عرض 'كيف نسامحنا' يطلق صرخة قوية للحفاظ على الأمة

المسرحية الامارتية لم تستهدف فقط معاناة المهمشين أو رجال الدين الفسدة او قمع ولصوصية علية القوم بل تذهب لنداء عاجل للحفاظ على كيان الأمة/ الأمهات.

يشكل سؤال: لماذا نقتل الأمهات؟ محور المسرحية الإماراتية "كيف نسامحنا"، فما تطرحه لم يستهدف فقط معاناة المهمشين الذين يقطنون أسفل السلطة على اختلاف مستوياتها؟ أو يستهدف رجال الدين الفسدة المضللين الذين يوظفون القرآن والسنة لأغراضهم الدنيئة وفي مقدمتها رمي الشرفاء بالباطل؟ أو يستهدف القمع واللصوصية التي يتعيش منها علية القوم من تجّار وأصحاب نفوذ وأثرياء وتابعيهم؟ أو يستهدف مقاومة كل هذا السوس الذي ينخر في أجساد الأمم والثورة عليه؟ بل ذهب لاستهداف نداء عاجل للحفاظ على كيان الأمة/ الأمهات؟

العرض الذي المسار الأول المتنافسة على جائزة الشيخ سلطان بن محمد القاسمي، وأقيم ضمن مهرجان المسرح العربي في دورته الـ 15 التي تستضيفها سلطنة عمان ـ مسقط، هذا العرض هو صرخة قوية للحفاظ على الأمة؛ كل الأمة. وقد انطلق من تطويق حبل المشنقة في رقبة إحدى الأمهات انتظارا لقاضي المحكمة العليا لكي يأذن بتنفيذ حكم حكم الإعدام بحقها، هذه الأم التي تعيش في سرداب بناية شاهقة، يسكنها في طوابقها العليا صفوة المجتمع وعلية القوم من المسؤولين والمضاربين في البورصة والتجار ووجهاء المجتمع، متهمة بالفسق والفجور والقتل، وفي الانتظار يبلغ الحضور من رجالات السلطة أنه مات بحادث سير، وأنه خلال ساعة ليس إلا سيتم اختيار القاضي الجديد الذي سيأتي فورا.. في هذه الساعة يقرر عامل النظافة أن يكون شاهد على العصر ليكشف حقيقة المرأة، مؤكد أن الأسئلة الكبرى هي تلك الأسئلة التي نعجز عن الوصول لإجاباتها.

ومن خلال شهادته، نبدأ في التعرف على الفساد المستشري في جسد المجتمع وبين علية القوم المسؤولين تحديدا، بدءا بإمام الجامع الكبير الذي يمارس كل أنواع الفحش والعربدة والرذيلة واللصوصية، ولا يتورع عن استخدام الدين في تخريج ما يرتكبه، لندخل بعد ذلك على غرفة للمقامرة يتجمع فيها المسؤولون، ينسحب الجميع بعد خسارتهم من أمام مقامر محترف، ويبقى واحد منهم هو أكثر سلطة ومالا راجيا المقامر المحترف أن يسمح له بالفوز مرة، كونه أفلس، لكن هذا المقامر يطالبه باللعب على طائرته الخصة، ثم زوجته، فلا يجد مناصا من الموافقة، وهنا يساومه المقامر مشترطا في مقابل أن يرد إليه كل أمواله، أن يمكنه من المرأة راعية الأرامل واليتامى والدفاع عن الحرية.

تتعرض المرأة إلى محاولة هتك عرضها، فيأتي أحد أبنائها شاهرا بندقيته في وجه كبار المسؤولين، لكن الشرطة تعاجله فترديه قتيلا، وهنا تنتفض المرأة داعية الناس للثورة والقصاص من الفسدة والقتلة والظالمين، وتحدث الاشتباكات مع الشرطة، ويتم القبض عليها، وهناك حيث المسؤول الكبير يتم انتهاكها فتقاوم صارخا قفوا واستعيدوني فقد تم خطفي، لكن لا مجيب، تقاوم حتى تتمكن من قتل من يعتدي عليها، وهذا يدخل ضمن الاتهامات السابقة اتهامها بالقتل، وفيما يتلو القاضي الجديد الحكم بالإعدام تحدث الثورة التي تحظم كل الجدران.

ليخرج شاهد العصر ليطرح التساؤل: لماذا تموت الأمهات؟ لماذا تموت الأمة؟.. مؤكدا أن الأمة ستعيش ألف ألف سنة ولن تموت أبدا. مطالبا: ارجموا بحجارتكم.. ارجموا بحجارتكم.. ارجموا بحجارتكم. فيما الأم/ الأمة تقول: أنا باقية إلى ما شئت أحيا وأقاتل.

المتابعة الدقيقة للعرض تكشف أن المخرج لجأ لما يمكن أن نطلق عليه المشاهد، فبعد مشهد الاعدام الذي توسط خشبة المسرح، انقسمت الخشبة إلى أربع تكوينات، غرفتان يتوسطهما مكان يمكن أن يكون البدرون الذي تقطن فيه المرأة مع الأرامل واليتامى، وفي الخلفية الشارع، وقد تنقل المخرج بين المكونات الأربعة بفضل الإضاءة، ففي إحدى الغرفتين كانت جلسة التآمر على المرأة والسعي إلى كسر إرادتها وكبريائها، وجلسة القمار التي اشترط فيها المقامر المحترف أحد مسؤولي السلطة أن يترك له طائرته الخاصة ثم زوجته ويرد إليه ما خسره من أموال مقابل أن يمكنه من المرأة.   وفي الغرفة المقابلة كان سكر إمام الجامع ومساومة أحدهم له لكي يمكنه من القضاء على المرأة، وأيضا كان تعذيب المرأة ومحاولة هتك عرضها الأمر الذي دفعها لقتل المعتدي. أما البدرون ـ قبو العمارة ـ فكان مسكن المرأة الذي تم تهديها فيه وأيضا تم قتل أحد أبنائها اليتامى، وأخيرا الشارع الذي ضج بالثورة والانتقام من الظالمين.

هذه المكونات صحبتها عناصر السينوغرافيا من إضاءة وديكور وملابس وموسيقى، فضلا عن الجمع بين اللغتين الفصحى والعامية والذي أضفى مصداقية على الحوار بين شخصيات العرض.

لقد عزفت الخشبة القصة بتمكن تجلى بالإضافة لما سبق في أداء الممثلين على مستوى الصوت والحركة الجسدية والطاقات التعبيرية للوجوه.. وبالنهاية تشكلت أمامنا رسالة تطالب بالقبض على روح الحرية وعدم التفريط في الحق بنيلها حفاظا على الأمهات/ الأمة.

يذكر أن العرض إنتاج فرقة مسرح الشارقة الوطني، سينوغرافيا وإخراج: محمد العامري، نص: إسماعيل عبد الله، موسيقى: إبراهيم الأميري أداء: أحمد العمري – عبد الله مسعود – أماني بلعج  – محمد بن يعروف – رائد الدالاتي – نبيل المازمي – محمود القطان – حميد عبد الله – عبد الله محمد صالح – عثمان عبيد جوهر – عبد الرحيم أحمد ناصر – عبد الله محمد عبد الله – حميد محمد البلوشي.