"شلع قلع كلهم حرامية" بضاعة مسرحية فاسدة

الحدث ينطلق في المكان المفترض (أميركا) ليأخذ منعطفا ًآخر تتجسد من خلاله فكرة أن الواقع العراقي الداخلي برمته بحاجة الى (شلع قلع) في ظل إستمرار حكومات الفساد.
أكرم السبع يحاول نسج عرض مسرحي كوميدي هادف معتمدا ًعلى باقة من العناصر منها شخصية النائب في البرلمان
المخرج ريكاردوس يوسف يقدم بيئة كوميدية ساخرة من خلال تنميط الشخصيات بإتجاه إيقاع معين اعتمد على الأمثال الشعبية والنكات المعروفة في الثقافة الشعبية العراقية

قاسم ماضي

عُرضت على قاعة مسرح ثانوية "سترلنغ هايتس" المسرحية الكوميدية التي تحمل العنوان "شلع قلع كلهم حرامية" لفرقة الرافدين للتمثيل، وهي من تأليف أكرم السبع وإخراج د. ريكاردوس يوسف، وسبق لهذه الفرقة أن قدمت عرضا ًمسرحيا واحدا هو فندق "بايك هوا"، وفي عرضها الحالي "شلع قلع كلهم حرامية" يحاول المؤلف أكرم السبع نسج عرض مسرحي كوميدي هادف معتمدا ًعلى باقة من العناصر منها شخصية النائب في البرلمان. 
"ريسان" الذي جعله المؤلف بؤرة لتفعيل عامل السخرية في المسرحية بوصفه العنصر الفاسد الذي يدور حوله الحدث، فهو النائب الذي لم يتمكن من الحصول على مقعد جديد في البرلمان الجديد وفقا ً لفلسفة "المُجرّب لا يُجرّب" الأمر الذي جعله يُهرب إلى الولايات المتحدة بعد أن جمع كما ًمن الأموال بفعل ممارسة الفساد الإداري من خلال موقعه السابق في البرلمان، ولتعزيز خيوط الحكاية التي تتحدث عن الفساد فمن أتى بذلك النائب السابق إلى أميركا هي صديقة زوجته المطربة المقيمة في الولايات المتحدة، التي لديها شلة من النصابين والمحتالين، وينطلق شكل الحدث في المكان المفترض (أميركا) ليأخذ منعطفا ًآخر تتجسد من خلاله فكرة أن الواقع العراقي الداخلي برمته بحاجة الى (شلع قلع) في ظل إستمرار حكومات الفساد.
كيف عالج المخرج هذه الحكاية؟  

المسرح العراقي
ضعيفة البناء الدرامي

حاول المخرج د. ريكاردوس يوسف خلق بيئة كوميدية ساخرة من خلال تنميط الشخصيات بإتجاه إيقاع معين اعتمد على الأمثال الشعبية والنكات المعروفة في الثقافة الشعبية العراقية، وقد عمد المخرج إلى هذه الآلية بسبب ضعف الخط الدرامي في نص المسرحية، ولم يفلح المخرج في بناء معالجة إخراجية ناجحة يمكنه من خلالها إبراز المعنى بشكل أكثر عمقا ًلأن أسلوبه بدا مقحمًا، ومنذ انطلاق الفصل الأول حتى نهاية الفصل طغت الرتابة على مجريات العرض، الأمر الذي جعل المخرج يفتش عن بدائل لتنشيط عنصر الكوميديا التي تحولت إلى إسفاف عبر مشاهد غنائية فجة (هندية، سودانية، وعراقية شعبية) لتصوير حالة الملاهي الليلة التي بات يرتادها ذلك النائب وشلة المحتالين التي جلبته إلى أميركا مستغلا ً صوت المطربة ريزان رمزي، ولم تنجح تلك المحاولة لجعل العرض ينحو منحى كوميديا ً لاسيما أن الكوميديا لا بد أن تستند الى موقف وتثير أسئلة مهمة، وتمتلك لغتها الساحرة والمؤثرة التي تقود لخلق التفاعل مع الجمهور، ولكن ما ساد في هذا العرض هو جملة من الإساءات للفن المسرحي الكوميدي الذي هو نافذة لمناقشة القضايا بشكل يعتمد الأساليب الجمالية، وإلى لغة لا بد أن تمتلك تأثيرها، ولا يصح إطلاق الحوارات المسيئة والفجة وتسيء إلى الآخر من جيران العراق الذين لا يوجد من مبرر لإقحامهم في هكذا مشاهد هزلية ساخرة. 
وما شاهدناه على خشبة المسرح يتعارض مع أسس الإبداع الحر، ومن حقنا أن نُطلق أي حراك إبداعي إذا لم يتعارض مع كل قيد مادي أو معنوي، ففي هذا العرض يمكن القول إن جميع العناصر المادية والبشرية قد توفرت للمخرج، ولم يتمكن من تقديم عرض مسرحي ناضج وجمالي بين ثمة آخرين المخرجين يحاولون تقديم تجاربهم المسرحية هنا لا يجدون هذه الإمكانات التي تساعدهم على تقديم أعمالهم لاسيما أننا هنا نصطدم بالعديد من المعوقات أبرزها لا توجد مؤسسات حقيقية معنية بفن المسرح إلى جانب الرأسمالية القاسية التي تفرض تبعات مالية كبيرة على من يريد تقديم عمل مسرحي.
وفي مسرحية "شلع قلع كلهم حرامية" ثمة ما يؤسف من حيث إنها جاءت ضعيفة البناء الدرامي، حاول فريق العمل فيها رسم ابتسامة على شفاه الجمهور، ولكن فشلوا في تأمين عناصر اللعبة المسرحية الناجحة بدءا ًمن امتلاك الفكر الذي هو المحرض الأول في اجتراح رؤية فنية قادرة على محاكاة الواقع بشكل عميق وجذاب، وفي العرض المذكور لم تتحقق لغة المسرح الراقية سواء البصرية أو السمعية وظل العرض مهلهلا ًومفتقدا ًلأسباب نجاحه الإبداعية.