عام على كورونا: تعددت الأسباب وجُرم الصين وإيشغل واحِدُ

ما حدث في العالم من كوارث إنسانية واقتصادية بسبب الوباء لا يمكن ان يمر مرور الكرام. يوم الحساب قادم.
نظام شمولي ﻻ يزال يرفض الاعتراف بالجريمة
اتخاذ أي إجراء ضد الصين يتطلب شجاعة وتضامنا عالميا
الحكومة الصينية تتحمل مسؤولية أخلاقية وقانونية أكبر من إدارة مدينة إيشغل في النمسا

أحيَت إيطاليا قبل أيام، وتحديداً في الثالث عشر من الشهر الجاري، الذكرى الأولى لفاجعة مدينة برغامو التي فاجأها وأفجعها فيروس كورونا في مثل هذا التاريخ من العام الماضي، لدرجة أن مدافنها لم تعد تستوعب جثث الضحايا، مما اضطر الحكومة الإيطالية إلى نقلها للمدن المجاورة في طابور من الشاحنات، في مشهد أرعب العالم وأدمى قلوب الناس بمشارق الأرض ومغاربها، ولن تنساه الذاكرة الإنسانية الى حين.
وفي الحقيقة ليس فقط إيطاليا، بل يفترض بكل العالم أن يختار يوما خاصا للتذكير بظهور فيروس كورونا، الذي تحول الى وباء اكتسح العالم، ولإحياء ذكرى ضحاياه الأبرياء، الذين سقطوا بالملايين في جميع أنحاء العالم ولا يزالون، بسبب استهتار نظام شمولي دكتاتوري إجرامي أدى تكتمه لحِفظ ماء وجهه الكالح، أو ربما تخطيطه قصداً لتحقيق مكاسب اقتصادية بضرب منافسيه، ليس فقط بظهور الفيروس بل وبانتشاره في كل العالم، ورغم ذلك ﻻ يزال يرفض الاعتراف بخطئه والاعتذار عن جريمته، بدليل عدم تعاونه مع خبراء منظمة الصحة العالمية، الذين زاروا الصين قبل أشهر للبحث عن أسباب ظهور الفيروس وتفشيه، مما يؤكد تورطه في الأمر، وهو ما يستدعي التحرك دولياً للكشف عن من تسبب بذلك لمحاسبته كائناً من كان، كي يصبح عبرة لغيره ممن يفكر أن يتلاعب بحياة البشر ومصائرهم.
وكنموذج على هذا التحرك الدولي، تعكف مجموعة محامين أوروبيين وألمان منذ أشهر على جمع المعلومات والتحضير لرفع دعوى قضائية ضد الإدارة المحلية وبعض المرافق السياحية في مدينة إيشغل الواقعة بوﻻية تيرول بجبال الألب النمساوية التي تم التأكد من أنها كانت بؤرة تفشي الفيروس في عموم أوروبا، لأنهم تكتموا على وجود إصابات بين العاملين لديهم رغم علمهم بذلك لأسباب اقتصادية، وهو ما وُصِف بأنه إهمال مُتعمد تسَبّب بإصابة العديد من السياح بالفيروس وانتشاره في بلدانهم بعد عودتهم اليها.
وهذا طبعاً هو الإجراء المنطقي السليم الذي ينبغي اتخاذه تجاه إدارة المدينة لأنها المسؤولة عن تفشي الفيروس وموت الناس بعموم أوروبا، وهو نفس الإجراء الذي ينبغي اتخاذه تجاه الحكومة الصينية التي تتحمل مسؤولية أخلاقية وقانونية أكبر من إدارة مدينة إيشغل، لأن تكتمها على ظهور الفيروس وتأخرها بالإعلان عنه تسبب بانتشاره وتفشيه بكل أنحاء العالم، وهو أمر ممكن لكنه يحتاج الى فريق محامين يتبنى الموضوع، ويجمع معلومات عنه، ويبحث في تفاصيله القانونية، لرفع مثل هذه الدعوى القضائية تجاه الحكومة الصينية ومحاسبتها، لأنها انتهكت معاهدة الرعاية الصحية الدولية بإخفائها معلومات مهمة تتعلق بالمرض، ومن ثم مطالبتها بالاعتذار وتعويض ضحاياه وأهاليهم، الذين باتوا بالملايين في كل العالم، عن الضرر الذي أصابهم وعن فقدانهم لأحبتهم.
هنا يبقى السؤال المطروح هو: هل ستكون القضية التي رُفِعت في النمسا والمانيا ضد بلدية إيشغل نموذجاً يُمَهِّد لقضية أكبر يتم التحضير لها ضد الصين، أو قد يتم التحضير لها من قبل الاتحاد الأوروبي ضد الصين مستقبلاً بعد أن يتجاوز هذه الازمة ويقف على رجليه مجدداً ليواجهها بِشر أعمالها؟ أم يُراد من إيشغل أن تكون كبش فداء يتم تحميله مسؤولية ما حدث لأوروبا فقط دون التحرش بالتنين الصيني، لأن أوروبا قد لا يكون لها قِبَل بمواجهته لا اليوم وهي بعِز ازمتها، ولا غداً بعد أن تخرج مُنهكة منها، من باب إبعد عن الشَر وغني له؟ وهو ما سنعرف إجابته خلال الفترة القادمة، خصوصاً أن أول دعوة بهذا الاتجاه قد جاءت من بريطانيا، التي طالبت مؤسسة بحثية فيها بمقاضاة الصين عما تسببت به لها من خسائر بشرية ومادية، تلتها دعوات مماثلة من فرنسا ثم الولايات المتحدة، بل وحتى ألمانيا لكن بنبرة أخف، والتي قد تتبعها دعوات مماثلة في دول أوروبية أخرى مستقبلاً.
فقبل أن ينتهي عام كورونا 2020، طالبت جمعية هنري جاكسن في بريطانيا الصين بتعويضات بمليارات الدولارات بسبب ما اعتبرته تعتيما وإخفاء متعمدا لحقيقة انتشار الفيروس وخطورته، وهو ما تسبب بخسائر اقتصادية فادحة ووفيات كبيرة! فقد اضطرت أغلب دول أوروبا الى صرف مبالغ طائلة لأجل دعم اقتصادها، بعد تعطيلها للأعمال وطلبها من مواطنيها البقاء بمنازلهم للسيطرة على انتشاره.
ووضعت الجمعية جُملة خطوط أولية يمكن اعتمادها كأساس لدعوى تهدف لمقاضاة الصين دولياً، أولها خرقها لبنود "اتفاقية منظمة الصحة العالمية" التي يفترض أن حكومة الصين قد زادت منها بعد إخفائها لانتشار فيروس سارس عام 2002 و2003، وفشلت بتطبيقها بعد انتشار فييروس كورونا.
ثانياً إبلاغها للمنظمة وللعالم بأن الفيروس لن يغادر أراضيها، وهو ما لم يحدث بل حدث العكس! ثالثاً مُماطلتها بالكشف عن البيانات التي كانت ستعطي أدلة عن انتقال العدوى من شخص لآخر لمدة قاربت الشهر، في خرق واضح للوائح منظمة الصحة العالمية، التي تتحمل بدورها ا مِن المسؤولية باعتمادها هذه البيانات، وتجاهلها بيانات مخالفة زوّدتها بها تايوان تؤكد أن الفيروس ينتقل من شخص لآخر!
رابعاً تزويد المنظمة بمعلومات خطأ حول عدد الإصابات بين نهاية ديسمبر 2019 ومنتصف يناير 2020! خامساً فشلها بمنع نواقل العدوى الفيروسية الحيوانية التي يمكن تجنبها، وسماحها بدلاً من ذلك بانتشار الأنواع المضيفة الفيروسية الخطيرة للاستهلاك البشري! سادساً سماحها لـ5 ملايين شخص، أي ما يعادل تقريباً عدد سكان مدينة برلين، بمغادرة ووهان قبل فرض الإغلاق في 23 يناير 2020، على الرغم من معرفتها بإمكانية إنتقال الفايروس من شخص لآخر! 
جدير بالذكر أنه بتاريخ 31.12.2019 و14.01.2020 خرجت علينا منظمة الصحة العالمية استناداً على معلومات مضللة من الحكومة الصينية، لم يتم التأكد منها ميدانياً، بتصريح مفاده أن فيروس كورونا لا ينتقل من شخص مصاب لآخر سليم! وترَتّب عليه اطمئنان باقي دول العالم التي وثقت بكلام المنظمة التي اعتمدت هذه المعلومات ولم يتم إيقاف حركة المواصلات البرية والجوية والبحرية مع الصين، والتي استمر المقيمون فيها بالسفر للخارج، وساهموا بتفشي المرض وتحوله الى وباء، تسبب ولا يزال بموت آلاف الأرواح البريئة، وقطع أرزاق الملايين، وخسارة مليارات الدولارات شهرياً في جميع أنحاء العالم، لا لشيء سوى أن السلطات الصينية أرادت أن تُعَتم على الموضوع لتُحافظ على صورة التنين العملاق، بدل الاعتراف بالحقيقة والخطأ، ومحاولة تدارك الموضوع بصراحة وشفافية.
إن اتخاذ أي إجراء ضد الصين يتطلب شجاعة وتضامنا عالميا، يبدأ بتجميع سلسلة خيوط وإجراءات قانونية، يليه حساب تكلفة الأضرار الفادحة التي لحِقت بالاقتصادات العالمية، ومطالبة الحكومة الصينية بتعويضها عنها.
ويمكن أن يتم التحرك بشكل أولي ضمن إطار منظمة الصحة العالمية لتقديم هذه الدعوى، ولو أن الأخيرة بدأت تفقد مصداقيتها شيئاً فشيئاً خلال أزمة كورونا، التي عَرّت ترَهّل بنيتها وعلاقتها المُريبة بالحكومة الصينية وتواطؤها معها، ما أدى بالنهاية الى فشلها بحماية العالم من وباء أودى بحياة وأضَر بصحة الملايين من سكانه، ولكن من باب رفع العتب، ومحاولة البدء بإصلاح هذه المنظمة وإعادة هيكلتها على أسس سليمة.
وفي حال فشل المجتمع الدولي في ذلك يمكن أن تشمل الخيارات الأخرى اللجوء لمحكمة العدل الدولية، كما يمكن أن تكون المحاكم المحلية سُبلاً ممكنة، خصوصاً بحال مطالبة أهالي ضحايا الفيروس، أو حتى المتعافين الذين ترك بأجسامهم أضرارا لا يمكن علاجها، بتعويضات عما أصابهم نتيجة أخطاء وأكاذيب الحكومة الصينية المتكررة منذ بداية وباء فيروس كورونا، والتي كانت لها نتائج مميتة.
قد يكون سبب التعتيم على الأمر في الصين هو التهَرّب من المُساءلة، لأن المرض ظهر فيها، كما أن الأنظمة الشمولية الدكتاتورية تعاني مِن عُقَد نقص، لذا تحاول أن تبدو دائماً بصورة القوي وبمَظهر المُسيطر على الأمور، وليس بعيداً أن تكون قد قامت بذلك عن قصد لإرباك منافسيها من الدول الصناعية الكبرى، وتحديداً أوروبا وأميركا، وإنهاكهم بشرياً وإضعافهم إقتصادياً، ولتشويه صورتهم عالمياً حينما يُباغتهم المرض وتعجز أنظمتهم السياسية والصحية في التعامل معه بسرعة بسبب طبيعة أنظمتها السياسية الديمقراطية، وأنظمتها الإدارية البيروقراطية، ومجتمعاتها المُرفّهة المعتادة على الحرية، والتي يصعب تدجينها والسيطرة عليها وتقييد حركتها بالحَجر كما تفعل الصين بكل سهولة مع شعبها، ربما هناك أسباب أخرى ستكشفها الأيام وتظهر مستقبلاً. 
أما في مدينة إيشغل فقد يكون سبب التكتم على الأمر هو الاهمال والجشع، الذي دفع أصحاب بعض المرافق السياحة الى الاستمرار بممارسة نشاطهم، وعدم إغلاقها وتبليغ السياح حينما تأكدت لهم إصابة بعض العاملين لديهم بالمرض، بل إنهم ماطلوا الحكومة التي بدورها تراخت معهم، ليكسبوا بعض الوقت والمال، خصوصاً بعدما تكشفت العلاقة الشخصية التي تربط إحدى أكبر العوائل الغنية وصاحبة أكبر الاستثمارات في إيشغل بسياسيين كبار في الحكومة النمساوية. 
لكن مهما تعددت الأسباب التي دفعت ساسة الصين أو المستثمرين في إيشغل للقيام بفعلتهم الشنيعة هذه، فالنتيجة في النهاية كانت واحدة وجُرمهم واحد، لأنه تسبب بخسائر بشرية واقتصادية فادحة، وإذا كان بالإمكان تعويض الخسائر الاقتصادية، فالخسائر البشرية لا تُعَوّض، ويجب أن ينال من تسبب بضياعها جزاءه العادل، سواء كان صاحب مطعم في مدينة إيشغل أو رئيس جمهورية الصين.