ضريبة الدخل الأردنية

يقف الأردنيون حائرين أمام سؤال: هل تستهدف الضريبة الأثرياء أم الفقراء؟

لماذا أقام الأردنيون الدنيا ولم يقعدوها بسبب ضريبة الدخل؟ معروف أن ضريبة الدخل تكون مصدرا عظيما للمال ورفد ميزانية الدولة، وهي عادة ما تعفي الفقراء ذوي الرواتب الضعيفة، وتركز على الحيتان الذين يجبون الملايين، وأغلب الظن أن هؤلاء الحيتان هم من حركوا الشارع، لأن الضريبة تصل إلى الملايين على دخولهم. ومعروف أن الفجوة بين الفقراء والأغنياء في الأردن واسعة جدا، وتكاد الطبقة الوسطى أن تنعدم. والحل لردم هذه الفجوة هو بفرض ضريبة الدخل. إن الاحتجاجات ضد رفع الأسعار مشروعة ولكن ضد ضريبة الدخل مثيرة للاستغراب.

إن حل مشكلة الفقر لا يكون بالجملة لكافة فئات الشعب، فهناك في الأردن أغنياء لدرجة لا يتصورها عقل. وتأتي ضريبة الدخل لتأخذ منهم قسطا وترده على الخدمات العامة. إن ضريبة الدخل لبعض كبار التجار والمهنيين وخبراء البنوك تصل الملايين، فهذه خطوة جيدة.

لماذا لا يتعلمون من دولة الإمارات. إن هذه الدولة ناجحة بكافة المقاييس. لديها بنية تحتية جاذبة للاستثمارات، وفيها من الترفيه ما يشبع رغباتهم جميعها. فأية شركة مهما كان نوعها، تحتاج إلى التسجيل في الدوائر الاقتصادية، وهذه الدوائر تأخذ حصة الدولة مسبقا وقبل الشروع في ممارسة التجارة وبعد ممارسة النشاط على ضريبة الدخل، إذ أن هناك رسوما على كل خطوة بدءا من اختيار الاسم التجاري حتى صدور الرخصة. وأصغر عمل تجاري يدفع يساوي 5 آلاف دولار على تسجيل تجارته حتى لو كانت حضانة أطفال صغيرة. ولكم أن تتصوروا المبالغ الذي تقتطعها الدولة من الشركات الكبرى. فماذا استفادت الدولة من هذا؟ لقد وظفت آلاف الأيدي العاملة الوطنية برواتب مجزية وتأمين صحي وأتاحت تأجير العقارات ووفرت بيئات عمل راقية مجهزة بأحدث التجهيزات، وحاصل الرسوم يدفع الرواتب ويزيد كثيرا ويذهب الفائض إلى كلفة تشغيل هذه الدوائر. كما أن هذه الشركات تدخل في نزاعات ومحاكم وعليها أن تدفع مقابل كل قضية. فما هي الفائدة التي تعود على الدولة؟ لقد وفرت رواتب القضاة وشغلت المحامين الوطنيين لأنه لا يجوز للمحامين من جنسيات أخرى فتح مكاتب محاماة.

أضف إلى ذلك، هؤلاء المستثمرون يحتاجون إلى خدمات الماء والكهرباء والانترنت والعلاج وتعليم أبنائهم وهم يدفعون لهذا كله، فماذا استفادت الدولة؟ لقد جلبت أرباحا من بيع هذه الخدمات جميعها. وشغلت آلاف الأيدي العاملة من المواطنين. وهي تتوسع وتقدم التسهيلات للمستثمرين بشكل لافت. ونظرا لأن الاستثمار قوي، فقد جاءت شركات التأمين من مختلف الأنواع، وتهافت المستثمرون عليها، فماذا استفادت الدولة؟ هذه الشركات ستقوم بتسجيل نفسها في الدوائر الاقتصادية وسوف تدفع الملايين في عملية التسجيل والتوظيف والتدقيق وعضوية غرفة الصناعة والتجارة، وسوف تشغل آلاف المحامين الوطنيين في جميع القضايا الخلافية من جرائم وحوادث مرور وأخطاء مهنية. هل تعلمون أن القطاع الحكومي في دولة الإمارات يجلب دخلا للدولة يفوق قطاع النفط والغاز؟ راجعوا التقرير السنوي 2017 لوزارة الاقتصاد الاماراتية.

ألا يمكن للأردن أن يحذو حذو الإمارات؟ ما المانع؟ لماذا لا تقوم الدولة بتهيئة الظروف وجذب المستثمرين ورفع رسوم التسجيل والخدمات؟ فالأردن بلد جميل ومناخه جميل وجاذب، ويمكن للأردن العمل على كافة المستويات لتهيئة الظرف وجذب الاستثمار. بالطبع، سيقول المسؤولون أن الأردن ليس لديه قوة شرائية كدولة الإمارات. وهذا مفهوم، ولكن المستثمرين في دولة الامارات قليلا ما يتعاملون مع المواطنين وهم يقدمون خدماتهم للأجانب ولكن رسوم التسجيل وضريبة الدخل تأخذها الدولة وتخدم المواطنين بها. لو كنت مسؤولا، فسوف أقوم بالتركيز على القطاعات الناجحة في الأردن كالجامعات والمستشفيات، وقمت بتشجيع أصحاب المليارات الأردنيين وهم كثر ببناء مدينة طبية حديثة متكاملة وبنيت بجانبها جامعة للطب ومنتجعات صحية مبهرة وقمت بالترويج لها في الخارج.

المشكلة أن أغنياء الأردن يودعون أموالهم ولا يشغلونها، وإذا كانت تلك الأموال منهوبة، فإنها تذهب للبنوك في الخارج. وربما يذهب الأغنياء معها.

كثيرا ما أطالع حملات التسويق وأجد دعايات للشركات من مختلف الجنسيات ولكني لم أرَ دعايات أردنية أبدا. مع العلم أن الإنجازات الطبية عظيمة، وأحيانا أقرأ عن إنجازات طبية فريدة في الأردن للأمراض المستعصية، وهي فرصة لاستثمار القطاع الناجح والترويج له في الخارج.