على خطا روسيا

لسنا قادمين على نظام دولي جديد أكثر عدالة بقدر ما أننا قادمون على عالم من الفوضى.
لا يقتصر الهدف الصيني من ضم تايوان على استعادتها ولكنه يمثل تحديا للهيمنة الأميركية
مبررات بوتين لغزو أوكرانيا تصلح للاستخدام في دول كثيرة وكل ما يلزمها هو التأكد من موت النظام الدولي

فتحت روسيا الباب واسعا أمام طابور من الدول المتلهفة للتمدد والتوسع تحت حجج مختلفة، وأول تلك الدول هي الصين المتلهفة لاحتلال وضم تايوان التي تعتبرها جزءا لا يتجزأ من الوطن الصيني جرى فصله تعسفا عن الصين بعد انتصار الشيوعية في البر الصيني وانسحاب قوات الكومنتانغ إلى جزيرة تايوان واعلان جمهورية الصين الوطنية المستقلة عام 1949.

لا يقتصر الهدف الصيني من ضم تايوان على استعادتها كجزء من الصين الكبرى ولكنه سيكون مناسبة لتحدي الهيمنة الأميركية والوجود العسكري الأميركي في شرق آسيا، وإعطاء العالم إشارة ببداية عهد جديد تنكفئ فيه القوة الأميركية نحو الوراء مفسحة المجال للقوة الصينية للصعود واحتلال مكانتها العالمية.

وهناك أيضا ايران التي يحلم قادتها باستعادة الامبراطورية الفارسية التي امتدت ذات يوم حتى مصر واليمن وبلاد الشام والعراق وهضبة الأناضول ووضعت قدمها في أوروبا.

ولا شك أن ابرام الاتفاق النووي مع الغرب سيطلق أيدي ايران في المنطقة على نحو أوسع من السابق، ويعيد اليها مئات المليارات المجمدة بسبب العقوبات المفروضة عليها كما ستستعيد طاقتها في تصدير النفط وحتى قبل رفع العقوبات فقد رفعت الحكومة الايرانية سقف توقعاتها لعائدات النفط للعام 2022 إلى 115 مليار دولار.

وخلال العقود السابقة بذل النظام الايراني جهودا كبيرة في تطوير ترسانته الحربية، وكما هو معروف فكل من يخزن السلاح يفكر في استخدامه ذات يوم.

تنظر كوريا الشمالية بقيادتها المتطرفة ونظامها المغلق الذي يقدس النزعة العسكرية العدوانية كركيزة رئيسية لوجوده بلهفة لاصطياد فرصة لخرق عزلتها الدولية واجبار العالم على أن يفسح لها مكانة تتناسب مع كونها قوة نووية تمتلك صواريخ باليستية يمكن أن تصل إلى الولايات المتحدة. وتتمثل مشكلتها في أنها لا تستطيع الحصول على مكتسبات اقتصادية وسياسية مقابل قوتها الواقعية، فإذا تغير المناخ الدولي بفعل الحرب بين روسيا وأوكرانيا وتراجعت قوة الغرب فربما تجد فرصتها في التمدد نحو كورية الجنوبية الغنية المزدهرة تحت راية الوطنية الكورية كما يفعل بوتين. وتجد في ذلك حلا لما يعاني منه شعبها من الجوع والفقر.

ليس سهلا وضع قائمة بالدول التي تفكر اليوم بضم أراضي الغير بالقوة، ومحو دول مجاورة من الوجود، وهناك دائما الحجج والمبررات التي يقدمها التاريخ، وتكفي نظرة سريعة على أوربة عشية الحرب العالمية الأولى ثم الثانية لإدراك كم من الدول قد اختفت من الوجود وكم منها قد تغيرت حدودها. وما يقدمه السيد بوتين من مبررات لغزو أوكرانيا يصلح للاستخدام من قبل دول كثيرة وكل ما يلزمها هو التأكد من موت النظام الدولي بانتصار بوتين، وانكفاء الغرب نحو الدفاع، وامتلاك القوة العسكرية الكافية.

ومعنى ذلك أننا لسنا قادمين على نظام دولي جديد أكثر عدالة بقدر ما أننا قادمون على عالم من الفوضى تتطلع فيه كل دولة إلى أراضي جيرانها ويجري نبش التاريخ لاختراع المبررات الضرورية للغزو باعتباره تصحيحا للتاريخ ليس الا.