ضياء الكعبي تجمع أكبر مجموع حكائي باللهجات الشعبية البحرينية

الحكايات الشعبية البحرينية .. ألف حكاية وحكاية" تمثل مشروعا وطنيا بذل فيه مجهود متميز.
العمل في الكتاب لم يكن بالسهل الميسر مطلقا، فقد احتاج تنقيح هذه المجموعة الحكائية الشعبية الضخمة جدا ما يزيد على الثلاث سنوات
الجمع الرسمي للحكايات الشعبية البحرينية بدأ في الثمانينيات من القرن الماضي
الباحثة تشير إلى إن وجود أرشيف الثقافة الشعبية البحرينية التابع للديوان الملكي

"هذا عمل منسوج عشقا، صنع من الحب وحركه الشغف، عشق البحرين وشغفها المتجدد الذي لا ينتهي" بهذه الكلمات تفتتح د. ضياء عبدالله خميس الكعبي أستاذ السرديات والنقد الأدبي الحديث المساعد بقسم اللغة العربية جامعة البحرين، كتابها الموسوعي الضخم الذي جاء في أربعة أجزاء من الحجم الكبير، وضم أكبر مجموع حكائي مدون باللهجات الشعبية البحرينية على اختلافها وتنوعها، وكذا عددا كبيرا من الحكايات الشعبية بما في ذلك تعدد الروايات للحكاية الواحدة، كما أنه مجموع حكائي شعبي يضم مختلف مناطق البحرين تقريبا، وقد استخدمت كلمة "ألف حكاية وحكاية" على شاكلة "ألف لية وليلة" تعبيرا عن العدد الكبير لهذه الحكايات الشعبية وليس إحصاء دقيقا لعددها وفقا للباحثة. 
الموسوعة التي وقعتها أخيرا الكعبي في ركن التواقيع بمعرض أبوظبي للكتاب في دورته الـ 29 تمثل مشروعا وطنيا بذل فيه مجهود متميز، وقد أكدت الكعبي في تقديمتها للموسوعة "أن الحكاية الشعبية تعد نوعا سرديا شفاهيا أنتجته الذاكرة الجمعية البشرية في سلسلة متصلة من التداول، وذلك في سعيها الدؤوب لفهم علاقة الإنسان بمنظومة الكون من حوله وبالأنظمة الثقافية الحاكمة لمجتمعه شأنها في ذلك شأن أشكال التعبير الشعبي المتنوعة مثل الأساطير والملاحم والسير الشعبية والأمثال والألغاز والنكات والأغاني الشعبية وغيرها".
وقالت إن مملكة البحرين تمتاز بتعدد بيئاتها البحرية والزراعية والصحراوية وكذلك تنوع العمران المديني والعمران القروي إلى جانب احتوائها في نسيجها السكاني على فسيفساء متنوعة من أعراق وأجناس تصاهرت وتجاورت وتعايشت على هذه الأرض المباركة، وهذه الجماعات المتنوعة عرقيا ومذهبيا لها نتاجها السردي الشفاهي الذي هو أحد أشكال التعبير في الأدب الشعبي، وبالتالي تعد الحكاية الشعبية البحرينية سجلا شفاهيا حافظا لتراث الآباء والأجداد منذ أقدم العصور يحكي عن علائقها بالكون والعالم والمجتمع في أنظمتة السياسية والدينية والثقافية والإجتماعية".

كلي ثقة أن هذا الحراك الثقافي الشعبي الجميل سينتج أجيالا من الباحثين والباحثات المهتمين بالثقافة الشعبية والمزودين بعدة منهجية رصينة

وروت الكعبي أنه في سنة 2007 دار حوار بينها وبين الشاعر على عبدالله خليفة بشأن تدوين الحكاية الشعبية البحرينية، وقالت إن هذا العاشق الأصيل للثقافة الشعبية البحرينية، لفت انتباهي إلى عدم وجود تدوين متسع للحكايات الشعبية البحرينية رغم ثرائها وتنوعها الخلاق وأشاد بالمجاميع الحكائية الشعبية التي دونها جامعون بحرينيون على مدى عقود، وسأشير إليها بعد قليل، وكان حديثا عن ضرورة تدوين الحكاية الشعبية البحرينية باللهجات الشعبية المحكية دون تحويلها إلى الفصحي سعيا للحفاظ على صورة المروية الشفاهية الشعبية كما قيلت، وكان حديثا كذلك عن ضرورة إجراء مثل هذا المسح الميداني الشامل لمختلف مناطق مملكة البحرين قبل أن يغادرنا بعض الرواة وخاصة كبار السن ممن يحتفظون في ذاكرتهم بحكايات يعود عمر بعضها إلى أكثر من ثلاثة قرون.
وأضافت "كان هذا الحوار الملهم بيني وبين على عبدالله خليفة هو الشرارة الأولى التي حفزتني لإجراء تدوين متسع للحكاية الشعبية البحرينية، وهو تدوين قائم على مسح ميداني يضم مختلف مدن البحرين وقراها، ومن خلال فريق كبير من الباحثين والباحثات يزيد عددهم على مائة باحث، وأعتز إعتزازا كبيرا لكل هؤلاء الباحثين وقد وثقت جميعهم بأسمائهم فهم من طلابي في مقرر الأدب الشعبي الذي يعد مقررا إجباريا لطلاب بكالوريوس اللغة العربية وآدابها بقسم اللغة العربية بجامعة البحرين، 
وقالت: فاجأني بعض الطلاب بأنهم يريدون جمع مزيد من الحكايات الشعبية في أجازتهم الدراسية، وقد كانوا يقولون لي هذا الأمر، وألمح في عيونهم شغفا كبيرا وحماسة أشعلتني لإتمام الوعد الذي قطعته على نفسي أن يكون هذا الجمع هو الأولوية الأولى لي في مشاريعي البحثية، وقد انضم إلى الفريق بعض الطلاب من الجامعة الذين أرادوا المساهمة في هذا المشروع الوطني ودافعهم الأول والأخير هو حب هذ الوطن المعطاء. 
وأوضحت الكعبي "عمل طلابي بصبر وعشق جميل وواجهوا صعوبات عدة في التدوين وخاصة رفض بعض النساء تسجيل أصواتهمن لأسباب دينية ولأسباب متعلقة بالعادات والتقاليد والأعراف الاجتماعية، وقام الطلاب بإجراء بحث ميداني يكاد يكون شاملا لمختلف الأماكن في البحرين، وهذا يعني أن هذا الجمع اشتمل على تنوع لهجي كبير، وقد أعددت هذا الفريق إعدادا ميدانيا ومنهجيا جيدا في الطرائق الحديثة للتدوين والجمع الميداني فضلا عن إمدادهم باللهجات الحديثة للمقاربات النقدية المتصلة بالثقافة الشعبية مع التركيز على اللهجات والمقاربات في مرحلة الحداثة وما بعدها وصولا إلى مرحلة الدراسات الثقافية، وكنت دائما أخبر طلابي أنني أريد أن أخلق منهم باحثين ميدانيين وباحثين أكاديميين يوظفون اللهجات الحديثة في مقارباتهم لثقافتنا الشعبية التي تستحق الاشتغال عليها بعشق، وأعتز كثيرا بمساهمتي البسيطة في تأسيس عدد من الطلاب الجامعيين البحرينيين في مجال الجمع والاشتغال الرصين للثقافة الشعبية البحرينية. وأنا عازمة بمشيئة الله تعالى على استكمال مشروع توثيق أنواع مختلفة من الثقافة الشعبية البحرينية ميدانيا والاشتغال عليها منهجيا سواء في دراسات منفردة أو من خلال بعض الشراكات البحثية مع زملائي وزميلاتي المهتمين بهذا القطاع المهم جدا من ثقافتنا.
وكشفت الكعبي أن العمل في الكتاب لم يكن بالسهل الميسر مطلقا، فقد احتاج تنقيح هذه المجموعة الحكائية الشعبية الضخمة جدا ما يزيد على الثلاث سنوات واضطررت إلى طباعة الجزء الأول من الجمع الميداني بنفسي إلكترونيا. وقد اشتغلت لوحدي في هذه المرحلة الصعبة جدا التي احتاجت إلى أن أرجىء الأعمال البحثية الخاصة بي وأن أتفرغ تفرغا كاملا للعمل وإرجاء السفر في كثير من الأحيان خاصة في إجازاتي الخاصة مع ضغط المقررات التدريسية والعمل الإداري الأكاديمي المرهق، ورغم الجهد الكبير في مراجعة البروفات وتدقيقها وتنقيحها من الأخطاء التي وقع فيها الطلاب نتيجة التعجل أحيانا في الكتابة، أقول رغم هذا التعب كله إلا أنني كنت سعيدة جدا في كل مرحلة من مراحل عمل المشروع، أعمل فيه بعشق وحب ويعمل فيه الفريق كذلك بعشق وحب لأنه عمل يحمل اسم مملكتنا الغالية البحرين.
وأكدت الكعبي على أن العمل هو أكبر مجموعة حكائية شعبية على مستوى الوطن العربي أنجزت حتى الآن؛ إذ تشتمل هذه المجموعة الحكائية الشعبية على حكايات كثيرة بما في ذلك من مرويات متعددة للحكاية الواحدة في ألفين وخمسمائة صفحة. رغم أن الجمع الأصلي يشتمل على ضعف هذا العدد أي خمسة الآف صفحة، ولكني ارتأيت أن أنتقي من الحكايات تجنبا للتكرار مع إبقائي على الجمع الأصلى محفوظا ورقيا وإلكترونيا لدى أرشيف الثقافة الشعبية.
وأشارت إلى أن هذا المشروع الوطني يسعى إلى توثيق ذاكرة الحكاية الشعبية البحرينية قبل إندثارها فمع كل راو يموت تندثر مكتبة كاملة من السرد الشفاهى، وهذا يعني أن جزءا كبيرا من ذاكرتنا يموت ويتلاشى، فحفاظا على هذه الذاكرة الشعبية البحرينية من الموت والإندثار، ومن أجل أن تكون حاضرة لأجيال سعينا إلى بذل جهد بسيط لإنعاش ذاكرة الحكاية الشعبية البحرينية تمهيدا لدراستها درسا أكاديميا منهجيا معمقا. كما يسعى كذلك إلى الحفاظ على الهوية البحرينية وإبرازها بتنوعاتها واختلافاتها هي سمة المجتمع البحريني المتسامح المتعايش مع أطياف متنوعة في أديانها ومذاهبها وعرقياتها الآتية، وللحكاية الشعبية دور كبير في إبراز هذه التنوعات الخلاقة والمساعدة في تعزيز انتماء هذا الجماعات المختلفة للمواطنة والهوية البحرينية.

موسوعة الحكايات الشعبية
فسيفساء متنوعة

ورأت الكعبي إن هذه الطبعة من هذا المشروع الحكائي الشعبي هي طبعة أولى محدودة خاصة فقط بمراكز الأبحاث والجامعات والمؤسسات المعنية بالثقافة الشعبية، ولذلك أوردت فيها روايات متعددة للحكايات الشعبية الواحدة نظرا إلى دور التأويل في قراءة اتساق الحكاية، وستتلو هذه الطبعة طبعة متخصصة للقارئ العادي غير المختص، كما ستتلو هذه الطبعة دراسة منهجية خاصة بهذا المجموع الحكائي الشعبي ملحقة بمعجم شامل للألفاظ الشعبية الواردة في الحكايات.
وأشادت بالجهود الكبيرة التي بذلها بعض الجامعيين البحرينيين في مجال تدوين الحكاية الشعبية على مدى عقود، وفي مقدمتها، جهود العلامة الملا محمد على الناصري في مجال التوثيق الشعبي، وجهود كريم العريض وصلاح المدني في كتابهما المشترك من تراث البحرين الشعبي، وهو الكتاب الذي أنجزاه في بداية السبعينيات من القرن الماضي، ومن الأسماء البحرينية المبكرة التي إشتغلت في مجال جمع الحكايات الشعبية البحرينية فؤاد جعفر، وأشير كذلك إلى جهود إبراهيم بشمي في كتابه "حكايات شعبية" عام 1986، وهو الجمع الذي ضم قصصا شعبية من مختلف مناطق البحرين، أعاد إبراهيم بشمي صياغتها بلغة عربية فصحى مبسطة تناسب الأطفال.
وقالت الكعبي: من الجهود الشعبية المتميزة في تدوين الحكاية البحرينية الجمع الحكائي الشعبي الذي اشتغل عليه د. يوسف بن أحمد في عشرة أجزاء مدونة باللغة العربية الفصحى المبسطة ومن المجاميع الحكائية كذلك "ديج الفريج" للكتور عبدالعزيز صويلح الذي دون مجموعة من الحكايات الشعبية البحرينية، وقد شتغل بعضها على إحالات مرجعية لحوادث تاريخية في البحرين الحديثة، وجاء جمعه كذلك باللغة العربية الفصحى المبسطة مطعمة بمفردات من اللهجات الشعبية البحرينية، وهناك مجموع حكائي شعبي مهم جدا نظرا إلى طبيعة مضامينه وحجمه وهو "حزاوى أمي شيخة بأحلام الطفولة" للباحثة د. أنيسة فخرو، وجاء هذا الجمع الشعبي في خمسة أجزاء من القطع المتوسط مشتملا على مائة حكاية شعبية مصدرها جدة الجامعة، وقد أتى الجمع بلغة عربية فصحى مبسطة. وقد أعادت د. أنيسة فخرو نشر بعض الحكايات مدونة باللهجة الشعبية البحرينية. 
ولا بد من الإشارة في هذا المقام بجهود الباحث التراثي محمد جمال واشتغاله على تدوين بعض الحكايات الشعبية البحرينية ودراستها وقد نشر تدوينه في بعض الجرائد البحرينية كما نشرت مجلة "الثقافة الشعبية" البحرينية بعضا من دراساته المهمة، ومن الأسماء التي لا بد أن تذكر أيضا الباحثة البحرينية فاطمة السليطي المهتمة بجمع الأمثال، ولا يغيب عنا التداخل في كثير من الأحيان بين الأمثال والحكايات الشعبية. وهناك عدد من المشتغلين البحرينيين في مجال الحكاية الشعبية من خلال تدوينها ودرسها ومنهم عبدالقادر عقيل وإبراهيم سند وعبدالله عمران وغيرهم.
وذكرت الكعبي أن الجمع الرسمي للحكايات الشعبية البحرينية بدأ في الثمانينيات من القرن الماضي عندما قامت وزارة الإعلام ممثلة في دارة المتاحف والتراث بتدريب مجموعة من الباحثين الميدانيين، وفي عام 1986 بدأت عملية الجمع الثانية بالتعاون مع مركز التراث الشعبي لدول الخليج العربي بإشراف د. بروين نوري عارف رئيس وحدة الأدب الشعبي، ولكن هذا الجمع لم يظهر في كتاب حتى الآن.
وأشارت إلى إن وجود أرشيف الثقافة الشعبية البحرينية التابع للديوان الملكي قوة دعم كبرى ومساندة للثقافة الشعبية البحرينية، وقد عقدت مجلة "الثقافة الشعبية" برئاسة على عبدالله خليفة عدة ندوات داخلية إلى جانب ندوات دولية احتفت بالحكاية الشعبية البحرينية، وأشرف أنني شاركت فيها بأوراق بحثية، وكلي ثقة أن هذا الحراك الثقافي الشعبي الجميل سينتج أجيالا من الباحثين والباحثات المهتمين بالثقافة الشعبية والمزودين بعدة منهجية رصينة، وما قام به الفريق الجماعي في مجال هذا العمل هو جزء من هذا الحراك الثقافي الشعبي المهم جدا.
وتطمح الكعبي إلى أن ينشأ في البحرين متحف تفاعلي خاص بتوثيق المرويات الشعبية البحرينية على إختلاف تنوعاتها بالصوت والصورة مما سيؤدي إلى تناول المرويات الشعبية بخصائصها المنطقية التي قد تعجز الكلمات المدونة عن بيانها، وكذلك أن تنشأ مختبرات أكاديمية خاصة بالسرديات الشعبية البحرينية، وهي مختبرات بإمكانها مستقبلا توثيق شراكات بحثية خاصة مع مراكز التراث الشعبي بدول مجلس الخليج للبحث عن المشتركات في هذه السرديات الشعبية.