شهادات 60 سيدة وفتاة فررن من معسكرات بوكوحرام

كتاب "المختطفات.. شهادات من فتيات بوكوحرام" وثيقة مهمّة ومناشدة حقيقية من أجل سياسات لجوء أكثر إنسانية.
أقوالهن ليست فقط مصادر معلومات عن بوكو حرام بل هي أكثر من ذلك: إنها شهادات لذواتهن
بوكوحرام تتخذ مقرها الرئيسي في مستنقعات غابة "سامبيسا" لتختفي بها

يعتبر هذا الكتاب "المختطفات.. شهادات من فتيات بوكوحرام" وثيقة مهمّة ومناشدة حقيقية من أجل سياسات لجوء أكثر إنسانية. ففيه يعرض لنا المؤلف فولفجانج باور حوارات أجريت في يوليو/تموز عام 2015، ومرة أخرى في يناير/كانون الثاني 2016 مع أكثر من ستين فتاة وسيدة ممن نجحن في الفرار من معسكر رقيق جماعة "بوكو حرام" الإرهابية.. كما يوثق بصورهن التي أخذها المصور الفوتوغرافي أندي سبيرا.
يقول فولفجانج "كان كثير من النساء اللاتي تحدثنا إليهن قد فررن لتوهن قبل أيام قليلة من الغابة غابة سامبيسا، وتوثق شهاداتهن تلك الجرائم التي لا يصدقها عقل، وتمنحنا نظرة على الحياة الداخلية لهذا التنظيم؛ فالأمر هنا يتعلق بجماعة إرهابية قتلت في السنوات الأخيرة أكبر عدد من البشر، ربما أكثر ممن قتلهم تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، ورغم أنها جماعة قاتلة إلى هذه الدرجة، فإننا لا نعرف عنها سوى القليل؛ فكيفية إدارتها ليست واضحة، وكذلك ماهية أهدافها طويلة المدى، وليس واضحا كذلك من الذي يمولها، ولماذا يتخذ تلك القرارات، كما لا تقدم شهادات النساء المختطفات أجوبة عن هذه الأسئلة، لكنها تساعد على الاقتراب من الإجابة؛ فأقوالهن ليست فقط مصادر معلومات عن بوكو حرام بل هي أكثر من ذلك: إنها شهادات لذواتهن؛ لأنها تصحبنا إلى حياتهن التي ظلت غريبة علينا رغم الإنترنت والعولمة، كما تقودنا أقوالهن إلى حواري القرى التي يقطنها والتي لا نستطيع أن ننطق أسماءها بطريقة صحيحة، والتي لا تظهر إلا على قليل من الخرائط، وكم هي مؤلمة أقوال هؤلاء النساء؛ لأنها من بين أسباب أخرى توضح لنا إلى أي مدى نظرتنا ما زالت محدودة، وإلى أي مدى يعد نموذج إدراكنا ضيقا، كم هو ضئيل فهمنا لهذا العالم، وهذا الزمن الذي نعتبره زمننا".

مقاتلو "بوكو حرام" ضربوا أعناق الرجال بسيوف طويلة، كانوا يضغطون عليهم لأسفل، ويمسك أحد المقاتلين بهم ويقطع الثاني رؤوسهم، استمر الأمر وقتا طويلا جدا

ويشير فولفجانج إلى أن بوكوحرام تتخذ مقرها الرئيسي في مستنقعات غابة "سامبيسا" لتختفي بها، ويصف الغابة بأنها "الغابة - التي باتت تُسبِّب الذُّعر لدولةٍ حديثةٍ - مُعتمة ويكاد يكون التَّغوُّل فيها غيرَ ممكن، يظن كثير من أهل نيجيريا أن من يطأها لن يجد طريقه للخروج منها أبدًا؛ فهم يقولون إن هناك لعنة من العصور القديمة قد حلَّت عليها؛ فالغابة إذًا قديمة، لدرجة أن أحدًا لا يستطيع أن يؤكد معنى اسمها الأصلي؛ فغابة سامبيسا هي الأخيرة من نوعها؛ إذ لم يتبقَّ سواها من بين كل الغابات الكُبرى في شمال شرقي نيجيريا، وأشجار هذه الغابة ليس بها أي شيء مرتفع؛ فلا يتجاوز ارتفاعها بضعة أمتار قليلة، وهي أشجار معوجَّة ومُتداخلة في بعضها البعض، أدغالها مليئة بالأشواك الحادَّة مثل المخالب، وتيجان أشجارها تعوق التطلُّع للسماء، ونادرًا ما تنجح الشمس في النفاذ إلى داخلها، وصولًا للأرض، كما أن تُربتها ليست ثابتة، والأنهار الضخمة التي تنبع من جبال ماندرا لا تجري لتصبَّ في البحر، بل تنتهي في مستنقعاتها، ويوجد في هذه الغابة كثير من الحيوانات المتوحشة، إلا أن الإنسان هو أخطر قاطنيها، وتحديدًا الرجل".
شهادات النساء التي وثقها فولفجانج تبدأ بسرد حياتهن قبل اختطافهن من قبل الجماعة الارهابية، ثم تتشعب إلى شهادات بناتهن القاصرات وأطفالهن وأزواجهن، وهنا نأخذ جانبا من شهادة بتولا وقد اختصرنا منها الكثير:
لدى "بتولا" البالغة من العمر واحدا وأربعين عاما ثمانية أبناء، إنها سيدة مفعمة بالقوة، تتحدث بسرعة، أتت بصحبة ابنتها "رابي" البالغة من العمر ثلاثة عشر عاما، ترضع "بتولا" رضيعها البالغ من العمر أسبوعين، لقد كانت حبلى به عندما اختطفتها "بوكو حرام"، التقينا بها في مدينة "يولا"، كان زوج "بتولا" يعمل بالزراعة ويشغل لديه عديدا من العمال الزراعيين، حتى وقع هجوم "بوكو حرام"، وما زال مفقودا حتى اليوم، شأنه في ذلك تماما شأن ابنتها الكبرى، في حين لقي سبعة عشر فردا من أفراد أسرتها حتفهم مقتولين، عاشت "بتولا" تسعة أشهر في معسكر "البوابة 1"؛ لا تفصلها عن شقيقتها "سعدية" سوى أشجار قليلة، كما ظلت ابنتها "رابي" قيد الاعتقال في معسكر "البوابة 2" حيث كانت ترى "تالاتو" في مدرسة تحفيظ القرآن، لكنها لم يكن مسموحا لها أن تتحدث معها.
تقول "بتولا": 
في صباح اليوم الذي جاءت فيه عناصر مقاتلي "بوكو حرام"، كنا في الطريق إلى حقلنا، سمعنا من خلفنا صوت إطلاق رصاص بندقية، جاءنا صوت طلقات من القرية، قلت لأبنائي إن عليهم أن يختبئوا في الأحراش، قررت العودة إلى القرية لكي أحضر باقي أفراد العائلة، شعرت بخوف شديد، لكنني لم أستطع ان أترك أبنائي وأمضي! رأيت المقاتلين بالفعل في الطريق إلى القرية، كانوا يرتدون زيا عسكريا مموها ويضعون عمامات على رؤوسهم، أطلقوا النيران على جميع الرجال، وحتى العزل منهم، لقد رأيت هذا، رأيت، كيف أطلقوا النيران على الرجال، الذين حاولوا أن يهربوا بالدراجات البخارية، فانقلبت الدراجات البخارية ومات الرجال، رأيت في الطريق 11 قتيلا عندما كنت أحضر الأبناء من المنزل وأسرع معهم إلى الأحراش.

انطلقت طائرة مقاتلة مسرعة من فوقنا، أطلقت الطائرة نيران مدافعها في القرية، ببساطة هكذا، دون أن تستهدف هدفا معينا، لقي تسعة أشخاص مصرعهم في منزل ابنتي الكبرى، أثر قصفهم بالطائرة النفاثة. كانوا ثلاثة من أبناء الزوجة الأولى لزوجها ووالدة زوجها، بالإضافة إلى خمسة أقارب آخرين، كانوا قد نجوا بأنفسهم لتوهم من قرية أخرى متجهين إلى "جوبلا"، كانوا امرأتين وثلاثة أطفال.
عندما تمكنت من الوصول إلى الجبال بصحبة أبنائي، قالت لي سيدة من "جوبلا" إن ابنتي لقيت مصرعها إثر غارة الطائرة المقاتلة، تركت جميع أبنائي لدى هذه السيدة وأسرعت مرة أخرى إلى القرية بالأسفل، انتظرت لحظة لا يقع فيها إطلاقا للنيران، كان المقاتلون قد ذهبوا إلى البلدة التالية على متن دراجاتهم البخارية!، كانت خائرة القوى للغاية، لكنها حية، بكينا واحتضنا بعضنا، كنا نقف أمام منزلها المدمر، رأيت ساقا مقطوعة، كائنة وسط الأنقاض، كان هناك كثير جدا من الموتى في الشوارع، لقد سقط أغلبهم ضحايا لـ "بوكو حرام"، رأيت بعيني ثلاثة وأربعين جثة.
وتضيف بتولا:
بدأنا بعد ذلك في دفن جثامين موتانا، كانت الكلاب تنهش بالفعل فيهم، وكان علينا أن نواري جثامينهم الثرى، لم يكن بإمكاننا أن نسمح للكلاب أن تفترس جثامينهم عن آخرها! كنا خمس نساء جرؤن على العودة إلى القرية، رجوت خالتي أن تترقب ظهور المقاتلين لكي تحذرنا في الوقت المناسب، حفرنا، نحن النساء، خفرة لكل جثمان، آلمتني ذراعاي جدا من كثرة الحفر، كان من بين الجثامين التي دفناها أيضا جثمان جندي، كنا قد وارينا جثامين ستة عشر شخصا، حين باغتنا المقاتلون هنا مرة أخرى، جاءوا على متن دراجات بخارية وسيرا على الأقدام هددونا بالقتل، لم تكن خالتي قد رأتهم، فقد كانت طاعنة في السن.
صرخ فينا رجال "بوكو حرام" قائلين: "من الذي سمح لكن كي تحفرن قبورا؟ "دفعونا وضربونا، قيدوا أيدينا خلف ظهورنا بأحبال بلاستيكية وجاءوا بنا إلى منزل تاجر الخمر، وبالداخل، أخذوا يضربوننا بالسياط، تلقيت ثلاثين جلدة بالسوط، لن أنسى هذا الرقم أبدا، لقد تفتق ظهري بأكمله من الجراح وبلل الدم ملابسي بالكامل، إن ظهري يؤلمني حتى اليوم بسبب هذه الضربات، وبعد ذلك بوقت قليل، توفيت الخالة، التي كان من المفترض أن تحذرنا من قدوم "بوكو حرام"، عقدوا غمامة حول رؤوسنا، كي لا نرى شيئا، ظللنا طوال الليل نجلس القرفصاء في هذا المنزل والغمامات حول أعيننا، توفيت الخالة العجوز؛ لأن رأسها كان مفلوفا بغمامة سميكة أكثر ما ينبغي؛ فلن تستطع التنفس على الوجه الصحيح، كان اسمها "تشام"، سمعنا طيلة الليل صوت تنفسها، ينبعث على نحو متحشرج، حيث قالت لنا بصوت لاهث "فكوا غمامتي"، وكررتها "فكوا العصابة" غير أن أيدينا كانت مقيدة، وافتها المنية نحو الرابعة صباحا.
عندما دخل إلينا المقاتلون مرة أخرى في الصباح التالي، لاحظوا أن الخالة ماتت، ألقوا بجثمانها في بئر تقع أمام المنزل مباشرة، سمعت صوت الجلبة الناتج عن إلقاء جثمانها في الماء، لم أستطيع في هذه اللحظة أن أبكي، لم أستطع أن أفكر، تواصلت المعارك، وبشكل مفاجئ، قرابة الظهيرة، اقتحم الجيش مرة أخرى القرية، لاذ القائمون على حراستنا بالفرار، رتل من الدبابات، كنا قد سمعنا صوتها بالفعل من مسافة بعيدة، صوت طقطقة جنازيرها المخيف، صوت الطلقات، نجحت إحدانا في التحرر من قيودها، ومن ثم نزعت قيودنا جميعا، ركضنا في القرية نحو الجبال، رأينا الجنود قادمين على متن خمس دبابات، كان لدى مقاتلي "بوكو حرام" كذلك دبابات، أطلقت إحدى دبابات مقاتلي "بوكو حرام" النيران؛ فسقطت إثر ذلك إحدى دبابات الجيش في الماء، أطبق المقاتلون الحصار على الجنود، انضم كثير من الجنود عندئذ لنا نحن النساء، وفروا معنا إلى الجبال، طلبوا منا أن نعطيهم ثيابا، كانوا يشعرون بخوف بالغ لدرجة أنهم تنكروا في زي نساء.
هكذا نجونا بأنفسنا ثانية حين فررنا إلى الجبال، التي تبعد عن "جوبلا" بمسافة عشرين كيلو مترا. توجهنا إلى مملكة "سوكور" القديمة، لكننا لم ننعم بالأمن هناك طويلا، فقد كانت "بوكو حرام" تبغض أهل قرية "سوكور"، كانوا وراءنا.

تواصل "بتولا" 
اقتادنا المقاتلون، نحن النساء والأطفال إلى الأسفل، نحو "جوبلا"، لم يقولوا لنا ما الذي سوف يفعلونه بنا، كنا قرابة أربعين امرأة، وفي "جوبلا" رأيت بعد ذلك جارنا الذي يدعى "بابالابا"، في محطة الباصات الكبيرة الكائنة في شارع "ناشيونال"، كانت أمي ترتبط بعلاقة صداقة حميمة للغاية مع أمه، لقد أصبح الآن زعيم مقاتلي "بوكو حرام" في المنطقة، لقد رآني، لكنه تظاهر بأنه لا يعرفني، كان هناك 16 رجلا من قريتنا يركعون إلى جانبه في الشارع، كانوا راكعين على هيئة صف طويل، تحدث "بابالابا" إلينا قائلا "لقد جئنا بكم إلى هنا، لكي تروا، كيف نقيم حدود الله". 
كان "بابالابا" يعمل في السابق في تجارة جلود البقر والماعز، يبلغ عمره نحو ثلاثين عاما، ويسكن على بعد منزلين منا، أعرف أنه لم يسبق له قط أن ألقى بالا لأسرته، هو متزوج، ولديه ثلاثة أبناء، كان سقف منزله غير محكم، فكان المطر يدخل دائما إلى المنزل، كانت أسرته فقيرة قبل انضمامه لـ "بوكو حرام"، كان نكرة، عندما استولت "بوكو حرام" على القرية، اتخذ لنفسه ثلاث فتيات من البلدة، لقد اختطفهن وتزوج بهن، وأخذهن مع أسرته إلى الغابة. 

ضرب مقاتلو "بوكو حرام" أعناق الرجال بسيوف طويلة، كانوا يضغطون عليهم لأسفل، ويمسك أحد المقاتلين بهم ويقطع الثاني رؤوسهم، استمر الأمر وقتا طويلا جدا، لا أعرف، كم استمر، كانوا بعد ذلك يرفعون رؤوس المقتولين إلى أعلى بحيث نستطيع أن نراها جميعا، ويلقون بها في الشارع، ثم يقربون منهم الرجل التالي، الذي حان دوره، كان هؤلاء الرجال قد ظلوا مختبئين في المنازل، وحاولوا أن يلوذوا بالفرار من القرية، هذا ما حكوه لنا، أخذ الدم يتدفق من جذوع الرجال، كانت الأجساد ترتجف، عندما يخرج الدم بأكمله من الجسد، يتوقف الجسد عن الارتجاف، قبل أن يقطع مقاتلو "بوكو حرام" رؤوس الرجال، عصبوا أعينهم، كنت أعرفهم جميعا، كان زوج ابنتي الكبرى واحدا منهم، اسمه "موسى" كان يركع أمامنا أيضا "هارونا" و"عبدالله" و"بابا" و"ماي" و"جورو"، يمكنني أن أخبرك أيضا بأسماء الآخرين.
قتلوهم جميعا، ماعدا رجلا واحد، اسمه "إيجاكرايو"، الذي كان يريد في بادئ الأمر أيضا أن يلوذ بالفرار مع الرجال، لكنه انقلب عليهم بعد ذلك وتعاون مع "بوكو حرام" وأطلع المقاتلين على الدرب المؤدي لقرية نائية صغيرة، كانت القرية تدعى "واكارا"، ولا يسكنها سوى المسيحيين.
في ذلك المساء نقل "بابالابا" ورجاله الفتيات اليافعات أولا بعيدا على متن سيارات نقل، وقد جاءت سيارات النقل ذاتها مجددا في الصباح التالي، ثم أرغمونا نحن الأكبر سنا على البقاء في مكان الشحن في السيارات، نقلونى بصحبة أبى، عرفنا في غضون ذلك، إلى أين سينتهي بنا المطاف، إلى غابة "سامبيسا".