شارع المتنبي في خطر.. ما تبقى من الثقافة في خطر

شارع المتنبي اليوم هو الساتر الثقافي الأخير بوجه طغيان الريف على بغداد والمدن العراقية الكبرى.

أخبار بغداد الثقافية مقلقة، في ظل سلطة المذهب والعشيرة التي تعمل على الاستيلاء على رئة بغداد الثقافية أو ما تبقى من رئتها المعطوبة، متسلحة بعصابات الجريمة المنظمة والميليشيات والآلة الدينية الطائفية. فالثقافة والوعي كانا دوما تحت مرمى سهام المؤسسات الدينية. فعلاقة هذه المؤسسات والسلطات التي تستمد منها قوتها مع الثقافة والوعي علاقة عكسية، وكلما انحسرت الثقافة وقلّ الوعي كلما انتعشت هذه القوى بتجهيلها وتغييبها للوعي المجتمعي، على عكس القوى الباحثة عن الثقافة كسلاح في وجه الطغيان الديني والعشائري الذي يلفّ العراق، إذ تكون علاقتها طردية معها فكلمّا زادت ثقافة المجتمع وزاد وعيه، وجدت هذه القوى ساحة واسعة للعمل من خلالها.

ترييف بغداد والمدن الكبرى هدف استراتيجي لقوى الظلام المهيمنة على مقاليد الحكم في عاصمة الرشيد، والشارع الذي يحمل إسمه فقد بريقه وموقعه كواحد من أجمل شوارع بغداد التراثية لأسباب طائفية موغلة في التاريخ. فهذا الشارع كان يمكن أن يكون شارعا للمشاة كالذي نراه في مختلف عواصم أوروبا والعالم، شارع عامر بالمحال التجارية والأسواق وصالات السينما والمسارح والأندية الثقافية، شارع عامر بالمطاعم والمقاهي ليكون شارع جذب لمختلف فئات المجتمع. وهذا الترييف نراه من خلال مهاجمة المتريفين للتماثيل والنصب وتخريب مقابر شخصيات ساهمت مساهمة كبيرة في الحقل الثقافي والعلمي العراقي، ونراه في إهمال شارع الرشيد وتحويله الى مكب نفايات وهو في قلب بغداد التي يكن لها المتريفون حقدا بدويا معاديا لكل اشكال التحضر والتقدم.

خبر عابر أوردته السومرية نيوز بتاريخ 29/6/2024 حول شارع المتنبي المتفرع من شارع الرشيد، لا يجب أن يمر مرور الكرام على الوسط الثقافي العراقي بالمرّة، كون تحقيقه ولو بعد حين لهيمنة قوى الظلام على مقاليد البلد، يعني نهاية هذا الشارع الذي أصبح اليوم يشكل خطرا على الحكومة المتريفة ومعها المؤسستين الدينية والعشائرية. فقد شكا أصحاب المكتبات في شارع المتنبي وفق الوكالة "من تعرضّهم للابتزاز والتهديد من قبل جماعات تسعى للاستيلاء على محالّهم، فيما طالبوا الجهات المختصّة بتوفير الحماية لهم". ويتعرض "أصحاب المكتبات للتهديد ومحاولات فرض أتاوات من قبل جماعات تسعى للاستيلاء على محالّهم، من خلال الدخول في مزايدة علنية تقام كل ثلاث سنوات"!

أصحاب المكتبات ولضعفهم للأسف الشديد يطالبون السلطة بضرورة التدخل "لوضع حد لما يتعرضون له"، متناسين أو خائفين أو يلوذون بسلطة تمثل هذه العصابات التي تهددهم، سلطة تقيم مزادات علنية كل ثلاث سنوات لأجل بيع هذه المحال وتحديد مالكين جدد لها، وفي نهاية المطاف وإن أستمرت السلطة بهكذا مزادات، فأنّ العصابات بما تمتلكه من أموال وسطوة وسلاح وبدعم حكومي ديني عشائري، ستشتري جميع محال الشارع ليتحول الى مولات أو عمارات سكنية يمتلكها قطط سمان على ارتباط وثيق بالسلطة وتوابعها، ولنتذكر بعدها الشارع ومكتباته في صور تباع في المولات الريفية.

لترتفع أصوات كل من يعزّ عليهم واقع العراق الثقافي في زمن المحنة والقحط الفكري والوطني الذي نعيشه اليوم عاليا لمنع السلطة من اقامة مزاد شارع المتنبي كل ثلاث سنوات. فالثقافة ليست سلعة بل معرفة مكتسبة ومتراكمة علينا تطويرها وفي كل الحقول الثقافية والمعرفية. ولنصرخ عاليا بوجه العصابات والشقاة الذين يعملون على تدمير بلدنا وتاريخنا وتراثنا، فشارع المتنبي اليوم هو الساتر الثقافي الأخير بوجه طغيان الريف الذي سيأكل الأخضر واليابس في بلد، كل شيء فيه يابس. وهؤلاء الشقاة لهم الباع الطويل في حرق الأسواق والمحال، فكيف بشارع كالمتنبي تخرج منه الكلمة التي تؤرقهم كما أرّقت أسلافهم وهم يحرقون الكتب والمفكرين.