ضريبة الدخل الأردنية

لا حاجة لرشق الرزاز أو غيره بالتقصير والقسوة والتغول على الشعب، افتحوا الدفاتر القديمة، ومحصوا فيها لتعرفوا أين ذهبت موارد الأردن.

أقرت ضريبة الدخل في الأردن وتعالت الأصوات بالبكاء، وهو أمر عجاب، أليس الأردن دولة في منظومة الاقتصاد الرأسمالي؟ وهذا النظام يوجه بضرورة تدخل الدولة لإنقاذ الاقتصاد من الانهيار بعدة أشكال منها الدعم الحكومي وفرض الضرائب وتغيير القوانين وخصخصة بعض القطاعات. وقد عمد الأردن إلى فرض الضريبة لوضع الاقتصاد على مساره الصحيح. وقد فعلت الكثير من الدول هذا الإجراء وعلى رأسها الهند التي رفعت الدعم الحكومي وخصخصت كثيرا من القطاعات وفرضت الضرائب، فارتفع مستواها من دولة فقيرة إلى واحدة من أقوى الاقتصادات في العالم.

والنظام الرأسمالي يقوم على فكرة آدم سميث بحرية العمل والاستثمار ونظرية جون كينز بتوازن القوى في السوق أي العرض والطلب. ولو افترضنا أن الظروف مثالية، فيجب أن تكون النتيجة مشابهة لاقتصاد الولايات المتحدة وبريطانيا والنرويج. أما إذا كانت الظروف غير مثالية، فسوف ينهار الاقتصاد. فما هي الظروف المثالية؟

لنأخذ مثالا الأزمة المالية في الولايات المتحدة 2009-2010 حين انهارت البنوك وهب العرب الأجواد لضخ السيولة فيها لإنقاذها. ولدى التحقيقات المكثفة، تبين أن شركة إنرون وعددا من الشركات العملاقة في الولايات المتحدة كانت هي السبب، لأنها منحت قروضا دون ضمانات، فكانت تعطي القروض، فيقوم المقترض ببيع العقار المرهون مع القرض والفوائد المتراكمة عليه بقيمة أكبر، ويربح مبلغا خياليا، ثم يقوم الذي اشترى ببيع العقار والقرض والفوائد المتراكمة عليه لمشتر آخر بمبلغ أعلى، فارتفعت الأرقام بشكل جنوني، والشركات تدفع، إلى أن وصلت إلى درجة الإفلاس ولم يبق لديها سيولة ولكن لديها قروضا فلكية على الورق فقط. أي أنه مال وهمي.

عندئذ، تنبهت الحكومات إلى ضرورة فرض الرقابة على الشركات ووضعت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) مصطلح "الحوكمة الراشدة" Good Governance لمنع الفساد وضبط العمليات المالية، وفرض شروط صارمة على القروض، لكي لا تخسر البنوك وتصل إلى ما وصلت إليه الولايات المتحدة. ومنذ أن طبقت مبادئ الحوكمة، استقام الأمر في الولايات المتحدة وعاد الاقتصاد إلى مساره الصحيح.

إذن فقد أدركوا أن الفساد هو مربط الفرس، ولكي يصبح الاقتصاد قويا، لا بد من اجتثاث الفساد، وفرض رقابة صارمة على الأجهزة المالية الحكومية والخاصة. ومعلوم أن الفساد يأخذ أشكالا مختلفة منها منح القروض بشروط تفضيلية ودخول الموظف الحكومي في أعمال استثمارية مستغلا منصبه (إذا كان صاحب منصب) والرشوة والاختلاس والتهريب بتعاون دائرة الجمارك وغيرها.

والأردن يمتلك كفاءات كثيرة ومقومات جيدة لزيادة الدخل منها قطاع التعليم والطب والسياحة، ومع ذلك فهو يزداد فقرا عاما بعد عام، فما هي المشكلة؟

هناك أثرياء في الأردن من العشائر الكبرى لديهم أراض واسعة وخصبة وقد قام هؤلاء منذ القدم بتربية قطعان من الغنم ويعمل لديهم الكثير من الرعاة وهم يبيعون اللحم ومنتجات الألبان، ولا أحد يستطيع الاقتراب منهم وسؤالهم من أين لك هذا، لأنه سيأخذه "بالبكم" أي حافلة مفتوحة متوسطة الحجم، ويريه خيام الرعاة وقطعان الماشية بكل بساطة. ويبقى السؤال الكبير هو أن في الأردن آلاف الأثرياء ليس لديهم قطعان ماشية ولا إقطاعات وقد عرفوا بالفقر أبا عن جد، وفجأة ارتفعت قصورهم من الوظيفة الحكومية، فكيف حصل ذلك؟

لست مختصة في علم الاقتصاد ولكن الإنسان العادي يعرف أين الخلل، ولا حاجة لرشق الرزاز أو غيره بالتقصير والقسوة والتغول على الشعب، افتحوا الدفاتر القديمة، ومحصوا فيها لتعرفوا أين ذهبت موارد الأردن.