عن الإخوان ومرسي.. يجيدون التنكيل وصناعة الكراهية

إنهم يمتلكون موهبة استثنائية حقيقية في صناعة الكراهية وحشد الخصوم والأعداء ولذلك نفرت منهم كل القوى السياسية التي تعاملت معهم يوما ما حتى المعارضة لنظام مبارك أو النظام الحالي وحتى الآن إذا سألت أحد معارضي السيسي المتشددين في معارضتهم له عن الإخوان ستكون أول كلمة تسمعها: أعوذ بالله هؤلاء بلاء حمانا الله من شرهم!

  بقلم: جمال سلطان

في العام 2010 كان نظام مبارك يشن حملة قاسية جدا ضد جماعة الإخوان، ووضح أن هناك قصفا إعلاميا مركزا، وجميع أصدقاء الجماعة نفضوا أيديهم منها، خشية أن يطالهم بطش مبارك في تلك الحملة، وبدت الجماعة في حالة قلق حقيقي من أبعاد هذا الهجوم، وكنا في موقع المصريون ـ لم تكن صحيفة وقتها ـ لنا كتابات نقدية ضد الجماعة، كما كنا ننتقد غيرها من الأحزاب والقوى السياسية، لكن لأن الجماعة لم تكن تطيق صبرا على أي نقد، فقد نالنا منها الكثير من الشتائم والاتهامات والتشنيعات عن أغراض "خبيثة" تحركنا والعمالة التي وقعنا فيها، ونحو ذلك من القاموس المعروف حتى الآن للجماعة ونشطائها، وأحيانا كنا نضطر لحجب التعليقات على الموقع من فرط التدني في الألفاظ التي يكتبونها وبذاءتها، وهي مسيئة للتيار الإسلامي بكامله.

في تلك الأثناء، كتبت عدة مقالات أنتقد فيها الحملة على الإخوان، ورأيت أنها متحاملة، وأنها تخديم على سياسات لنظام مبارك ورغبته في مصادرة الفضاء العام، وأذكر أني اشتبكت مع الصديق الراحل صلاح عيسى في مواجهة عنيفة بسببهم أيامها، ويبدو أنهم تفاجأوا بدفاعي عنهم وأنا المعروف بنقدي لهم، حتى جاءني اتصال هاتفي من رقم لا أعرفه، عرفني بنفسه، أنا المهندس علي عبد الفتاح، من جماعة الإخوان المسلمين، رحبت به وسألت عن الموضوع محل الاتصال، ففوجئت به يشكرني شكرا عميقا على كتاباتي في المصريون والتصدي للظلم الذي يقع على الجماعة حسب قوله وقت أن تخلى عنهم الجميع، ثم قال لي أن فضيلة المرشد يريد أن يشكرك بنفسه ويسلم عليك، وظهر على الطرف الآخر الدكتور محمد بديع الذي كرر شكره العميق لي ولشقيقي محمود على موقفنا النبيل وشجاعتنا في ظل هذه العاصفة الهوجاء، وأطال في الثناء حتى أخجلني فعلا، ثم دعاني بإلحاح إلى زيارتهم في مكتب الإرشاد لكي يقوم أعضاء المكتب بتقديم الشكر بأنفسهم.

كان شقيقي محمود مستغربا من الاتصال، وتشكك في الموضوع، لأنه لا صلة لنا من أي نوع بالجماعة وقيادتها، ورأى أن نعتذر عن الدعوة، لكني قلت له أن رفضنا لها سيساء تفسيره، ودعنا نعرف كيف يفكر هؤلاء، وذهبنا بالفعل إلى الموعد في مقرهم بمنطقة منيل الروضة وسط القاهرة، وقابلنا عدد من أعضاء المكتب كان بينهم الدكتور بديع والدكتور محمود حسين والدكتور محمود عزت والأستاذ عاكف والدكتور محمد مرسي وآخرون لا أذكرهم، ورحبوا ترحيبا كبيرا وشكرونا طويلا، ثم طلب منا الدكتور محمد مرسي أن نشرب فنجانا من القهوة مع أعضاء مكتب الإعلام في الجماعة حسب ما فهمت.

في اللقاء الذي جرى في غرفة جانبية بالمقر، وكان حاضرا الدكتور محمد مرسي ـ فهمت بعد ذلك أنه المسؤول عن الملف الإعلامي في مكتب الإرشاد ـ وكان حاضرا المهندس علي عبد الفتاح والدكتور جمال نصار، ومرسي بلدياتي أساسا، وقريتي جزء من نطاق دائرته الانتخابية في البرلمان، فقلت له يا دكتور مرسي، أنا مقدر لشكركم لنا وتقدركم لموقفنا، وهو جزء من رسالتنا الصحفية، ننتقدكم إذا رأينا ما نراه شيئا سلبيا وندافع عنكم وعن غيركم إذا رأينا أنكم مظلومون، ولكن يا دكتور مرسي هل لديك علم بأني عميل للموساد الإسرائيلي؟ وأن شقيقي محمود هذا عميل للمخابرات الأمريكية؟! استغرب من السؤال؟ وقال : من قال هذا؟ قلت له: أنتم، قال كيف؟ قلت له هذا هو المقال المنشور على موقع الجماعة الرسمي "اخوان أون لاين"، فنظر إلى المهندس علي عبد الفتاح، فأطرق مائلا برأسه وسكت، فقال الدكتور جمال نصار، إنه كان خطأ وتم رفعه من الموقع، فقلت له: لا، لم يرفع من الموقع وهات اللاب توب وأنا أخرجه لك الآن من موقع الجماعة الرسمي، والمقال موجود فيه منذ عدة شهور، فاعتذر الدكتور مرسي ووعد بالتحقيق فيما جرى، وانشغلنا بعدها بدوامات تعصف بمصر، ونسينا الجماعة والموضوع كله.

بعد تلك الواقعة مرت الأزمة، وورد على الأوضاع في مصر أحوال أخرى، وانتقدنا الجماعة على بعض مواقفها، كما انتقدنا غيرها من الأحزاب والقوى السياسية، وكانت لنا معارك كبيرة مع وزراء ومؤسسات رسمية، منها معركتنا الشهيرة مع فاروق حسني وزير الثقافة، والذي اتهمنا بعدها بأننا كنا سببا في ضياع منصب اليونسكو منه.

لماذا استذكر تلك الواقعة الآن؟ الحقيقة أني تذكرتها عندما حاول بعضهم تبرير عنف الإخوان وشتائمهم وبذاءاتهم ضدي وضد صحيفة المصريون بأنه نتيجة توتر بسبب نزع السلطة منهم وإطاحة مرسي وأنه قد راح منهم ضحايا كثيرون والدم والملاحقات وآلاف المحبوسين ونحو ذلك، وهو كلام غير صحيح قطعا، ففي 2008 لم يكن هناك دم ولا سلطة ضاعت ولا آلاف المعتقلين ولا حملة مشابهة لما جرى معهم الآن، ومع ذلك كانت الشتائم والاتهامات ونشر الأكاذيب لتشويه السيرة والتعليقات البذيئة نسخة طبق الأصل مما يحدث الآن، هي طريقة في التفكير وفي التربية وفي منهج التعامل مع المخالف، لا تطيق التعددية ولا الحق في الاختلاف، ولا تفترض أبدا أن قيادة الجماعة يمكن أن تخطئ في موقف، أبدا، وأن من يمس الجماعة بكلمة فهو معاد لخطابها "الرباني" ولرسالتها "الإلهية"، فأنت عدو للإسلام والمسلمين إذن، سواء عبروا عن ذلك نصا أو بالمعنى.

إنهم يمتلكون موهبة استثنائية حقيقية في صناعة الكراهية، وحشد الخصوم والأعداء، ولذلك نفرت منهم كل القوى السياسية التي تعاملت معهم يوما ما، حتى المعارضة لنظام مبارك أو النظام الحالي، وحتى الآن، إذا سألت أحد معارضي السيسي المتشددين في معارضتهم له عن الإخوان ستكون أول كلمة تسمعها : أعوذ بالله، هؤلاء بلاء حمانا الله من شرهم! وقد قال لي أحدهم ما هو أسوأ من هذا الكلام قبل ثلاثة أيام، مما لا يناسب عرضه الآن، والملاحظ أن أكثر المشاعر مرارة تكون ممن كانوا بالجماعة وغادروها، لأنهم يكثفون الطعن فيهم والتشهير بهم بصورة عنيفة جدا، ربما لأنهم يعرفون ما لا يعرفه الآخرون فيخشون من نقدهم فيستبقونهم بألغام للحماية، وأذكر أن آخر مكالمة للدكتور عبد المنعم أبو الفتوح معي قبل اعتقاله الأخير بنصف ساعة كان يشتكي فيها مما يفعله الإخوان معه رغم الحصار الذي يعانيه والتهديدات، كما كان الصديق المهندس أبو العلا ماضي قديما يقول لي: يا أخ جمال أنا أتعاطى سبعة أنواع من الأدوية بسبب ما فعله بي الإخوان! ثم يسألون ببراءة: لماذا يكرهوننا؟!