شعب لبنان يطوي صفحة الحروب الطائفية

لا أحد بالضبط يعرف ماذا حقق نبيه بري في حياته السياسية.

يبلغ نبيه بري الحادية والثمانين من العمر (ولد عام 1938). منذ عام 1992 وهو يتولى منصب رئيس مجلس النواب. قبله كان وزيرا خمس مرات وأدار أربع وزارات. ألم يحن بعد موعد خروجه من الخدمة وتقاعده؟ إنها مسألة إنسانية غاية في التعقيد. فالبشر، كل البشر يحلمون في الوصول إلى السن الذي يتفرغون فيه لحياتهم الخاصة واللعب مع أحفادهم وممارسة هواياتهم الشخصية والنظر بأريحية إلى ما تبقى من العمر.

بري هو عينة من الطبقة السياسية التي تحكم لبنان من غير شروط ولا قيود. فلها تاريخ من العبث في شؤون الدولة واللعب بمصائر المجتمع الذي تم وضعه تاريخيا بين قوسي نظام محاصصة طائفية استطاع أن يلتف مثل أفعى على رقبة المجتمع المدني وكان شرطه اما أن يخنقه بحرب أهلية أو يسمح بأن يتعايش معه كما لو أنهما رفيقي درب لا يتخلى أحدهما عن الآخر.

نبيه بري هو زعيم ميليشيا هي حركة أمل. قاتلت في الحرب الأهلية (1975 ــ 1990) وكان لها صولات قتل ذهب ضحيتها الاف اللبنانيين. لا أحد يعرف عدد الضحايا. فالحروب الاهلية تسمح للقاتل أن يخفي عاره. ولأن الممسكين بالدولة اللبنانية لا ينقلون عن بري تمترسا خلف تاريخهم في القتل فإنهم ما زالوا موجودين في السلطة كونهم الموقعين على اتفاق الطائف الذي أعاد انتاج بنية لبنان الطائفي.

حين اختفى زعماء تاريخيون مثل رشيد كرامي وريمون أده وكمال جنبلاط والشيخ بيار الجميل كان من الممكن أن تعيد الطوائف حساباتها من أجل انتاج أجيال لا تؤمن بالعصمة التاريخية غير أن ما حدث كان أشبه بالفيلم المكرر. لقد أجبرت الطوائف على انتاج مثالها لذلك صمد بري في موقعه وصار نموذجا للشاب الذي يستنسخ تجربة الآباء. وفي ما بعد تحول إلى أيقونة بالنسبة للمنتمين حديثا إلى الحياة السياسية التي تم تكريسها طائفيا.

مأساة لبنان الحقيقية أن من يقود عربته التشريعية شيخ بلغ الواحد والثمانين من عمره من غير أن يكون له أي منجز على المستوى الاقتصادي ومن غير أن يشهد له الناس بتشريع يعبر عن أي نوع من العدالة الاجتماعية.

لم تكن حياة نبيه بري السياسية حافلة بالإنجازات. فالرجل لم ينجز شيئا يُسمى باسمه. سيموت، وهو أمر يتعرض له كل البشر، من غير أن يلحق به شيء يمجده سوى أنه كان زعيما لميليشيا.

ذلك ما ضاق به اللبنانيون ذرعا. فالمجتمع المدني الذي خنقته الدولة الطائفية انتفض أخيرا. صار ذلك المجتمع يرى فسيفساءه على حقيقتها. لقد جددت كراهية الطبقة السياسية الشعب اللبناني فأعاد النظر إلى حقيقة وجوده. وهو ما ظهر جليا من خلال الشعارات الجارحة التي رفعها المتظاهرون وشملت الجميع. بالنسبة للمتظاهرين لم يكن هناك استثناء.   

لقد اكتشف اللبنانيون أخيرا ان الطائفية لم تكن حلا فهي ليست حقيقة وجود. الكذبة التي دمرت أجيالا آن الأوان لفضحها وهو ما يخشاه حزب الله، باعتباره الراعي لتماسك الطوائف من أجل أن يكون سيدها بحكم الكثرة الشيعي.

الاحتجاج اللبناني هو فاجعة بالنسبة لحزب الله.

فالكثير من الشباب الشيعة انضم إلى ذلك الحراك وهو ما يمهد لانقلاب في المشهد الذي كان تحت سيطرة حزب الله.

اعتقد أن المظاهرات المليونية أخرجت المجتمع اللبناني من عنق الزجاجة وصار في إمكانه أن يقول كلمته مباشرة وهي كلمة موحدة تتحدى الطائفية من خلال اسقاط رموزها.

صارت الحرب الاهلية جزءا من التاريخ. ذلك ما يفهمه المتظاهرون. لذلك فإن تلك الحرب بكل ما خلفته من نفايات ينبغي أن تختفي. وما الطبقة السياسية التي تحكم لبنان الآن سوى واحدة من تلك النفايات.