عبدالله العابر يرى أن المسرح الكويتي متواجد بقوة خليجيا وعربيا

المسرح الكويتي مر بعدة مراحل أثرت فيه بشكل مباشر ومنها مرحلة استلهام النص لوقائع وشخصيات تراثية أو تاريخية عربية تعتبر علامات مضيئة في تاريخنا العربي.
العمل الأكاديمي يتطلب أسسا ومعايير مختلفة تماما عن بناء عمل مسرحي خارجي
الصورة في العروض الكوميدية تميل إلى المبالغات

يجمع المسرحي الكويتي د.عبدالله العابر بين الإخراج المسرحي والتليفزيوني والتمثيل والتأليف وبين الأكاديمية تنظيرا ودرسا ونقدا حيث يترأس قسم الإخراج والتمثيل بالمعهد العالي للفنون المسرحية بدولة الكويت، ويتمتع بحضور فاعل ومتميز ﻓﻲ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻓﻲ اﻟﻤﻬﺮﺟﺎﻧﺎت اﻟﻤﺴﺮﺣﻴﺔ اﻟﻤﺤﻠﻴﺔ واﻟﺨﻠﻴﺠﻴﺔ والدولية ﻓﻲ ﻣﺠﺎل اﻹﺧﺮاج واﻟﺘﻤﺜﻴﻞ والورش والندوات والمؤتمرات واﻟﻠﺠﺎن اﻟﻔﻨﻴﺔ وﻟﺠﺎن المشاهدة والتحكيم، هو عضو مؤسس في أغلب المهرجانات والفعاليات، كما أنه عضو في الكثير من الفرق المسرحية، وقد حصد عشرات الجوائز سواء كمخرج أو مؤلف أو ممثل، منها ﺟﺎﺋﺰة الدولة اﻟﺘﺸﺠﻴﻌﻴﺔ ﻓﻲ الإخراج، وﺟﺎئزة اﻹخراج اﻟﺨﻠﻴﺠﻲ ﻓﻲ ﺻﻼﻟﺔ، وجائزة الإبداع لأفضل عرض ﺧﻠﻴﺠﻲ مقدمة من الشيخ الدكتور سلطان اﻟﻘﺎﺳﻤﻲ، وﺟﺎﺋﺰة اﻹخراج ﻓﻲ مهرجان اﻟﻤﺴﺮح اﻟﻤﺤﻠﻲ ﻓﻲ الكويت، وجائزة الإخراج في مهرجان الخليج. ومن الأعمال التي أخرجها العابر "الصبخة" و"البوشية" و"غفار الذلة" وغيرها.
قطع العابر مراحل عدة في مسيرته المسرحية الأولى تمثلت في مشاركاته في النشاطات المسرحية سواء في المدارس أو عبر الورش التدريبية، والمرحلة الثانية جاءت بالالتحاق بالمعهد العالي للفنون المسرحية قسم التمثيل والإخراج، والثالثة التي توجته مخرجا وممثلا ومؤلفا وتمثلت في المشاركات الأكاديمية والمسابقات الرسمية للشباب والمحترفين. وأخيرا المرحلة الرابع حصوله على درجة الدكتوراه عن أطروحته "تقنيات الإخراج في المسرح الكوميدي في الفترة من 1990 و2011". وكان من أثر هذه المراحل أنه انتسب إلى الفرق المسرحية "فرقة مسرح الشباب"، "فرقة مسرح الخليج"، ومشاركته في العديد من المحافل المحلية والعربية والدولية سواء كانت عروض مسرحية أو لجان التحكيم أو ورقة عمل أو إشراف على الورش المسرحية ولجان المشاهد والتحكيم.
في هذا الحوار مع العابر نتعرف على رؤاه وأفكاره فيما يخص المسرح الكويتي خاصة والعربي عامة.

لا الحروب ولا الإرهاب ولا النزاعات استطاعت أن توقف المسرح بل العكس دفعته ليوسع دائرته وينطلق نحو مزيد من معالجة القضايا والاشتباك مع المجتمع

بداية يؤكد العابر أن جمعه بين العمل الأكاديمي والاشتغال بالعمل المسرحي خارج النطاق المؤسسي ليس بالأمر السهل، لأن العمل الأكاديمي يتطلب أسسا ومعايير مختلفة تماما عن بناء عمل مسرحي خارجي، ولكي أعمل على التوازن بين الأمرين. كان لا بد من وضع خطط زمنية بفترة كافية والاشتغال في وقت الفراغ للإعداد المبكر. فالعمل الأكاديمي من الناحية الزمنية والمنهج التعليمي وعدد الطلاب والإمكانيات المتاحة. أما صناعة العمل المسرحي المحترف الخارجي فليس له وقت ثابت ويحتاج فترة أطول من الجانب التحضيري لذلك أعمل على رزنامة لا تقل عن السنتين لخلق هذا التوازن.
ويرى العابر أننا نعيش في ظل عولمة أنتجت عالما متداخلا مليئا بالاختلاقات السياسية والاختلافات الدينية المصطنعه، وأنه في ظل التطور التكنولوجي واتساع دوائر التقنيات الحديثة "السوشيال ميديا"، ومع اتساع تأثير كل ذلك أصبح من الصعب معه تحليل الواقع بالشكل الصحيح أو استشرافه. ومن جهة أخرى رغبة السلطات العربية والغالب منهم بعدم إقحام المسرح في الواقع القائم، فقد عملت أغلب السلطات على تقييد حرية الرأي وإصدار قوانين تقيد المسرح. ومن الملاحظ أن ثمة هجمة كبيرة على المجتمع بقصد التغيير والتفكيك، وفي ظل هذه الظروف أصبح لدى بعض المسرحيين التوجه إلى الحالة الاجتماعية، وإعادة الصياغة متمازجة مع الشكل والتقنيات الحديثة، وذلك خوفا من الاندثار والانحلال، والتأكيد على الإنسان في المجتمع والعلاقات فيما بينهم لمواجهة هذا العالم. 
ويشير العابر أن المسرح الكويتي مر بعدة مراحل أثرت فيه بشكل مباشر ومنها مرحلة استلهام النص لوقائع وشخصيات تراثية أو تاريخية عربية تعتبر علامات مضيئة في تاريخنا العربي، وأسقطها على واقع الكويت المعاصر، بهدف تعظيم دور بطولي تاريخي، وما بين الهواية والاحتراف أتت تلك العروض المسرحية بأسلوب أكثر عمقا وتأصيلا من خلال تجويد الأداء التمثيلي وتصورات المخرجين الدارسين ومصممي المناظر والأزياء وحيل التنكر المتقننة. 
كما يمكن القول إن صور التراث وقيمه لم تنفصل انفصالا تاما عن معالجات كتابنا المسرحيين، من خلال انتقاء الكتاب لبعض المواقف المشرقة في تاريخنا وتراثنا الأدبي والقصص الشعبي العربي القديم، وإعادة كتابتها وإخراجها في عروض مسرحية تعرف أبناء هذا الجيل بأمجاد تاريخنا العربي وأبطاله وعظمة علمائنا وشعرائنا ومجاهدينا في سبيل نصر الوطن والدين والحفاظ على هويتنا العربية.
ويوضح أن العرض المسرحي الكويتي يعد وسيلة تفاعل فني مع المجتمع عبر عملية اتصال حاضر بين حالة الإرسال والاستقبال: "العرض" بوصفه حالة اتصال وجداني وفكري حاضر بين مجموعة من الفنانين الذين يعبرون بالتمثيل وتقنيات العرض المسرحي عن مضمون النص وخطاب المؤلف المسرحي وجمهور المتفرجين. وقد اهتمت النصوص المسرحية الكويتية الأولى وما تحمله من موضوعات بالكشف عن طبيعة العادات والتقاليد الموروثة وصراع المتمسكين بها من الآباء مع طموحات الأبناء نحو التخلص من قيود تلك الموروثات وصور التفكك الأسري والانشغال بالمصالح الشخصية على حساب تماسك الأسرة واستقرارها، ومن ثم اتجه المسرح الكوميدي الكويتي إلى معالجات فنية لأحداث الغزو العراقي وأثره على الوعي الكويتي بأسلوب كوميدي. وبعد ذلك اتجهت المسرحيات الكويتية الكوميدية إلى المجتمع الكويتي الاجتماعي والسياسي، ومن هنا نلاحظ تطور الأداء المسرحي للفنان الكويتي بالتدريج مع تطور الحركة الثقافية والحراك الاجتماعي والاقتصادي بالكويت في ظل المتغيرات السياسية في منطقة الخليج.
ويكشف العابر أن الإخراج المسرحي في عروض المسرح الكويتي لجأ إلى توظيف تقنيات فنية تعظم دور الضحك دون أن تخل بالنص المسرحي نفسه، وتركز الإنتاج في إخراج عروض الميلودراما الاجتماعية التي تختلط بأسوب الفارس اعتمادا على مهارات بعض ممثلي الكوميديا دون التخلي عن المبالغات في الأداء التمثيلي. وأيضا برز التوسع في استخدام تقنية الإضاءة الحديثة بما لها من تأثيرات إيهامية وإبهار، مع استخدام البؤر الضوئية، بما هو غير متبع في العروض الكوميدية خاصة في العروض التي تتعرض للخرافات وقصص العفاريت وقصص مصاصي الدماء "دراكولا" ومشاهد الزار الشعبي، والاستعانة بالشرائح الفيلمية مع الأغاني والاستعراضات بضرورة وغير ضرورة غالبا.
ويلفت العابر إلى أن الصورة في العروض الكوميدية تميل إلى المبالغات، باعتبارها أنسب الوسائل لتأكيد حالات الخروج عن المنطق أو الواقع المألوف، فما لا يتطابق مع قوانين الطبيعة البشرية كما قال علماء النفس حول منابع الإضحاك ومسبباته وصوره، فكل ما يجسد التكرار الآلي وصور الانقلاب الفجائي وغير المنطقي وسلسلة التناقضات يضحك.

وحول توظيف الإخراج الكوميدي في عروض المسرح الكويتي، يؤكد العابر أنه لم يختلف توظيف عناصر الصورة المرئية والسمعية عن فكرة المبالغة، ومهارة توظيفها توظيفا يؤكد حالات السخرية والتهكم بما يضاعف من صورة تدني فعل الشخصية وتناقض فعلها. ويدخل في ذلك توظيف أشعة الليزر وألترا فايلوت وفلاشر وغيرها من مستحدثات الأجهزة الضوئية والسمعية. على الرغم من أن كثيرا من العروض التي أنتجتها الفرق المسرحية الكويتية عروضا كوميدية، إلا أنها ميلودراما تخللتها تقنيات أداء كوميدي بشكل أو بآخر. ويعتمد أداء الممثلين في تلك العروض على عناصر كوميديا الفارس معتمدين على تقنيات التكرار الآلي في حركة الممثلين وعلى التكرار اللفظي الآني وخاصة تقنية قلب الأوضاع.
ويضيف إن اعتماد المخرج المسرحي في عروض الكوميديا في تكوين الصورة الكاريكاتيرية على مهارة اختيار الشخصيات المتناقضة والمتباينة الهيئات والأحجام من بين ممثلي المسرح الكويتي، فتناقض أجسام الممثلين وأحجامهم وغرابة أزيائهم والملحقات التي يستخدمونها عنصر مهم من عناصر صناعة المشهد الكوميدي. إن تقنيات العرض الكوميدي بالكويت لم تخرج عن تقنيات الاخراج الكوميدية: كوميديا موقف ـ كوميديا سوداء أو قاتمة ـ كواقف كوميدية "فارس" أنواعها ملتبسة مع أحداث ميلودرامية.
ويشير العابر إلى أن المسرح الكويتي منذ بداياته وهو متواجد في جميع المحافل العربية والخليجية مما أدى إلى تطويره وازدهاره، وقد انعكس ذلك على العروض المحلية حيث إن الجهة المسئولة عن المسارح خلقت نوعا من التنافس والجدية في الأعمال المسرحية، وذلك للتمكن من المشاركات وتمثيل الكويت خارجيا، لذلك ترى فرقا مسرحية رغم قلة إمكانياتها المتاحة إلا أنها تسعى إلى أن تقدم الجودة. إن اختيار العروض للتنافس أو للعرض يأتي من خلال قرار ومتابعة من مجالس إدارة لجان فنية حرصا على صناعة العمل المسرحي.
 ويضيف أن أبرز ملامح المسرح الكويتي الآن تتمثل في قوة التمثيل والمخرجين والبعض من السينوغرافيين والكتاب، وأيضا توجه البعض للإدارة المسرحية والإنتاج.  

Kuwait Theater
راحة للنفس وتنفيس للجمهور

ويشدد العابر على أهمية المهرجانات المسرحية التي تقام في دول الخليج، ويقول: أعتقد أن من المهم جدا وجود هذه المهرجانات سواء كانت على المستوى المحلي للدولة أو على مستوى الدول الخليجية والعربية مجتمعة، وبرأيي أن المهرجانات الخليجية حققت بشكل كبير ملامح وخصوصيات في الكثير من العروض، فلا يخلو أي مهرجان خليجي من العروض المحلية المتميزة سواء في اللهجة أو التراث أو معالجتها للحالات الاجتماعية والسياسية المشتركه في كل الدول. 
إن غياب الدولة في كثير من الأوقات عن دعم المسرح هو ما يؤدى إلى معاناته بشكل كبير ويساهم في تقويض حرياته والعمل به، ورغم محاولات بعض الحكام والمسؤولين المهتمين بالمسرح إلا أن هناك كثيرا من الحكومات تحارب المسرح عبر مؤسساتها سواء كان ذلك نتاج جهل أو شعور بخطورة الدور التنويري للمسرح.
ويضيف العابر "إننا بحاجة إلى المزيد من الحرية في مسارحنا الخليجية وترك الرقابة الذاتية تأخذ مساحتها بشكل أكبر، ليس معنى هذا أن نترك الأمور بحالة من التسيب، لكن مطلوب المزيد في المرونة في القوانين، والمزيد من المسارح، فمعظم مسارح دول الخليج لا تلبي احتياجات المسرحيين على مستوى عددها أو تجهيزاتها، فالأمر يتطلب المزيد من المسارح المبنية وفقا لمواصفات وشروط  تلائم العروض والأفكار والرؤية المطروحة من قبل صناع العروض، فالإمكانيات البشرية موجودة بشكل جيد، أما التقنيات المسرحية وتنفيذها وحضورها في المسارح فغير متاحة للكثيرين، وحتى لو كانت بعض الدول قد بنت عدة مسارح عالية المستوى فهي غير متاحة إلا لمناسبات معينة خاصة بها. 
ويؤكد العابر أن المسرح لم يتراجع بل العكس، المسرح يتقدم، نعم هو بحال ليس بالممتاز لكنها جيدة وتمضي إلى الأفضل في ظل انفتاح التجارب المسرحية العربية على بعضها البعض.
أيضا الجمهور لم يهجر المسرح بل ازداد حضوره وتفاعله في الآونة الاخيرة، والدليل على ذلك كثرة العروض وتنوعها وكثرة المهرجانات والمشاركات والدورات والورش. ولكن يبقى الدور على صناع العرض المسرحي، والسؤال يعود لهم: لمن العرض؟ وكيف؟ ومتى؟ ومن ثم عليه تطوير وتجديد أفكارهم ورؤاهم بشكل مستمر. فلا الحروب ولا الإرهاب ولا النزاعات استطاعت أن توقف المسرح بل العكس دفعته ليوسع دائرته وينطلق نحو مزيد من معالجة القضايا والاشتباك مع المجتمع والمشاركة في خلق وعي وبناء ذائقة جمالية وفنية. المسرح تهذيب وتثقيف وراحة للنفس والتنفيس عن الجمهور في ظل ما يجري من حروب ونزاعات.