علي العامري عائدا من كولومبيا وفنزويلا: أميركا اللاتينية قارة شعرية بامتياز

صاحب 'كتاب الحدوس' يؤكد ان عموم بلدان أميركا اللاتينية تراهن على الثقافة بكل فروعها وأشكالها من أدب وموسيقى ومسرح وسينما وفن تشكيلي وفكر، لتعزيز الوحدة الداخلية ونشر الوعي المعرفي والجمالي وتربية الحساسية الإنسانية، وفي الوقت نفسه مواجهة مشكلات تعترض طريق التقدم، واستثمار التحديات بوصفها فرصاً جديدة وقوة احتياطية محفّزة على النهوض الاجتماعي والسياسي والاقتصادي.

بعد مشاركة الشاعر الأردني/ الفلسطيني علي العامري بمهرجانين للشعر في كولومبيا وفنزويلا، التقيناه وهو مدير تحرير مجلة "الناشر الأسبوعي" التي تصدر عن هيئة الشارقة للكتاب، وحاورناه حول القصيدة وحضورها في المهرجانين، وعن مشاركته وعن أهمية الثقافة في بلدان أميركا اللاتينية والترجمة، فكان هذا الحوار الثري.

فقال الشاعر علي العامري إن القصيدة العربية كانت حاضرة بقوة في المهرجانين الشعريين اللذين أقيما في كولومبيا وفنزويلا، وفي المؤتمر الأول لحركة الشعر العالمية الذي عُقد في البلدين خلال شهر يوليو/ تموز 2023، مؤكداً أن "روابط تاريخية وثقافية واجتماعية مشتركة تؤكد عمق العلاقة بين الثقافتين العربية والأميركية اللاتينية، بدءاً من امتداد الحضارة الأندلسية، ثم موجات الهجرة العربية منذ أواخر القرن الـ 17 وما بعده"، مشيراً إلى حضور فلسطين في الوجدان اللاتيني والمواقف الداعمة لنيل الشعب الفلسطيني حريته وتحقيق حلم العودة وبناء الدولة. 

وأضاف العامري بعد مشاركته في الدورة الـ 33 من مهرجان ميديين الدولي للشعر في كولومبيا التي شارك فيها 104 شعراء من 60 دولة، والدورة الـ 17 من مهرجان فنزويلا الدولي للشعر التي شارك فيها 270 شاعراً من بينهم 70 شاعراً من 60 دولة، إلى جانب شعراء فنزويليين وطلبة من مدرسة خوان كالساديّا الوطنية للشعر، أن "أميركا اللاتينية قارة شعرية بامتياز"، موضحاً أن الجمهور الذي حضر المهرجانين كان بأعداد كبيرة ومن مختلف الأجيال والفئات، وقد أثبت أن الشعر متجذر في الوجدان وفي الثقافة وفي مناحي الحياة اليومية. ولفت إلى أن جمهور افتتاح مهرجان ميديين الكولومبي بقي مصغياً للقصائد، لمدة أربع ساعات، على مدرجات مسرح كارلوس فيكو أورتيس المفتوح، على الرغم من سقوط المطر. 

وتابع صاحب "كتاب الحدوس" أن "كولومبيا وفنزويلا وعموم بلدان أميركا اللاتينية تراهن على الثقافة بكل فروعها وأشكالها من أدب وموسيقى ومسرح وسينما وفن تشكيلي وفكر، لتعزيز الوحدة الداخلية ونشر الوعي المعرفي والجمالي وتربية الحساسية الإنسانية، وفي الوقت نفسه مواجهة المشكلات التي تعترض طريق التقدم، واستثمار التحديات بوصفها فرصاً جديدة وقوة احتياطية محفّزة على النهوض الاجتماعي والسياسي والاقتصادي". 

وقال إن "كولومبيا تعاني من إرث مرحلة مأساوية، لكنها تواصل تنظيم مهرجانها الشعري العريق بوصفه خياراً حياتياً، ومساراً جمالياً وفكرياً للأمل والتعايش السلمي والوحدة والتضامن والوعي والمحبة والتغيير والنهضة أيضاً"، موضحاً أن مهرجان ميديين للشعر، العام الجاري، اختار شعاراً معبّراً هو "هجرة من الموت إلى الحياة". 

وأضاف أن "فنزويلا التي تعاني من الحصار الأميركي الجائر منذ سنوات، تواصل إقامة مهرجانها الشعري مؤكدة رهانها على الثقافة وقوتها في تمتين الوحدة الداخلية لمواجهة الحصار الذي يعدّ جريمة ضد الإنسانية"، مشيراً إلى اعتزاز الشعبين الفنزويلي والكولومبي وعموم شعوب أميركا اللاتينية برموزهم، وخصوصاً المُحرّر سيمون بوليفار.

افتتاح مهرجان فنزويلا الدولي للشعر
افتتاح حافل لمهرجان فنزويلا الدولي للشعر

وعن حضور القصيدة العربية في المهرجانات الدولية للشعر، قال العامري الذي تُرجمت قصائد له إلى أكثر من 11 لغة، إن "دور ترجمة الشعر مؤثر في تحقيق الحضور والتواصل والتفاعل وتعزيز الصداقة الشعرية بين الثقافات، والتعرف على حساسيات شعرية جديدة، إذ إن الترجمة تهاجر بالنص من لغته الأولى إلى لغات مختلفة، وبالتالي تتيح لقراء آخرين من ثقافات أخرى أن يتلمسوا الحساسية الشعرية المغايرة التي تستضيفها لغاتهم من خلال الترجمة"، مشيراً إلى بعض ترجمات لقصائده، منها ديوانه "خيط مسحور" الذي ترجمته أستاذة اللغة الإسبانية وأدب أميركا اللاتينية، الدكتورة عبير عبد الحافظ، ونُشر في كوستاريكا. كما ترجم الشاعر والموسيقي بيبي كوستا بعض قصائده إلى الإيطالية، وترجمت الشاعرة سلمى الخضراء الجيوسي قصائد له إلى الإنكليزية، وترجمت الشاعرة والأكاديمية نايدا مويكيتش بعض قصائده إلى اللغة البوسنية، وترجم له الشاعر والمترجم والناقد أنطوان جوكي قصائد إلى اللغة الفرنسية. 

وأوضح علي العامري أن المهرجانين الشعريين في كولومبيا وفنزويلا يحظيان باهتمام من رئيسي البلدين، مثلما يحظيان بدعم شعبي ودعم من الجامعات والمدارس والمراكز الإبداعية وبيوت الثقافة والمسارح والمتاحف والمكتبات والبلديات وعموم المبدعين والمثقفين ووسائل الإعلام الحكومية والأهلية على حد سواء. وقد تضمنت فعاليات المهرجانين ورش عمل أدبية وعروضاً موسيقية وتوقيع كتب جديدة وجلسات حوارية في عدد من القاعات والمسارح والمكتبات والمدارس والجامعات والمراكز والبيوت الثقافية والحدائق والمتاحف.

وكان مؤلف "خيط مسحور" شارك في حفل افتتاح مهرجان ميديين للشعر في كولومبيا، الذي شهده نحو 2500 شخص في مسرح كارلوس فيكو أورتيس المفتوح. وبدأ الافتتاح بكلمة لرئيس المهرجان، المنسق العام لحركة الشعر العالمية، الشاعر فرناندو ريندون، أكد فيها قوة الشعر في تحقيق الوحدة والتعايش وفي نصرة قضايا التحرر. 

كما أكدت منسقة المهرجان ومديرة الاتصال في الحركة الشعرية، غلوريا شوفال، في كلمة لها أن طاقة الشعر تجمع ولا تفرق، وأن الشعر محبة وجمال وطريق للتغيير. 

خلال المهرجان الكولومبي الذي أقيم في الفترة من الثامن حتى 15 من يوليو/تموز 2023، قرأ العامري في مركز تايير آرتي للفنون، وفي بلدية لاسيخا، وفي مسرح بابلو توبون أوريبي. كما شارك في حفل اختتام المهرجان على مسرح كارلوس فيكو أورتيس في مدينة ميديين. 

أما في مهرجان فنزويلا للشعر الذي أقيم في العاصمة كراكاس وشملت فعالياته 12 ولاية، في الفترة من 17 حتى 23 يوليو/ تموز 2023، فقد كان مدير تحرير مجلة "الناشر الأسبوعي"، الشاعر علي العامري أول من افتتح القراءات الشعرية خلال حفل الافتتاح في مسرح سيمون بوليفار بالعاصمة كراكاس، بحضور أكثر من 600 شخص، فضلاً عن مشاركته في قراءة نظمها المهرجان في مدينة أراغوا.

وكان رئيس جمهورية فنزويلا البوليفارية، نيكولاس مادورو موروس، وصف الشعر بأنه "قوة الروح"، عبر برنامجه التلفزيوني "مع مادورو" مرحّباً بالشعراء الدوليين. وقال إن "الشعر هو قوة الروح التي يتم التعبير عنها من خلال الإبداع المقترن بجمال الكلمات".

وفي قصر ميرافلوريس استقبل الرئيس وفداً من حركة الشعر العالمية، ضمّ المنسق العام للحركة فرناندو ريندون، وممثلة فلسطين والشعراء العرب الدكتورة حنان عواد، والشاعر المكرّم في المهرجان بيدرو رويث، ومنسقة حركة الشعر في آسيا، راتي ساكسينا من الهند، وممثل أفريقيا، نمرود بينا من تشاد، ومنسق حركة الشعر في أوروبا، فرانسيس كومب من فرنسا. 

جمهور حفل افتتاح مهرجان ميديين الدولي للشعر في كولومبي
جمهور غفير لحفل افتتاح مهرجان ميديين الدولي للشعر في كولومبي

وأكد نائب الرئيس الفنزويلي، وزير الاتصال والمعلومات، الشاعر فريدي نانييز في كلمة له على قوة الأمل التي يعبّر عنها الشعر. وقال إن "الشعر يحوّل التحديات والتناقضات إلى مساحة لإمكانيات جديدة للمجتمع، وروحانية جديدة وأخلاقيات للإنسانية في مواجهة الهيمنة". كما قال وزير الثقافة الفنزويلي إرنستو فييغاس في كلمة قبيل افتتاح المهرجان "حيثما يوجد الشعر، تندحر الفاشية".

وذكرت منسقة حركة الشعر العالمية في فنزويلا، الشاعرة آنا ماريا أوفييدو، أن "الشعر هو الأداة الأساسية لاتحاد البشر"، مضيفة أن "مهرجان فنزويلا للشعر يعكس الاحتفال بالحساسية الشعرية في بلدنا وفي العالم أجمع".

وكان الفنزويلي بيدرو رويث الشاعر المكرّم في المهرجان الذي اتخذ شعاره لدورة 2023، من عبارة له هي "مع النهر وراءنا".

وشارك في المهرجانين الشعريين في كولومبيا وفنزويلا تسعة شعراء عرب هم محمد الأشعري وخالد الريسوني من المغرب، حنان عواد من فلسطين، طارق الطيب من السودان، عاشور فنّي من الجزائر، أشرف أبو اليزيد من مصر، جانيت عيّاشي من المملكة المتحدة والجزائر، أحمد زعبار من تونس، وعلي العامري من الأردن وفلسطين. 

وأصدرت حركة الشعر العالمية في ختام مؤتمرها الأول الذي عُقد في مدينة ميديين الكولومبية، وفي العاصمة الفنزويلية كراكاس، خطة استراتيجية للأعوام الخمسة المقبلة، لتعزيز حضور الشعر ورسالته السامية في القارات الخمس. وانتخب المؤتمر منسقي القارات وأعضاء التنسيقية التشغيلية العامة. وحقق الوفد العربي حضوراً بارزاً في التشكيلة الجديدة، بإعادة انتخاب علي العامري منسقاً لقارة آسيا، وعاشور فني منسقاً في اللجنة التشغيلية، ومنسقاً لقارة أفريقيا مع طارق الطيب وأشرف أبو اليزيد.

يذكر أن علي العامري، شاعر من الأردن، لعائلة فلسطينيّة مُهجّرة من بيسان في العام 1948، إثر الاحتلال الإسرائيلي. وُلِد في قرية وقّاص، وعاش طفولته في القرية الحدودية، القليعات، في وادي الأردن.  شارك في مهرجانات وقراءات شعرية عربية ودولية، في فلسطين والأردن والإمارات واليمن والعراق وتونس وسوريا وفرنسا وإسبانيا وكوستاريكا ومقدونيا وكوسوفو والمغرب وكولومبيا وفنزويلا. كما شارك في ملتقيات "عن بُعد" أقيمت في إيطاليا ومقدونيا وأذربيجان وبوليفيا. ترجمت له قصائد إلى 11 لغة هي الفرنسية والإسبانية والإيطالية والألمانية والإنكليزية والمقدونية والألبانية والأذربيجانية والصينية واليونانية والبوسنية.

شارك في عضوية لجان تحكيم لعدد من الجوائز الأدبية والتشكيلية. كان عضواً مؤسساً ومديراً فنياً لملتقى دبي التشكيلي الدولي، عام 2013. وشارك في ملتقيات تشكيلية دولية، في الأردن والإمارات واليونان ومقدونيا ورومانيا وجورجيا ومصر. وشارك في معارض جماعية في الأردن والإمارات وفلسطين والكويت والولايات المتحدة ورومانيا واليونان وجورجيا ومصر. وأقام معرضه الأول "مرايا عميقة" في عمّان، العام 2015.

صدرت له ثلاث مجموعات شعرية، هي: "هذي حدوسي.. هذي يدي المبهمة"، و"كسوف أبيض"، و"خيط مسحور" التي صدرت بطبعتين عربيتين، وطبعة باللغة الإسبانية عن بيت الشعر في العاصمة الكوستاريكية، سان خوسيه. وصدرت له مختارات شعرية بعنوان "كتاب الحدوس" عن دار خطوط وظلال للنشر في عمّان، الأردن. كما صدر له عن دار الأهلية للنشر والتوزيع في عمّان، كتاب بعنوان "رقيم الحبر" يتضمّن حوارات مع سبعة شعراء، هم سلمى الخضراء الجيوسي، عبد الوهاب البياتي، عز الدين المناصرة، ناتالي حنظل، ماريا غريك غانادو، محمد القيسي، وشوقي عبد الأمير.

درس الصحافة في جامعة الإمارات في مدينة العين. عمل رئيساً للقسم الثقافي في جريدة "العرب اليوم" الأردنية، ومحرراً مركزياً في جريدة "الخليج" في الشارقة، ورئيساً لقسم الثقافة والفنون في جريدة "الامارات اليوم" في دبي. ويعمل حالياً مدير تحرير لمجلة "الناشر الأسبوعي" (ببليشرز ويكلي- العربية) التي تصدر عن هيئة الشارقة للكتاب، منذ العام 2018.

عضو مؤسس جماعة أجراس الشعرية، وعضو مؤسس ونائب رئيس جمعية عرزال للثقافة والفنون في الأردن. عضو في رابطة الكُتّاب الأردنيين، والاتحاد العام للأدباء والكتّاب العرب، ونقابة الصحافيين الأردنيين).