عقوبات وقيود على الأسلحة في حملة ضغط أميركية على السعودية

تقرير للمخابرات الأميركية رفُعت عنه السرية يزعم أن ولي العهد السعودي أجاز اعتقال أو قتل الصحفي جمال خاشقجي، فيما يأتي بينما تدرس واشنطن فرض قيود على مبيعات الأسلحة للسعودية وإلغاء صفقات أخرى.
لوبيات تخدم خصوم المملكة وراء الهجوم الدبلوماسي الأميركي على السعودية
واشنطن تدفع العلاقات مع السعودية إلى توتر غير مسبوق
تقرير لسي اي ايه يحمل ولي العهد السعودي مسؤولية مقتل خاشقجي
تقرير سي اي ايه مغرق في تسييس يخدم خصوم إقليميين للرياض

واشنطن - قطعت إدارة الرئيس الأميركي الديمقراطي جو بايدن الجمعة خطوة أخرى نحو توتير العلاقات مع السعودية في إطار حملة استثنائية من غير المستبعد أن وراءها لوبيات وخصوم إقليميون للمملكة.

وفي أحدث حلقة من حلقات الهجوم الدبلوماسي الأميركي على المملكة، أصدرت واشنطن تقريرا أعدته المخابرات الأميركية تركز على الزج باسم ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في قضية مقتل الصحفي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده باسطنبول في أكتوبر/تشرين الأول 2018.  

وجاء في تقرير أعدته سي اي ايه رفعت عنه السرية أن الأمير محمد "وافق على عملية للقبض على الصحفي السعودي المعارض جمال خاشقجي أو قتله".

ويأتي إصدار هذا التقرير بينما تدرس واشنطن فرض قيود على مبيعات الأسلحة للسعودية وإلغاء صفقات أخرى، في تطور من شأنه أن يؤثر على جهود المملكة في مكافحة الإرهاب في فضائها الإقليمي.

وتعتبر الرياض قوة إقليمية وازنة ساهمت إلى حدّ كبير في مع حلفائها في المنطقة ومع الولايات المتحدة ذاتها في محاصرة التطرف وتقليل مخاطر الإرهاب التي تهدد السلم والأمن العالميين.

وبموازة تقرير سي اي ايه، أعلنت الولايات المتحدة الجمعة فرض عقوبات مالية على ما وصفتها بوحدة تدخل خاصة تابعة للرجل الثاني في الاستخبارات السعودية أحمد عسيري لدورها في مقتل الصحافي جمال خاشقجي. وكان عسيري قبل منصبه الأخير متحدثا باسم التحالف العربي الذي تقوده الرياض.

وفرضت واشنطن قيودا على منح تأشيرات لـ76 سعوديا متهمين بـ"تهديد منشقين في الخارج".

وقال وزير الخارجية الأميركي انطوني بلينكن في بيان إن هذه العقوبات تندرج في إطار قاعدة جديدة أطلقت عليها الخارجية الأميركية اسم "حظر خاشقجي" وترمي لمنع دخول أي شخص يتهم بالتعرض باسم سلطات بلاده لمنشقين أو صحافيين في الخارج.

وفي البداية وجهت التهمة إلى اللواء أحمد عسيري، لكن القضاء السعودي برأه، فيما تتهمه تركيا التي حاولت تدويل قضية مقتل خاشقجي ضمن حملة شرسة على المملكة، بأنه أحد المخططين للجريمة.

وسبق أن نفت الرياض ضلوع الأمير محمد الذي يقود خطة إصلاح طموحة اقتصادية واجتماعية في المملكة المحافظة لانفتاح أوسع على العالم والناي بالمملكة عن موجات التشدد التي يقودها رجال دين.

السعودية نفت مرارا اي صلة لولي العهد بمقتل الصحفي جمال خاشقجي
السعودية نفت مرارا اي صلة لولي العهد بمقتل الصحفي جمال خاشقجي

وقال مكتب مدير المخابرات الوطنية في التقرير الذي نشر على موقع الإدارة "نحن نرى أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وافق على عملية في اسطنبول بتركيا للقبض على الصحفي جمال خاشقجي أو قتله".

وأضاف التقرير "ونحن نبني هذا التقييم على سيطرة ولي العهد على عملية صنع القرار في المملكة والضلوع المباشر لمستشار رئيسي وأفراد من فريق حماية محمد بن سلمان في العملية ودعم ولي العهد لاستخدام تدابير عنيفة لإسكات المعارضين في الخارج ومنهم خاشقجي".

وقرر الرئيس الأميركي جو بايدن رفع السرية عن التقرير الذي رفض الرئيس السابق دونالد ترامب نشره متحديا قانونا صدر عام 2019 وذلك فيما يعكس استعداد بايدن لتحدي المملكة في قضايا من حقوق الإنسان إلى الحرب في اليمن.

ويشير صدور تقرير المخابرات الأميركية في توقيته ومضامينه إلى تصعيد الحملة العدائية ضد المملكة وسط تقديرات ترى أن الأمر مغرق في تسييس مفضوح لا يخرج عن سياق محاولة من دوائر مختلفة ولوبيات تعمل بأوامر من خصوم إقليميين للمملكة، زيادة الضغط على السعودية وتحجيم دورها كقوة وازنة نجحت إلى حدّ كبير في ضبط العلاقات الإقليمية وفرض نفسها كرقم في معادلة التوازنات بالمنطقة.

ولم تكن إدارة بايدن ترغب في نشر تقرير خاشقجي قبل تنبه السعوديين، وفق ما جاء على لسان مسؤول أميركي، ما يحيل إلى وجود نية مبيتة لتسييس التقرير وغايات سياسية من وراء الحملة على ولي العهد السعودي.

وكانت شبكة سي ان ان الأميركية قد نقلت الخميس عن مسؤول في البيت الأبيض لم تكشف عن هويتها، قوله إن "الإدارة الأميركية لم تشأ نشر التقرير قبل تنبيه السعوديين"، في تصريح يفسر في جانب كبير منه سبب تأجيل التقرير قبل مكالمة هاتفية بين العاهل السعودي الملك سلمان والرئيس الأميركي جو بايدن.

وتذهب بعض الفرضيات إلى أن تأجيل نشر التقرير إلى ما بعد الاتصال بين الملك سلمان وبايدن، مرده ربما محاولة أميركية لمساومة المملكة على مواقف وقضايا أخرى مقابل تسوية ملف خاشقجي ووقف الحملة على الأمير محمد أو حتى ربما الذهاب ابعد في المساومة بأن تطلب واشنطن من القيادة السعودية البحث من جانبها على مخرج لتنحية الأمير محمد.

والسعودية منذ التوتر السابق مع إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما وكان بايدن حينها نائبا للرئيس، منفتحة على الحوار في كل القضايا العالقة ومن ضمنها ملف حقوق الإنسان ونشطاء معتقلين وتطوير واق النساء، لكن ليس من الوارد أن تناقش تحت الضغط قضايا سيادية كتنحي الأمير محمد من منصبه.

صدور تقرير المخابرات الأميركية في توقيته ومضامينه يشير إلى تصعيد الحملة العدائية ضد المملكة وسط تقديرات ترى أن الأمر مغرق في تسييس مفضوح لا يخرج عن سياق محاولة من دوائر مختلفة ولوبيات تعمل بأوامر من خصوم إقليميين للسعودية

وتدرس إدارة بايدن كذلك ضمن حملة ضغط موجهة لغايات سياسية، إلغاء صفقات أسلحة مع السعودية تثير مخاوف تتعلق بحقوق الإنسان وفي الوقت نفسه قصر المبيعات العسكرية المستقبلية على الأسلحة "الدفاعية" ريثما تعيد تقييم العلاقات مع المملكة، في موقف يشير بوضوح إلى محاولة لكبح أو إضعاف دور المملكة إقليميا.

وقالت أربعة مصادر مطلعة على تفكير الإدارة الأميركية، إنه بعد وقف صفقات أسلحة قيمتها نصف مليار دولار مع السعودية من منطلق الانزعاج من الخسائر البشرية في اليمن، يعكف المسؤولون على تقييم المعدات العسكرية وبرامج التدريب المتضمنة في أحدث مبيعات للسعوديين بهدف تحديد ما يمكن اعتباره دفاعيا منها. وسيتم السماح بهذه الصفقات.

وقال متحدث باسم وزارة الخارجية "ينصب تركيزنا على إنهاء الصراع في اليمن حتى ونحن نضمن للسعودية كل ما تحتاجه للدفاع عن أراضيها وشعبها"، مضيفا أن بايدن تعهد بإنهاء الدعم العسكري الأميركي للحملة العسكرية على الحوثيين.

وتعيد إدارة بايدن ضبط علاقتها مع السعودية. وتتعلل في ذلك بمخاوفها بشأن حقوق الإنسان في السعودية، لكن المملكة أيضا أحد أقرب حلفائها في مواجهة التهديد الذي تشكله إيران.

وقال أحد مساعدي الكونغرس المطلعين على القضية "يحاولون معرفة أين يمكن رسم الخطوط الفاصلة بين الأسلحة الهجومية وتلك الدفاعية".

وبموجب مثل هذه السياسة الجديدة، سيتم السماح بمبيعات المنتجات التي تعتبر دفاعية مثل أنظمة الدفاع الصاروخي المضادة للصواريخ الباليستية (ثاد) التي تصنعها شركة لوكهيد مارتن أو أنظمة الدفاع الصاروخي باتريوت التي تنتجها لوكهيد ورايثيون.

لكنها ستنهي الصفقات الكبرى لمنتجات مثل الذخائر دقيقة التوجيه والقنابل صغيرة القطر، مثل تلك التي تم التوصل إليها في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب في مواجهة اعتراضات قوية من أعضاء في الكونجرس.

وبعدما خسر ترامب الانتخابات الرئاسية في الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني، واصلت وزارة الخارجية الأميركية الموافقة على مبيعات الأسلحة التي يمكن اعتبارها هجومية.

ووافقت على بيع قنابل صغيرة القطر من إنتاج بوينغ بقيمة 290 مليون دولار للسعودية. كما وافقت إدارة ترامب على بيع 7500 من الذخائر دقيقة التوجيه التي تصنعها رايثيون للرياض مقابل نحو 480 مليون دولار.

ومن شأن الإستراتيجية الأميركية الجدية حيال السعودية والتي تعلن ادارة بايدن تحت عنوان ضبط العلاقات مع حليف استراتيجي، أن تؤثر إلى حدّ ما في خطة المملكة المعلنة لتطوير صناعاتها الدفاعية المحلية والتي استهلتها مؤخرا بإبرام عقود شراكة مع شركات أميركية كبرى.

وأعلنت الرياض عن خطة طموحة بتمويلات ضخمة لتطوير صناعاتها الدفاعية بما يتيح لها مجالا لكبح تمدد ونفوذ قوى اقليمية أخرى معروفة بسياساتها وسلوكها العدواني مثل تركيا وإيران.

والحملة العدائية الموجهة ضد المملكة تهدد أيضا بإضعاف جهود الحرب على التشدد ومسيرة الإصلاح القائمة على تطوير تشريعات كان إلى وقت قريب من معوقات الانفتاح، وهو ما قد يفسح المجال لحركات متشددة تعارض جهود الإصلاح والانفتاح وتحسين وضع حقوق الإنسان.  

ولا يبدو أن الإستراتيجية الأميركية ضد المملكة أحادية المسار فقد انضمت الأمم المتحدة والإتحاد الأوروبي إلى حملة الضغوط من بوابة حقوق الإنسان والملف اليمني.