن بدءًا من عصر المماليك ومرورًا بفترة السبعينيات وانتهاءً بثورة يناير.
وأوضحت أنه في الجزء المعني بعصر المماليك استلهمت فقط من خلال البنية المعلوماتية المتاحة معلومات ساعدتني في توثيق شكل الأماكن والأشخاص والعادات ثم صياغتها من جديد بعد مزجها بالمادة القصصية اللازمة للكتابة.
وعن روايتها الثالثة قالت: في بقعة بعيدة من الأرض وتحديدًا في أصفهان تدور روايتي الثالثة "سألقاك هناك"، وهي رواية تتناول قيمة المشاعر الإنسانية التي تتداخل لتصنع أقدار البشر في كل زمان ومكان من خلال قصة تدور في زمنين متباعدين. في تلك الرواية قدمت ما يُسمى بالهوامش الشارحة التي تكون في أسفل الصفحات، وبالمثل قمت بإضافة قائمة بالمراجع التي تمَّت الاستعانة بها للتأكيد على مصداقية المصدر.
وأكدت أن صعوبة كتابة هذه الرواية يرجع إلى تسريد وقائع سياسية أو تاريخية قد تكون لا زالت مؤثِّرة في واقعنا حتى الآن.