عندما تنحرف الشعوب في مسارها!

لا يوجد أسهل من نظرية المؤامرة لتفسير غضب الشعوب من حكامها. السودان يلتحق بقافلة إيران وسوريا.

أمر ملفت للنظر بحيث يكاد أن يصبح ظاهرة، وهو موقف الانظمة الديكتاتورية القمعية في بلدان بالمنطقة من الانتفاضات والتظاهرات الاحتجاجية التي تحدث من جانب شعوبها، فقد صارت تتكرر عبارة "الانتفاضة كانت محقة لكنه تم تحريفها عن مسارها"، وأحيانا أخرى يقولون "أنحرفت لأن أيادي خارجية عبثت بها". وهذا ماوجدناه مجسدا في موقف نظام الاسد من إنتفاضة الشعب السوري في بداياته ومن مواقف نظام الجمهورية الاسلامية الايرانية من الانتفاضة الاخيرة التي وصفوها بأنها تحمل مطالب واقعية ولكنه تم تحريفها وجعلها تسير في إتجاه آخر بعد تدخلات خارجية. واليوم يخرج علينا مساعد للرئيس السوداني عمر البشير، ليعلن بأن التظاهرات انحرفت عن مسارها الطبيعي، وإن تظاهرات الولايات تمت بمشاركة أشخاص من خارج الولايات.

ما يسترعي النظر هو إن التظاهرات في السودان قد إشتد أوارها بعد الزيارة "المسرحية" المثيرة للإشمئزاز والتي قام بها الرئيس السوداني البشير لسوريا وإلتقى بنظيره الديكتاتور السوري، والذي يثير السخرية والى أبعد حد إنه وكما نعلم جميعا بأن السبب الاساسي للإنتفاضة التي جرت في إيران ولا تزال الاحتجاجات مستمرة فيها وكذلك بالنسبة لللإنتفاضة الحالية في السودان، هي أسباب إقتصادية ومعيشية بالدرجة الاولى تماما كالتظاهرات التي حدثت في باريس، ولكننا لم نجد الرئيس الفرنسي ولا حكومته يوجهان التهمة بالعمالة والانحراف للمتظاهرين بل وقد إستجابوا ورضخوا لهم. ولكن في بلدان المنطقة وعوضا عن التهم الكاذبة والجاهزة دائما، فإنه لا يتم الاستجابة لمطالبهم.

المشكلة الاساسية في بلدان في المنطقة تكمن في عقلية أنظمتها الديكتاتورية القمعية التي تسعى دائما لتفسير أي تحرك إحتجاجي ضدها وفق نظرية المٶامرة، وهذا ليس بغريب عليها ذلك إنها تعالج الامور والاوضاع وفق المنطلقات الامنية والاستخبارية وتحيك مخططات ضد شعوبها وضد كل من تجده يقف بوجهها، وهي تظن بأن الآخرين يفعلون نفس الشيء، وهذا ما يفسر حقيقة كونها معلقة في وحل نظرية المٶامرة.

النظام الايراني الذي هو من أكثر الانظمة ولعا بنظرية المٶامرة، لكنه وفي نفس الوقت يقوم بحياكة المخططات الارهابية ضد معارضيه الذين يبعدون عنه آلاف الكيلومترات ويوعز الى دبلوماسيين رفيعي المستوى وحتى سفراء لتنفيد تلك المخططات، ونتساءل وبمنتهى الجدية؛ من المنحرف حقا الشعب أم الانظمة الديكتاتورية نفسها؟