عبير موسي تقاوم الظلاميين بنزاهة الدولة المدنية

عبير موسي مقاتلة من طراز خاص لن يتمكن المتشددون من قهره.

رمزيا يمكن النظر إلى عبير موسي زعيمة الحزب الدستوري الحر باعتبارها ممثلة للدولة المدنية في البرلمان التونسي. ذلك هو مشروعها المعلن الذي لم تتخل عنه في مواجهة أقسى حملات التشهير والتكفير التي تتعرض لها. إنها مقاتلة من طراز خاص لن يتمكن المتشددون من قهره.  

فبعد أن صنعت بنفسها مسافة تفصل ما بينها وبين المساهمين في المزاد السياسي الذي تزلف من خلاله حزبيو تونس كذباً إلى ثورة الياسيمين وكانت صريحة في انتمائها إلى تونس البورقيبية ها هي اليوم تقف وحدها في مواجهة الأحزاب التي تُدار من قبل حركة النهضة والتي تسعى إلى النيل منها بغية كتم صوتها المناهض للأصوات الداعية ضمنا إلى التمهيد لقيام الدولة الدينية.

في خلفية ذلك المشهد سيكون من السذاجة تصديق أن حركة النهضة قد تحولت إلى حزب سياسي وطني. فراشد الغنوشي الذي يرأس البرلمان التونسي اليوم وهو رئيس حركة النهضة لا يمكنه أن يرى أمرأة تصر على دحض الأفكار التكفيرية التي يتم تداولها بحرية تحت سقف قبة البرلمان.

وكما يبدو فإن الغنوشي وهو خبير في الالعاب السياسية الخبيثة قد قرر أن لا يكون طرفا علنيا في الحرب على الدولة المدنية لذلك فإنه نجح بطرق خفية في اغواء حزب قلب تونس بالانضمام إلى ائتلاف الكرامة الاسلامي من أجل مهاجمة موسي وتحجيم قدرتها على الاعتراض.

ولأن عبير موسي تعرف أنها ليست وحيدة في دفاعها عن الدولة المدنية فإنها تصر على الاستمرار في المواجهة المضنية. تعرف أن الشعب الذي ضللته الأحزاب بأكاذيبها لابد أن يستيقظ من غفوته ليقف معها.

هناك تحريض للشعب على أن يقف ضدها باعتبارها من مخلفات عهد بن علي. موسي لم تتبرأ بطريقة تهريجية من ذلك العهد. لم تكذب لتدعي نوعا من المظلومية الزائفة.

رفضت موسي أن توافق على ذلك التهريج الشعبوي الذي لم يخفها. كانت وجهة نظرها تقوم على أساس تقديم فكرة الانصاف التاريخي على الأفكار الثورية التي يتم توجيهها لخدمة مشروع ظلامي.

قد يراها البعض محافظة على مستوى النظر إلى التحولات التاريخية غير أن ذلك قد لا يشكل بالنسبة لها عيبا في نزعتها الوطنية.

الاهم في ذلك أن موسي في أفكارها المحافظة لا تبيت مشروعا رجعيا، بل تخطط للمحافظة على كيان الدولة المؤسساتية القائمة على مبدأ المواطنة التي تشكل العودة إليه تصحيحا للانحرافات التي شهدتها تونس في عهد بن علي.

وهنا تنبغي الإشارة إلى أن سر هزيمة اليسار التونسي انما يكمن في نظرته العدمية إلى تاريخ تونس السياسي الحديث. ذلك ما جعل الأرض رخوة تحت أقدام اليسار وهو ما مهد لصعود التيارات الدينية وتصاعد تأثير لغتها الشعبوية بما يشبه الفقاعات.

على العكس من ذلك كانت الأرض التي تقف عليها عبير موسي صلبة ذلك لأنها اعتبرت التاريخ السياسي كيانا موحدا يمكنه التقدم مع مراعاة الحاجة إلى الاصلاح والتصحيح.

لم يكن ذلك التوجه ليعبر عن نفسه بأسلوب ثوري غير أنه يستطيع المقاومة لما يملكه من قدرة على التمسك بالحق التاريخي للدولة القائمة والراسخة.

لم تكن تلك دولة بن علي بل هي دولة التونسيين المحدثين الذين رغبوا في الاستمرار في بناء تونس حديثة يتساوى فيها المواطنون أمام القانون.

عبير موسي قوية بسبب ذلك الامتداد التاريخي وهي أقوى من دعوات التكفير التي لا تهدف إلى تسقطيها حسب بل وأيضا تخطط للانتصار على تلك الدولة التي يعتبر الظلاميون وجودها عقبة أمام رغبتهم في بناء دولتهم التي تنكر على التونسيين كل حقوق المواطنة.