شعر الأطفال عند أحمد سويلم في ميزان النقد الأدبي

الباحثة بخيتة حامد إبراهيم ترى ان سويلم يعد من أبرز الذين توجهوا بالكتابة إلى الأطفال سواء أكان ذلك شعرا أم مسرحا أم قصصا شعرية أم دراسات متعلقة بهم وعنهم، وقد دلّ على ذلك كثرة عطائه وحسه الصادق بالطفولة.

قليلة هي الكتب النقدية التي تتناول النصوص الإبداعية المكتوبة للأطفال، رغم وجود وفرة معقولة من هذه الكتب التي يبدعها أدباؤنا العرب للأطفال في ميادين الأدب المختلفة من شعر وقصة ومسرحية ورواية وأغان.

ومن هذه الكتب القليلة كتاب "شعر الأطفال عند أحمد سويلم – دراسة فنية" للباحثة د. بخيتة حامد إبراهيم الذي صدر مؤخرا عن مركز توثيق وبحوث أدب الطفل التابع لدار الكتب والوثائق القومية 2022 بمقدمة للشاعر الدكتور محمد أبوالفضل بدران، وهو كتاب كان في الأصل رسالة ماجستيير أعدتها الباحثة عن شعر أحمد سويلم المكتوب للأطفال. وهو جهد علمي متميز أقدمت عليه الباحثة، بسبب ندرة الكتابة النقدية في هذا الجانب.

وترى الباحثة أن الشاعر أحمد سويلم يعد من أبرز الذين توجهوا بالكتابة إلى الأطفال سواء أكان ذلك شعرا أم مسرحا أم قصصا شعرية، أم دراسات متعلقة بهم وعنهم، وقد دلّ على ذلك كثرة عطائه وحسه الصادق بالطفولة والأطفال. وترى أن موضوع أدب الأطفال هو عرض الحياة من خلال تصوير وتعبير متميزين، ومن خلال خبرة لغوية، فهو الأدب الجميل الذي ينتجه الكبار خصيصا للصغار، مراعيًا المستويات اللغوية والعقلية ومعرفة خصائص وسمات كل مرحلة من مراحل الطفولة. وأنه أدب لا يعني مجرد القصة أو الحكاية النثرية أو الشعرية فحسب، وإنما يشمل المعارف الإنسانية كلها.

أما عن أهداف أدب الأطفال، فهناك أهداف تربوية، وأهداف معرفية ووجدانية، وأهداف ترفيهية وترويحية، وأهداف ثقافية وفنية ونمائية، تحمل خصائص مراحل الأطفال، وتعبر عنهم، وفيها يتم انفصال الكاتب عن ذاته المبدعة، فيكتب من خلال ذات الطفل، لذا نجد أن المعايير التي على أساسها ننقد ونحكم على أدب الأطفال، تختلف عنها بالنسبة لآداب الكبار، حيث يخضع أدب الأطفال لأسس تتصل بعالم الطفولة، فهو ليس أدب ورق، بل مشاهدة بصرية (قراءة أو فرجة)، كما أن موضوعاته تختلف عن موضوعات أدب الكبار.

وفي باب استعراضها لأهم المجلات التي صدرت للأطفال في الوطن العربي، لم تشر الباحثة إلى مجلة "العربي الصغير" التي صدرت بالكويت عام 1986 وكانت قبلها ملحقا – أو هدية - داخل مجلة "العربي" وانفصلت عنه.

ابتداءً من الفصل الثاني توضح الباحثة دور أحمد سويلم في أدب الأطفال، وتستعرض إنجازاته في هذا المجال ما بين الدواوين الشعرية، والقصة الشعرية، والمسرح الشعري، موضحةً العناصر البنائية لقصة الطفل ومنها: الموضوع أو الفكرة، والحبكة، والشخصيات، والأسلوب، والبيئة الزمانية والمكانية.

ثم تتوقف عند قصص الحيوان في أدب الأطفال، مؤكدةً أن القصة التي تُسرد على لسان الحيوان تكون أشدَّ تأثيرًا وأثبتَ معلومةً في ذهن الطفل، مع أن هناك رأيا مخالفا لرأيها هذا. ويستند الرأي المخالف على أننا نعلِّم الصغار أمورًا وأشياء تتنافى والحقيقة، فما دام الهرُّ لا ينطق والطائر لا يتكلم، فلماذا ننسج لأطفالنا قصصا وهمية يتحدث الهر فيها ويتكلم الطائر ..؟

وبطبيعة الحال أنا لست مع هذا الرأي المخالف، ولكن  في الرسائل العلمية لا بد أن يستعرض الباحث الرأي والرأي الآخر، ثم ينتصر لأحدهما، وقد انتصرت الباحثة بخيتة حامد للرأي الذي يدعم سرد القصة على لسان الحيوان، دون أن تعرض للرأي المخالف أو الرأي الآخر.

وفي دعمها للقصص التي تأتي على ألسنة الحيوان تذكر أن أشهرها ما جاء بكليلة ودمنة، وبعض حكايات أيسوب، ولم تذكر – على الإطلاق - "ألف ليلة وليلة" مع أنها منبع ثر للحكايات على ألسنة الحيوانات.

وتشير الباحثة إلى أن الحوار الشعري في مسرح أحمد سويلم يجئ سريعا مركزا يتكفل بكشف المواقف والشخصيات وتحريك الفعل ورسم الشخصيات وتطويرها والتعبير عن أفكارها ودوافعها وحالاتها النفسية، وكشف ما تنزع إليه من خير أو شر، وتعاون الحوار مع بنية السرد يدفع القصة المسرحية نحو نهايتها المرسومة، وتضرب مثلا بمسرحية "معركة الحروف" والتي بها الكثير من المفردات التي تعين الصغير على تطوير لغته وتنمي معارفه وتكسبه حصيلة لغوية جديدة.

وعن أبعاد شعر الأطفال عند أحمد سويلم، أو فلنقل المضامين أو المحاور التي يدور حولها هذا الشعر، تحدثت الباحثة بخيتة حامد عن الشعر الديني، والشعر الوطني، وشعر الطبيعة، والشعر التعليمي، والشعر الوصفي، والشعر الاجتماعي، مع الاستشهاد بنماذج مختارة بعناية من شعر سويلم للأطفال، وأحيانا يطول هذا النموذج ليبلغ صفحتين أو ثلاث صفحات مثل قصيدته "فلسطين عربية" في محور الشعر الوطني، وقصيدة "أنا النيل" في محور شعر الطبيعة.

في محور الشعر التعليمي (ص 163) هناك إحالة لحديث الرسول صلي الله عليه وسلم "طلب العلم فريضة على كل مسلم" فأخذت الباحثة تعمل على تخريج هذا الحديث في حوالي نصف صفحة (ص 209) وأعتقد أنه ليس مطلوبا منها تخريج الأحاديث النبوية الشريفة على هذا النحو، خاصة أن هناك أحاديث أخرى لم تتعامل معها الباحثة بنفس النهج، مثل حديث "لا يُلدغ المؤمنُ من جُحر مرتين" (ص 126). فهذا الأمر من قبيل لزوم ما لا يلزم.

نأتي إلى الفصل الرابع، وهو الدراسة الفنية، ومنها اشتق اسم البحث أو اسم الكتاب "شعر الأطفال عند أحمد سويلم – دراسة فنية" (ص ص 213 – 318) وهو ما يشكل ثلث الكتاب إلا قليلا، وفيه درست الباحثة اللغة والأسلوب، حيث تمثل اللغة عنصرا فارقا في الكتابة للأطفال، وفيها تتجلى بعض الخصائص التي وضحت في شعر سويلم للأطفال، ومنها: التمركز حول الذات، وغلبة المحسوسات على لغة الطفل، وأحادية المعنى، وتقديم المتحدث في الجملة الخبرية، وتكرار بعض العبارات والألفاظ، فضلا عن محاكاة الأصوات، وفي قضية التعبير والكتابة للطفل باللغة العربية الفصحى أو بالعامية، توضح الباحثة أن سويلم يحبذ الفصحى البسيطة، وينادي بأن تكون هي اللغة المستعملة في الكتابات الموجهة للأطفال.

أما عن الأسلوب، فهو يجمع بين الألفاظ والخيال واللغة والجرس الموسيقي والصور البسيطة، وتوظيف الحواس في تشكيل الصورة اعتمادا على: اللون والذوق والشم والصوت والحركة والحجم، مع الاتكاء على الجانب البياني المتمثل في الاستعارة، والتشبيه، والكناية.

وفيما يتعلق بالموسيقى والإيقاع في شعر أحمد سويلم للأطفال، فقد تحدثت الباحثة عن البناء الموسيقي الذي يتألف من موسيقى خارجية وموسيقى داخلية، ومن خلال تحليل الأوزان والبحور والقوافي المستخدمة في دواوين سويلم الخاضعة للبحث والدراسة، تؤكد الباحثة أن بحر الرجز كان له الغالبية في ورود عدد كبير من الأشعار التي انتظمت على تفعيلته، يليه بحر المتدارك ثم بحر الوافر، فالمتقارب، فالرمل، ولم يستخدم الشاعر بحورا معينة، مثل المجتث والبسيط والهزج والسريع والمنسرح والمقتضب والطويل والمضارع، ربما لأنه رأى عدم صلاحيتها  للأطفال، مع أنني أرى أن الهزج يصلح لهم، ومنه الأهزوجات الراقصة.

أما الموسيقى الداخلية فقد تمثلت في الجناس والتصريع والتقفية الداخلية والتدوير والتكرار (تكرار الحرف، وتكرار الكلمة، وتكرار الجملة) وهو تكرار يأتي لدلالات وأغراض لغوية مؤثرة في نفوس الصغار، ويعمل على إيقاظ ذهن الطفل ويجعله منتبها لما يكرر.

وقد أفردت الباحثة الفصل الخامس لشعر أحمد سويلم في ميزان النقد، وماذا  قيل عنه، وبطبيعة الحال نتوقع أن تستشهد بما قيل عنه في مجال جهوده في شعر الأطفال لا غير، غير أننا نجد مقولات عن سويلم لكل من د. صلاح فضل ود. شوقي ضيف لا علاقة لها بجهود سويلم في شعر الأطفال، بينما كانت مقولات د. أنس داود، وصاحب هذه السطور، ود. فوزي عيسى، ود. محمود الضبع، في صميم تجربة سويلم الشعرية للأطفال.

وأشكر الباحثة على رجوعها لكتابي "أدب الأطفال في الوطن العربي قضايا وآراء" الذي صدر بالإسكندرية عام 1998، إلا أن هناك كتابا لي أسبق من هذا الكتاب، وهو "جماليات النص الشعري للأطفال" الذي صدرت طبعته الأولى بالقاهرة عام 1996، وفيه كتبتُ عن ديوان "فلسطين عربية" لأحمد سويلم، ضمن الحديث عن أكثر من عشرين شاعرا عربيا كتبوا للأطفال، كما تحدثتُ عن كتاب سويلم المهم "أطفالنا في عيون الشعراء" ضمن باب المراجعات، ولكن يبدو أن هذا الكتاب لم يقع – لسوء حظي - في يد الباحثة التي رجعت إلى 103 كتب وردت في قائمة المصادر والمراجع.

غير أن كل هذه الملاحظات، ووجهات النظر، لم تقلل من قيمة الجهد الكبير المبذول في هذا البحث الجاد الذي اتخذ من أعمال أحمد سويلم للأطفال منطلقا للحديث عن شعر الأطفال وقضاياه وأهميته وخصائصه وأهدافه، وكم نحن في حاجة إلى الكثير والكثير من هذه الأبحاث الجادة التي تواكب حياتنا الإبداعية وخاصة في مجال أدب الأطفال.