عندما يحاور الجسد المواد والخامات

في لوحات  وصال بن سليمان بوح ملون يبرز أوضاع أجساد أنثوية بين الانطلاق والخوف والتأمل حيث الألوان سياقات ذوقية جمالية
الفن التشكيلي حمال هذه الرغبات الملونة وغيرها في الحوار مع العناصر والأشياء والتفاصيل
الرسم ظل هاجسا تعبيريا منذ القدم

في سياق التعاطي الفني مع الذات وهي تشهد هواجسها وأسئلتها تجاه العالم والآخرين في هذا الحيز الإنساني المفتوح على المتغيرات والتبدلات المتسارعة تبرز فكرة البحث والقلق وفق سياق متخير من الفنان للقول بالممكنات التعبيرية والجمالية التي تشير بل تذهب إلى شواسع هذه الذات الحاملة لتلويناتها الفكرية والوجدانية والثقافية.
والفن التشكيلي حمال هذه الرغبات الملونة وغيرها في الحوار مع العناصر والأشياء والتفاصيل، فالرسم ظل هاجسا تعبيريا منذ القدم. قدم النظر والتأويل، فالرسامون وبما انطووا عليه من حلم وفي مختلف منجزاتهم الفنية والجمالية سعوا ليكونوا في جوهر الأسئلة ومنها أسئلة الجسد. وكل بطريقته وأسلوبه وتمثله المخصوص للفن.
الجسد وثقافته وباعتباره الإطار المادي للذات في تعاطيها الدلالي والحسي كان حاضرا تاريخيا في شتى الأنماط التعبيرية الجمالية الفنية وفق حالات من الاحتفائية والقول بدوره السوسيو- ثقافي. والجسد الأنثوي أساسا كان ضمن هذا الحضور وارتساماته المختلفة من فنان إلى آخر من حيث تنوع خطاباته المقترحة ومرجعياتها الفلسفية والجمالية والاجتماعية.
الجسد لغة وخطاب وذاكرة ومضامين وحالات وأفكار وحركة وطاقة وحياة، ومن هنا كان الاشتغال عليه في الفنون البصرية الجمالية في ضروب شتى من التوظيف لما يختزله من منطوق وأحاسيس دالة تذهب بالعمل الفني والإطار المشتغل عليه عموما إلى حالات قصوى من التعبيرية والتأثير ويبرز ذلك بينا في تجارب الفن المعاصر وفي هذا المنحى الليبرالي التحرري الذي على إيقاعه يمضي العالم إلى درجات التسويق والترويج العالية.
تأويلات وقراءات متعددة مختلفة تتقاطع في استثمارها للجسد وعوالمه في المجالات الفنية واقتراحاتها الإبداعية.
هكذا نمضي وفي هذا السياق مع تجربة الفنانة التشكيلية  والباحثة وصال بن سليمان التي اشتغلت على عوالم الجسد في نشاطها التشكيلي حيث مثلت لوحاتها الفنية التي شكلت معرضها الشخصي بدار الثقافة شكري بلعيد بجهة جبل الجلود الجسد الأنثوي في حالاته الواضحة والغامضة والحركة وفق تخييل منطلق من ذات الفنانة و نظرتها للعالم وعلاقاته المتداخلة وبما للمرأة من خصوصيات اجتماعية وثقافية.

في لوحاتها بوح ملون يبرز أوضاع أجساد أنثوية بين الانطلاق والخوف والتأمل حيث الألوان سياقات ذوقية جمالية للتناغم مع المضامين البينة وإسناد تعبيريتها في شتى الحركات والحالات والوضعيات والهيئات التي عليها هذه الأجساد

في لوحاتها بوح ملون يبرز أوضاع أجساد أنثوية بين الانطلاق والخوف والتأمل حيث الألوان سياقات ذوقية جمالية للتناغم مع المضامين البينة وإسناد تعبيريتها في شتى الحركات والحالات والوضعيات والهيئات التي عليها هذه الأجساد. حوار آخر تخيرته وصال في تعاطيها الفني هذا ومنذ سنوات وفي تعدد أشكاله حيث تقول عن هذا التمشي الفني: " ... عملي يتمحور حول الجسد حيث أعد مشروعا قوامه الجسد يحاور المواد والخامات .. قد تكون صورة الجسد واقعية أو متخيلة حلمية أو طيفية لذلك الجسد يتخذ في عملي أشكالا متعددة قد تكون واضحة المعالم أو غامضة. مجتمع الأوصال أو متشظيا كاملا أو لا مكتمل. أعشق التعامل مع الألوان حتى وإن بدت للبعض قوية ووحشية. عملي على الجسد ينبع من تمردي على نظرة المجتمع وموقفه وربما ذاكرتي الجسدية الشخصية...".
وصال بن سليمان الباحثة والفنانة التشكيلية حائزة على إجازة في الفنون التشكيلية اختصاص رسم من المعهد العالي للفنون الجميلة ومتحصلة على ماجستير في نفس المؤسسة ساهمت في العديد من المعارض مع اتحاد الفنانين التشكيليين وجمعيات أخرى تعنى بالفن التشكيلي والرابطة التونسية للفنون التشكيلية التي ترأسها.
من ربوع المدينة البحرية بالشمال التونسي ونعني بنزرت التاريخ والجمال كانت طفولتها اليانعة بين الجمال والألوان. وبين زرقتين: البحر والسماء، تلمست منذ البدايات الأولى خطواتها نحو التذوق والتلقي الجمالي وصولا إلى سنوات التحصيل التي منها دراسة علوم الآثار الإسلامية والدراسة بالمدرسة العليا للفنون الجميلة بتونس لتخوض تجربة التلوين بعمق من خلال المشاركة في المعارض الفردية والجماعية حيث كان معرضها الخاص بعنوان "تهافت الجسد اللافت"  بدار الثقافة شكري بالعيد في الفترة من 11 الى 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2020 مشيرة فيه وعبر لوحاتها (21 لوحة) مسألة الجسد وخاصة الجسد الأنثوي من وجهة نظر عملت عليها نظرا وتأملا لسنوات لتبرز مساحة اللوحة وفضاءها الملون والخطوط والحركة والحالة كما تخيلت هذه العناوين الجسدية كفنانة باحثة.