عرب اليوم وقضيتهم التي فرت من بين أيديهم

حماس تفضل إشراك إيران في أي حل ينقذها من وعود نتنياهو بالقضاء عليها واغتيال قادتها. مشاركة تعلن حماس فيها عن قطيعتها النهائية مع العرب.

فشل النظام السياسي العربي في معالجة قضيته المركزية في فلسطين حسب مزاعمه التي صدع رؤوسنا بها فظهرت حركة حماس بعد أن تحولت منظمة التحرير إلى عضو كسول وراكد في ذلك النظام.

هل كان أهل غزة أسوأ حالا من رعايا السلطة الفلسطينية التي أُقيمت على أساس اتفاق أوسلو الذي وضعته إسرائيل على الرف؟ السباق نحو الأسوأ في الحالة الفلسطينية المزرية لا يصح.

وإذا ما كان النظام السياسي العربي في الجزء التهريجي منه قد سقط بعبثية لا حدود لها فإن المنتصرين وهم المستفيدون من ذلك السقوط قد أزالوا أو محوا فلسطين وقضيتها من أجنداتهم الداخلية والخارجية.

التصريحات البليغة التي يطلقها طرف هنا وطرف هناك في الشأن الفلسطيني هي جزء من ديباجة دعائية سبق أن تبناها الإعلام العربي وكان فاشلا في تأكيد مصداقيتها. لا يزال شبح أحمد سعيد يروج لأفكاره التي لم تعد قابلة للاستهلاك.

عرب اليوم هم ليسوا عرب الحروب السابقة، وإسرائيليو اليوم وضعوا العالم الرسمي كله تحت معاطفهم ومضوا به إلى جحيمهم فلم تعد أوروبا باعتبارها ميزانا إنسانيا وأخلاقيا وحضاريا قادرة على فتح عينيها على الحقيقة كما كانت من قبل يوم مدت يديها إلى الفلسطينيين واحتضنت سفاراتهم. صارت أوروبا تقرأ في ملفات أزمات الشرق الأوسط مغمضة العينين مدفوعة بخوف مزمن من تهمة معاداة الإسلامية أما العداء للإسلام والمسلمين فقد تسلل إلى أصول عقائد أحزابها اليمينية الحاكمة.

المسلمون بالنسبة لأوروبا مشكلة داخلية. أما اليهود، أو بالأحرى الإسرائيليون، فهم في منجاة من أي نقد، مهما كان ذلك النقد منخفض التأثير. و"حماس" مثلما يشير اسمها هي حركة مقاومة إسلامية. في ذلك العنوان ما يكفي لإدانتها أوروبيا والوقوف ضدها قبل أن تقوم بشيء ما.

وليس هناك أسوأ من أن يتم التعامل مع قضية فلسطين باعتبارها قضية مسلمين أو إسلاميين متشددين. ولأن النظام السياسي العربي المتشظي والمرتبك داخليا وفاقد التأثير عالميا غير قادر على استعادة القضية فقد تُرك الأمر الخطير لمَن ذهب به إلى مكان آخر، مكان لا يميزه إلا العداء للعرب. وهو عداء مستحكم تاريخيا.

لقد تمت إزاحة قضية فلسطين من محيطها العربي والذهاب بها إلى إيران. ومَن ينكر العلاقة العضوية التي تربط حماس بإيران فهو أشبه بمَن لا يزال يعتقد أن من حق حركة فتح أن تستمر في قيادة النضال الوطني الفلسطيني من موقع سلطوي بيروقراطي.

لا يملك العرب في حقيقة أحوالهم القدرة على أن يتعاملوا مع حركة حماس من موقع التفاهم القومي المشترك. ذلك لأن حماس حركة عقائدية وهي تقدم شرط العقيدة على شرط المصالح القومية المشتركة. مصر وحدها كانت قد جربت أن لا تسمح لحماس في إشهار العقيدة في وجهها. نجحت أحيانا وفشلت أحيانا أخرى غير أن حماس حرصت على أن تبقي بعض الممرات مفتوحة لأغراض نفعية.

أما العرب فقد فشلوا جميعا في احتواء الحركة. لأنها غير قابلة للاحتواء في وسط غير عقائدي. وهو ما أظهرته حرب غزة جليا. وليست زيارة اسماعيل هنية إلى إيران في ذروة التصعيد الإسرائيلي إلا اعلانا لفصل جزء مهم من القضية عن العرب عن طريق إبلاغهم بأن مواقفهم لا قيمة لها ولن تؤثر على مجريات الصراع في شيء.

ذلك ما يسلط الضوء على حالة العجز التي يعيشها العرب والتي تحول ما بينهم وبين القدرة على الضغط على إسرائيل من أجل إيقاف عدوانها الهمجي على غزة. فالطرف الفلسطيني المقاتل في غزة لا يقيم وزنا للعرب. ذلك ما تعرفه إسرائيل جيدا وتتصرف بموجبه وهو ما يجعلها مطمئنة إلى أن رئيس الموساد إذ يزور الدوحة فإنه لا يتباحث مع طرف يمثل العرب.

مظهريا نأت إيران بنفسها عما يجري وكلفت ذيولها في العراق بإزعاج القوات الأميركية هناك غير أن علينا أن نتوقع أن هناك ما يجري في السر، لربما كانت إيران طرفا فيه أو أنها ستكون كذلك في وقت قريب.

لا مانع لدى إيران من أن يُشبع نتنياهو رغبته في الانتقام، على الأقل من أجل ن تستعيد حكومته كرامتها التي هُدرت في السابع من أكتوبر. ومن المؤكد أن حماس تفضل إشراك إيران في أي حل ينقذها من وعود نتنياهو بالقضاء عليها واغتيال قادتها. عن طريق تلك المشاركة تعلن حماس عن قطيعتها النهائية مع العرب مثلما فعل من قبلها حزب الله.