شكراً باراغواي

نعيش في عالم معقد وعصيب ولكنه في نفس الوقت يقدر ما تعنيه العنصرية.

في صفعة دولية جديدة لترامب صاحب الإعلان عن القدس عاصمة للاحتلال، ولا شك أن الصفعة ذاتها مضاعفة على وجه بنيامين ناتنياهو الذي لم تغادر الابتسامة وجهه يوم دشن رئيس باراغواي السابق هوراسيو كارتيس سفارة بلاده في القدس في شهر مايو المنصرم، حينها وصف ناتنياهو رئيس باراغواي بأنه صديق لا مثيل له بالنسبة لإسرائيل.

جاءت الصفعة الأربعاء حين أعلنت وزارة الشؤون الخارجية في باراغواي عن إعادة السفارة إلى تل أبيب بقرار من الرئيس الجديد، ماريو بنيتيز. وقد بررت بارغواي ذلك بأنها كانت دائماً مع التعددية عبر التاريخ، وأنها كعضو مؤسس للأمم المتحدة، عبرت دائماً عن دعمها لمساعي المنظمة الدولية لإيجاد حلول سلمية للنزاعات الدولية، وأن القدس تعد عاملاً معقداً في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي.

نعم هذا هو عين الحقيقة. فباراغواي قررت أن ترد على سياسة التضليل والابتزاز التي مارستها كلا من واشنطن وتل أبيب على الساحة الدولية بأن القدس أصبحت خارج طاولة المفاوضات وشكلت خطوة ترامب الرعناء "إعلان بلفور" جديدا ممن لا يملك لمن لا يستحق. لكن العالم ممثلاً بهيئات الأمم المتحدة التي لم يغادرها أحرار العالم وقفوا صفاً واحداً في وجه المؤامرة، فلما لا تعود باراغواي إلى صوابها؟

بل ربما يصدق القول إن ناتنياهو بنفسه قاد بارغواي إلى جادة الصواب بإصدار "القانون العنصري" أو ما يسمى "قانون الدولة القومية لليهود"، فهذه العنصرية المتغطرسة تريد العالم أن يكون شاهد زور وشخص يصفق للعنصرية.

هذا الرد العملي المتسم بالاحترام للقانون الدولي والمستنير بخبرة دبلوماسية أصيلة تعيد إلى الذاكرة نضال العظماء الأوائل من أحرار أميركا اللاتينية في جهادهم الكبير ومساهماتهم الإنسانية في إعادة صياغة النظام الأساسي للأمم المتحدة والإصرار على دمج مبدأ حق الشعوب والأفراد في تقرير مصيرها ضمن نصوص ميثاق المنظمة الدولية وكان ذلك.

هذا الرد العملي الذي يسجل في التاريخ بمداد من ذهب، قاد ناتنياهو إلى الجنون فكان الرد السريع والمباشر والمتمثل في قراره بإغلاق السفارة الإسرائيلية في الدولة اللاتينية واستدعاء السفير لدى باراغواي للتشاور، كما أشار ـ بما يحمل لهجة التهديد ـ إلى أن قرار باراغواي سيضر بالعلاقات الثنائية بين الطرفين.

وإننا هنا إذ نسجل الاحترام إلى دولة باراغواي ـ رئيساً وحكومةً وشعباً ـ ونرفع القبعة عاليا على هذه الخطوة الشجاعة، فالرجوع إلى الحق فضيلة، كما أسجل لها ردها العملي على قانون تل أبيب العنصري والذي يعتبر خطوة رائدة ستكون ـ بإذن الله ـ لها ما بعدها على الساحة الدولية وخاصة مع الاجتماع السنوي القادم للجمعية العامة.

وبالتأكيد فإن لترامب حظه من اللطمة، فالدولة الجارة للولايات المتحدة تقرأ تماماً وضع ترامب في بلده وكيف أن اللوبي الصهيوني شرع في خطوات التخلص من أعباء وجوده في السلطة بعد الانتهاء من استغلاله سياسياً واقتصادياً وبالتالي آن الوقت لخليفته أن يتسلل إلى كرسي الحكم، فكانت القراءة الحصيفة لباراغواي فردت اللطمة إليه.

لذلك مهما فعلت واشنطن وتل أبيب لإقناع القيادة الفلسطينية بأي لقاءات قادمة تشي بالقبول الفلسطيني لصفقة القرن أو "بقانون القومية العنصري" أو الامتناع عن اتخاذ قرارات حيوية في اجتماع الأمم المتحدة القادم لن تكون، مهما كانت الإغراءات أو تبريرات الأطراف العربية التي لم ترقَ إلى مستوى المسؤولية التي اتسمت بها باراغواي فلن تنجح ولن تمر المؤامرة وستستمر القيادة الفلسطينية في تحقيق انتصاراتها الدبلوماسية خدمة للقضية الفلسطينية.

ومن هنا أسجل التقدير العالي للقيادة الفلسطينية ووزارة الخارجية والمغتربين على دورهم وتفانيهم في تحقيق هذا النجاح واتخاذهم القرار الحكيم والفوري بافتتاح سفارة لفلسطين في أسونسيون عاصمة باراغواي.

فكم هو جميل أن يرفرف علم فلسطين عالياً خفاقا، وأن يُنكس بل تزول راية الاحتلال العنصري.