صورة الأفغاني الضحية بين جلادين

حتى لو صحت أوروبا من الصدمة على هدير موجات طالبي اللجوء الأفغان الذين ساهمت في تشريدهم فإن الولايات المتحدة ستظل تنظر إلى المسألة من برجها العالي.
ايران تنافق بالكثير من ضبط النفس من أجل أن تبدو الامور عادية
التخلي عما تحقق للافغان في ظل غياب طالبان هو الأكثر ايلاما في المسألة كلها
اتفاق الدوحة يهدف الى انهاء الحرب على قاعدة لا غالب ولا مغلوب. وهو ما لم يحدث

تنتظر أوروبا موجة جديدة من طالبي اللجوء الافغان. ذلك ليس السبب الذي يقف وراء اللغة المرتابة التي بدأت بعض الدول الاوروبية تتحدث من خلالها عما سُمي بالانسحاب الأميركي من أفغانستان.

بالتأكيد كان ذلك الانسحاب الذي أقره ترامب ونفذه بايدن خاتمة عبثية لحرب عبثية استمرت عشرين سنة من غير أن تشارف على نهايتها. غير أن التخلي عما تحقق للافغان في ظل غياب طالبان وبالأخص على مستوى الحريات العامة والتعليم ووضع المرأة هو الأكثر ايلاما في المسألة كلها. وهو ما سيكون عرضة للانتهاك في أقرب وقت.

ليست حقوق الإنسان محل اختبار لنوايا طالبان كما أدعى البعض حين سعى إلى تمرير الضربة العنيفة التي انطوى عليها الانسحاب الذي كان مفاجئا بغض النظر عن المقدمات التي مهدت له في الدوحة. وليس من المستبعد أن تكون الدول الاوروبية (باستثناء بريطانيا) التي شاركت بقواتها في حرب أفغانستان غير مطلعة على البنود السرية لاتفاق الدوحة الذي أُقر من أجل أن تنتهي الحرب بطريقة لا غالب ولا مغلوب. وهو ما لم يحدث طبعا.
طالبان هذه المرة التي هي ليست طالبان الماضي كما تم تقديمها حرصت على أن لا تحتفل بانتصارها كما أن الولايات المتحدة كانت قد أشاعت وهم الانسحاب من أجل أن تبعد حقيقة الهزيمة التي منيت بها. ولكن هل كانت تلك الهزيمة حقيقية أم مخططا لها من قبل الإدارة الأميركية لكي يتم من خلالها اعادة ترتيب أولويات السياسة الأميركية في المنطقة؟

في بعض تعليقاتها ظهرت الإدارة الأميركية بمظهر الشامت بالأفغان "الفاسدين" وبالجيش الذي أنفقت عليه مليارات الدولارات التي لم تنفع في تشكيله جيشا حقيقيا فلم يصمد ولم يقاوم زحف طالبان بل يُشك في أنه فتح أمامها أبواب المدن الكبرى. ومن وجهة نظر محايدة فقد قام الجيش بعمل وطني عظيم حين امتنع عن مقاومة طالبان ولم يُدخل البلاد وشعبها المسكين في حرب أهلية جديدة، كانت الولايات المتحدة تتوقعها بعد أن تُتم انسحابها من أفغانستان.

لقد استوعب الافغان الدرس الأميركي بكل مكره وخبثه وترديه الاخلاقي. كانت هناك دولة طالبان، دمرها الأميركان لا "من أجل بناء دولة حديثة في أفغانستان" حسب قول بايدن بل من أجل أن يثبتوا أنهم الأقوى وأنهم قادرون على الانتقام من خصومهم، بغض النظر عن الحق في الخصام. وما لا يعترف به الغزاة هو أن احتلال دولة ما تجربة صعبة يمكن أن يقود الفشل فيها وهو محتم إلى نتائج كارثية. وكما يبدو فإن الرئيس الأميركي كان مطمئنا أن تلك النتائج لن تصيب إلا الشعب الافغاني.

ذلك منطق لا اخلاقي. ولكن متى كانت أميركا معنية بالمنطق الأخلاقي؟

وحتى لو صحت أوروبا من الصدمة على هدير موجات طالبي اللجوء الأفغان الذين ساهمت في تشريدهم فإن الولايات المتحدة ستظل تنظر إلى المسألة من برجها العالي. تلك مسالة تقنية يمكن أن تُناقش خارج سياق التبعات اللا إنسانية التي تنتج عن رمي بلد بشعبه في هاوية المجهول. غير أن طالبان ليست مجهولة. فمهما حاولت وسائل الإعلام الأميركية تضليل الرأي العام العالمي على مستوى الدعاية لطالبان الجديدة فإن الحركة الدينية المتشددة ستكون وفية لمبادئها. وهي مبادئ تتعارض مع حقوق الإنسان والحريات العامة والتعليم المنفتح واحترام المرأة والنظر إليها باعتبارها كائنا بشريا مستقلا له حق التعليم والعمل.
ما هو معروف أن ضرر طالبان لن يتخطى حدود أفغانستان. فهي لا تسعى إلى تصدير ثورتها بالقوة كما تفعل إيران الخمينية. ربما سيغمر انتصارها عقول البعض بالسعادة غير أنها ستكون سعادة مؤقتة ولن تكون بمثابة خارطة طريق أو برنامج عمل ارهابي. ذلك وصف مريح بالنسبة للأوروبيين ولكن السؤال المزعج يظل قائما "ما الذي كانت جيوشنا تفعله في ذلك البلد البعيد الذي قيل إنه مصدر الهام لكل الحركات الارهابية التي أقضت مضاجعنا وأربكت عمل أجهزتنا الأمنية وغيرت طريقة تصرفنا في المطارات"؟

ستحيل حركة طالبان حياة الأفغان الذي تمتعوا بعشرين سنة حرية جحيما. ذلك مؤكد. قد يسبب وجودها في السلطة نوعا من القلق لطهران التي ستمارس الكثير من ضبط النفس نفاقا من أجل أن تبدو الامور عادية، بل قد تتعاون طهران مع كابول في العديد من الملفات وفي مقدمتها الملف الاقتصادي. عدا ذلك فإن طالبان لن تحرج أحدا. ستحذف عشرين سنة من حياة شعب خدعه الأميركان بالحرية وسلموه لظلامها.