عشرة عناصر ومواقع من التراث الإماراتي تتألق في اليونسكو

الإمارات شهدت خلال العقود الماضية تحوّلا بارزا في إطار عملية التنمية الثقافية واستدامة التراث، وتعزيز جهود الحفاظ على هوية وثقافة شعب الإمارات.
مسيرة طويلة في مجال تسجيل مُقوّمات التراث الإماراتي وإحيائها وتوثيقها واستدامتها، كإرث حضاري وثقافي للأجيال المُقبلة
قوائم جرد للعشرات من عناصر التراث المعنوي في بلادهم ضمن الإجراءات والمُتطلبات والمعايير الدقيقة التي تفرضها اليونسكو لاعتمادها
التسجيل كتراث عالمي يُعزّز من مشاعر الفخر لدى الأمم والمجتمعات والأفراد

التراث الثقافي، بشقّيه المادي والمعنوي، يخلق الاحترام والتفاهم والسلام بين الشعوب، ويُساعدها على تحقيق التنمية المُستدامة. واستراتيجيات الصون لا تعني تجميد التراث أو عدم مواكبة المُستقبل، وإنما نقل المعارف والمهارات والمعاني والقيم من جيل لآخر.
ويُمكن القول إنّ التراث الثقافي غير المادي - وفقاً لمنظمة اليونسكو - هو التراث الحي للإنسانية، فهو يشمل مُجمل الأشكال التعبيرية والعادات والتقاليد التي ورثها الآباء عن الأجداد، وسيورّثها الأبناء للأحفاد، ومن شأن ذلك أن يُعزّز من مشاعر الفخر لدى الدول والمجتمعات والأفراد.
وقد شهدت دولة الإمارات العربية المتحدة خلال العقود الماضية تحوّلا بارزا في إطار عملية التنمية الثقافية واستدامة التراث، وتعزيز جهود الحفاظ على هوية وثقافة شعب الإمارات، وذلك من خلال ما زرعه مؤسس الإمارات ورئيسها الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان من عشق للتراث والاعتزاز به، لم يمنع من أن تتحوّل الإمارات اليوم لإحدى أكثر دول العالم تطوراً حضارياً وتأثيراً دولياً إيجابياً في الوقت ذاته.
ومنذ العام 2010، وخلال فترة قياسية، نجحت جهود أبوظبي ودولة الإمارات في تسجيل 10 عناصر ومواقع من ركائز التراث الوطني المُتفرّدة في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي المادي وغير المادي في اليونسكو، باعتبارها تراثا ثقافيا إنسانيا يخص البشرية، وهي: الصقارة، السدو، التغرودة، العيالة، العازي، الرزفة، القهوة العربية، مجلس الضيافة، والنخلة، إضافة لمدينة العين الإماراتية ضمن مواقع التراث الثقافي المادي.
وتوّج إدراج هذه العناصر التراثية الأصيلة في اليونسكو مسيرة طويلة في مجال تسجيل مُقوّمات التراث الإماراتي وإحيائها وتوثيقها واستدامتها، كإرث حضاري وثقافي للأجيال المُقبلة، إلى جانب تسليط الضوء عليها وتعريف العالم بها.  

heritage
أشكال التعبير وفنون وتقاليد الأداء

كما وأعدّ الخبراء والباحثون الإماراتيون قوائم جرد للعشرات من عناصر التراث المعنوي في بلادهم، وذلك ضمن الإجراءات والمُتطلبات والمعايير الدقيقة التي تفرضها اليونسكو لاعتمادها، حيث يستغرق إنجاز ملف كل عنصر منها عادة عدّة سنوات إثر جهود مُضنية ومكثفة لا تتمكن إلا بعض الدول من تتويجها بنجاح. ورغم ذلك تتسابق دول العالم لتكثيف جهودها وتسخير طاقاتها في هذا المجال، حيث أنّ هذا التسجيل كتراث عالمي يُعزّز من مشاعر الفخر لدى الأمم والمجتمعات والأفراد.
ولعلّ ما يسترعي الاهتمام في الجهود التي تبذلها أبوظبي والإمارات لإدراج عناصر التراث الثقافي لدى اليونسكو، أهمية هذا التسجيل والعائد الثقافي والاجتماعي والاقتصادي الذي يمكن تحقيقه على المديين القريب والبعيد من خلال إدراج أيّ عنصر تراثي من أشكال التعبير وفنون وتقاليد الأداء، والممارسات الاجتماعية، والمعارف والممارسات المتعلقة بالطبيعة والكون، فضلا عن المهارات المرتبطة بالفنون والحرف التقليدية.
الصقارة
في نوفمبر/تشرين الثاني 2010، أعلنت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) عن تسجيل الصقارة كتراث إنساني حي في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية، وذلك بفضل الجهود التي قادتها دولة الإمارات من خلال تنسيقها وتعاونها مع 12 دولة عربية وأجنبية في إعداد الملف الدولي للصقارة، آنذاك، ليشهد الملف بعدها انضمام المزيد من الدول، وصل لـِ 20 دولة.
ومن خلال هذا الإنجاز الفريد من نوعه حصلت الصقارة، التي تعود لأكثر من 4000 سنة، على أرقى وأهم اعتراف عالمي كتراث ثقافي إنساني مُميّز، يُعبّر عن اعتزاز الدول والجماعات والأفراد به باعتباره أحد المكونات الرئيسة لثقافتهم وهويتهم.
العين
تشتهر مدينة العين من الناحية الثقافية بمواقعها الأثرية ومبانيها التاريخية وواحاتها التي أدرجت في يونيو/حزيران 2011 كأول موقع إماراتي على لائحة التراث العالمي المادي في منظمة اليونسكو، بما يعكس عراقة المدينة والمعاني الإنسانية الفريدة لمعالمها. وتحتضن المدينة مواقع مهمة عدّة مُدرجة على قوائم اليونسكو، بما في ذلك واحاتها الستة والمواقع الأثرية في هيلي وجبل حفيت وبدع بنت سعود.
السدو
نجحت أبوظبي في نوفمبر/تشرين الثاني 2011 بتسجيل "السدو: مهارات النسيج التقليدية في دولة الإمارات" في قائمة اليونسكو للتراث الثقافي غير المادي للبشرية الذي يحتاج إلى صون عاجل، وذلك بهدف تعزيز استمرارية هذه الحرفة التراثية وتسليط الضوء على التراث المعنوي الإماراتي. ويُعدّ السدو شكلاً من أشكال النسيج الذي تقوم المرأة بتصنيعه في المجتمعات البدوية، وذلك لإنتاج الأثاث الناعم وإكسسوارات الزينة للإبل والخيول وغيرها.
التغرودة
في ديسمبر/كانون الأول 2012 أدرجت منظمة اليونيسكو "التغرودة - الشعر البدوي التقليدي المُغنّى على ظهور الإبل" كتراث إنساني حيّ في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية، مما ساهم في تعزيز فرص استمرار التغرودة وبقائها كلون تراثي أصيل، وتأكيد مكانتها في قائمة فنون الأداء في المنطقة، وضمان ممارستها من قبل الأجيال الحالية والقادمة. وتمثل التغرودة جزءاً من الكتاب التراكمي لشعر القبائل البدوية، الذي يشتمل على تاريخهم وقيمهم الثقافية وعاداتهم الاجتماعية ونظرتهم إلى العالم وحكمتهم وثقافتهم التعبيرية.
العيّالة
في نوفمبر/تشرين الثاني 2014 تابعت دولة الإمارات تألقها الثقافي بتسجيل فن "العيالة" في منظمة اليونسكو، في إنجاز مُهم ساهم في إحياء مختلف فنون الأداء، وتسليط الضوء على التراث الثقافي لدولة الإمارات، وتشجيع التنوع الثقافي وحوار الحضارات. وقد عُرفت العيالة بوصفها فنّاً من فنون الأداء الشعبي منذ زمن طويل في جميع أنحاء دولة الإمارات، ارتبطت تاريخيا بثقافة وشهامة الصحراء، وهي أحد الطقوس الاجتماعية المُهمّة التي تسهم في تغذية روح الكرامة ومشاعر الفخر. كما أصبحت ركنا أساسيا من فعاليات الاحتفاء بالهوية الوطنية.

القهوة العربية، والمجالس، والرزفة
في ديسمبر/تشرين الأول 2015 أقرت اللجنة الحكومية لصون التراث الثقافي غير المادي بمنظمة اليونسكو إدراج ثلاثة ملفات مشتركة، تقدّمت بها دولة الإمارات بالتعاون مع دول عربية لتسجيل القهوة العربية والمجالس والرزفة في اليونسكو.
وتمثل الرزفة أحد فنون الأداء الشعبية التي ترمز للرجولة والمروءة والشهامة والفروسية.
كما ويعتبر المجلس بوظائفه الثقافية والاجتماعية تقليدا حيا حرص الحكام وأفراد المجتمع على استمراريته والمحافظة على دوره بوصفه جسرا للتواصل والحوار وبناء العلاقات الاجتماعية. وهو بمثابة المنتدى الذي يجمع أفراد المجتمع مع شيوخ القبائل وكبار السن لمناقشة القضايا المتنوعة والشؤون اليومية.
وتمتد جذور تقاليد القهوة العربية في نسيج مجتمع الصحراء من خلال أدواتها وطقوسها، وباتت مرادفا للكرم والضيافة والقيم الأصيلة. وترمز القهوة العربية إلى الكرم وحسن الضيافة التي يتميز بها المجتمع الإماراتي، ممّا جعلها متأصلة بقوة في التقاليد الإماراتية العريقة.
العازي
تمّ إدراج فن العازي، في ديسمبر/كانون الأول 2017، بقائمة التراث الثقافي غير المادي الذي يحتاج إلى صون عاجل في منظمة اليونسكو. وقد ظهر هذا النوع من شعر الفخر منذ مئات السنين في ساحات المعارك، ويُلقى اليوم في الفعاليات والمناسبات الوطنية في دولة الإمارات.
يعود أصل هذا الفن إلى الاحتفالات بالنصر، حيث كان يُلقى في ساحة المعركة، ثم توارثته الأجيال. وتعمل عروض العازي على تقوية الروابط المجتمعيّة، كما ويُعَدّ هذا الفن المُميّز أحد الوسائل المُهمّة لنقل التقاليد والمعارف والثقافة التقليدية في التكيّف مع البيئة.
النخلة
في ديسمبر/كانون الأول 2019، تمّ تسجيل ملف النخلة في القائمة التمثيليّة للتراث الثقافي غير المادي لليونسكو، وهو ما يُعد إضافة نوعيّة للجهود التي تبذلها دولة الإمارات لصون تراثها والترويج له على الصعيد العالمي.
وكانت دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي، وبرعاية من منظمة التربية والثقافة والعلوم (الإلكسو) التابعة لجامعة الدول العربيّة، قد تقدمت بملف ترشيح النخلة كملف عربي مشترك باسم 14 دولة، تقدّمتها دولة الإمارات، وشملت البحرين، مصر، العراق، الأردن، الكويت، موريتانيا، المغرب، سلطنة عُمان، فلسطين، السعودية، السودان، تونس، واليمن.
ولعب نخيل التمر والمعارف والمهارات والتقاليد والممارسات المُرتبطة به، دوراً محورياً في تعزيز العلاقة بين الناس والأرض في المنطقة العربية ومساعدتهم على مواجهة تحديات البيئة الصحراوية القاسية.