"طوفان اللوتس" .. رحلة إلى قلب الأسطورة

اللغة العربية الفصيحة القوية والجزلة هي ما استخدمتها وفاء شهاب الدين سواء في السرد أو في الحوار مما أضفى على الرواية قوة وخيال.
الكاتبة تحلق وحدها في سماء أخرى وتنحو منحى آخر يختلف عن الآخرين
البطلة تكتشف أنها الملكة "نفر" زوجه "حور" والتي قتلت من ثلاثة آلاف سنة وبعثت من جديد في جسد سندس

كتب ـ حسام باظة

في أسلوب أشبه بكتابات الأساطير، ولغة شعرية بديعة تبدو كما لو كانت تغريدة بجعة تسبح وحيدة في بحيرة، نسجت لنا الكاتبة وفاء شهاب الدين هذه الرواية من بدايتها إلى نهايتها مما يجعل الكاتبة تحلق وحدها في سماء أخرى وتنحو منحى آخر يختلف عن الآخرين.
اللغة العربية الفصيحة القوية والجزلة هي ما استخدمتها الكاتبة سواء في السرد أو في الحوار مما أضفى على الرواية قوة وخيال. بدأت الرواية برحلة سيارة لبطلة الرواية سندس آخذة في وصف المكان والشخصية بأسلوب ينقلك على الفور إلى جو الرواية وكأنك تشاهد فيلما سينمائيا.
عدد الشخصيات في الرواية قليل جدا، فهم لا يزيدون عن سبعه أو ثمانية أشخاص مقارنة برواية تقع في حوالى أربعمائة صفحة، ولم تستخدم الكاتبة الشخصيات الثانوية إلا فيما ندر، وفي ظل اضطرار الحدث إلى ذلك، مما يساعدك على التركيز فيما تريد الكاتبة أن توصله إليك، ولا تتشتت في شخصيات وأحداث ثانوية.
فكرة الرواية تمزج بين الواقع والخيال، سندس البطلة بعدما يموت أبوها وتصبح وحيدة وتنكسر في قصة حب فاشلة تهرب من قاهريتها الصاخبة المرفهه المتحررة إلى قرية "قبريط" الواقعه بشمال مصر على نهر النيل، لتعيش وحيدة في بيت أبيها وجدها لتزيل عنه التراب وتسقى وروده وأشجاره لتزدهر مرة أخرى، في إشارة إلى مقابلتها للبطل ياسين هذا الرجل الأسطوري الكاسح، والذي سقط قلبها تحت قدميه من أول لقاء ليكسر كبرياءها ويعاملها بتعال من برجه العاجي. 

اللغة الرومانسية وعبارات الحب والوجد تمتلىء بها الرواية وخاصة في الحوارات المتعددة والطويلة بين سندس وياسين

اكتشفت سندس أقارب أبيها واللذين تقابلهم لأول مرة وهم هذا الأسطوري ياسين وأخيه جاسر وأبوهم الحاج أحمد ووالدتهم، لتحيطها هذه الأسرة بالود والحب والتبني، إلا أن حبها لياسين لا يسير بما تشتهي السفن فهو رجل متزوج.
تبدأ الرواية في الثلث الثاني منها في أخذ منحى آخر حين تكتشف سندس أن بيت جدها هذا والذي يقع في هذه القرية الأثرية القديمة "قبريط" يقبع فوق مقبرة فرعونية للملك "حور" والذي يخطفها إلى أسفل البيت لتجد نفسها في قاعة فرعونية مهيبة أمام الفرعون الاله "حور".
تكتشف سندس أنها الملكة "نفر" زوجه "حور" والتي قتلت من ثلاثة آلاف سنة وبعثت من جديد في جسد سندس، لتسير بنا الرواية في خط تناسخ الأرواح وحلول الأرواح كل ثلاثة آلاف سنة في جسد جديد، وتتمزق سندس بين حبها لياسين وحب حور لها والذي عاد بعد آلاف السنين ليبحث عنها ويجدها مرة أخرى.
في خضم هذه الأحداث التي تجعل أنفاسك متلاحقة تكتشف كم هائل من المعلومات الصحيحة والمدققة عن الحضارة الفرعونية وأساطيرها القديمة وصراع الآلهة في المعتقد الفرعوني القديم لتجد نفسك شاهد عيان على ست وحور ونفر وإيزيس وأزوريس وماعت وست ونفتيس وكاف ميريت ورع، وصراع كل هؤلاء الالهة فيما بينهم، مما يوضح الجهد الذي بذل في تدقيق هذه المعلومات وصياغتها بهذه الطريقة، ثم تعود بك في رشاقة إلى عالم ياسين وجاسر وسندس ووالدهم وأمهم، لتسير الرواية على هذا النهج وبين هذين الزمنين لنصل إلى بؤرة الصراع عندما يتزوجها ياسين ويغار عليها حور من ياسين، والعكس حتى نصل إلى حل الصراع ونقطة الضوء في الجزء الأخير من الرواية والتي صاغته الكاتبة كملحمة فرعونية بديعة.
تؤكد الرواية على قيمة العائلة، مما يعد نقطة محورية ومهمة جدا في صلب الرواية، فالبطلة سندس والتي وجدت نفسها وحيدة بعد وفاة والدها تسافر إلى بلدتها لتجد الحاج أحمد ابن عم والدها وابناءه ياسين وجاسر خير عون لها، يحتضنونها ويوفرون لها الامان النفسي والاجتماعي لدرجة أنها تجد نفسها بدون أن تشعر تقبل يد عمها الحاج أحمد كلما سلمت عليه، وهي الفتاة المتعجرفة المتحرره إلا أن هذه الشخصية القوية والتي لها مكانة كبرى في البلده والبلاد المجاورة والمتمثلة في هذا الرجل تجعلها تشعر بأنه في مكانة والدها. 

رواية وفاء شهاب الدين
تحلق وحدها في سماء أخرى 

تتطرق الرواية إلى نقطة مهمة وهي وقوع الزوج في حب فتاة حبا لا يوصف في الوقت الذي يحب فيه زوجته أيضا، لتقول إن الرجل بطبيعته قلبه يتعلق بأخرى حتى لو كان متزوجا ويحب زوجته، وعالجت هذه الجزئية بحرفية بالغة لتجد لها حلا في الرواية.
الوصف في الرواية دقيق للغاية، واللغة الرومانسية وعبارات الحب والوجد تمتلىء بها الرواية وخاصة في الحوارات المتعددة والطويلة بين سندس وياسين.
الكاتبة كما قلت في البداية تحلق وحدها في سماء أخرى لتنسج لنا نوعا من الكتابة تجيده هي، والرواية من أروع ما قرأت في السنوات الاخيرة، من وجهة نظري أن عدم وجود الكاتبة في القاهرة - وهي المركز الأدبي والثقافي الأول وإقامتها في محافظة كفر الشيخ والتي تبعد عن القاهرة كثيرا - قد أثر بشكل ما عن عدم وجود الكاتبة في مكانها الملائم لها في صدارة كتاب الرواية العربية.