عن العودة الى المدارس

ما رأيت سيدة لم تقل لي أن وجوه أطفالها كئيبة بسبب اقتراب العام الدراسي الجديد.

خلال أسبوع، سيعود الأطفال الى عام دراسي جديد، وقلة هم الذين يحملون هم التعليم لأن المنشغلين بمسألة التقدم والارتقاء هم فقط الذين عانوا كثيرا من فشل النظام التعليمي، لأن الناجحين على الغالب مزهوون بنجاحهم ولا يتوقفون للتفكير بالآخرين، بالإضافة الى أنهم ليسوا صناع القرار ليضحوا ببعض وقتهم ويتأملوا النظام التعليمي في الوطن العربي، ورغم أن محدثتكم كائن منزوي في أحد زوايا هذه الأرض، فلن يؤثر حديثها ولن يغير شيئا، ولكنها أفكار أبوح بها وليست بحثا علميا محكما، وربما يقرأها صانع قرار ويتبناها، حتى وإن كان الأمل شبه معدوم.

إن توظيف المعارف هو مربط الفرس في النظام التعليمي، وإذا كان هذا مبدأ راسخ لدى التربويين، فإنهم سيحدثون ثورة في عالم التربية والتعليم، وإذا فهم المتعلم أن ما يدرسه يهدف الى توظيف المعرفة، فإنه سيستمتع بما يدرس وسيصبح إنسانا فاعلا وايجابيا، وسوف يسعى الى تطبيقه أو يطالب بتهيئة الظرف لتوظيف المعرفة. وهذه المطالبة تجبر مستويات السلطة المختلفة على التوقف والتفكير والتساؤل :ما الفائدة من كل هذا الجهد والوقت إذا لم تجد المعرفة سبيلا لها خارج ذاكرة المتعلم. فهو يتعلم الأخلاق ولا يطبقها ولا يرى أحدا يطبقها، ويتعلم التاريخ ولا يستخرج منه عبرة ويتعلم الفيزياء ولا يستطيع أن يصنع مجهرا أو تلسكوب ويتعلم الرياضة ونمط عيشه غير صحي، ويتعلم حقوقه كمواطن وكتلميذ ولا يحصل على شيء منها، ومع مرور الأيام تتبخر المعرفة، وتبقى الشهادة التي يستند اليها في البحث عن رزقه. وكلما زاد عدد الخريجين، زاد الاحباط وأصبحت الهجرة حلما يسعون الى تحقيقه.

إن بداية التغيير هي الإرادة، ومن ثم تنطلق عملية التخطيط بتحديد الأهداف، وهذه الأهداف ليست مجرد إنشاء يخطها أصحاب القرار ثم ينسونها، بل لا بد أن تكون منطلقا لحشد فرق عمل متخصصة ومؤهلة للعمل على تحقيقها في كل جانب من جوانب المجتمع وهي الأسرة والوزارات والمدارس والجامعات. وإذا استثني أحد هذه الجوانب، فإن الخطة تفشل وتصبح غير قابلة للتطبيق. فكما أن الانسان جسم وعقل وعاطفة وأخلاق، فإن كل مكون من مكونات المجتمع مسؤول عن تطوير أحد هذه الجوانب، فلكي ينجح الإنسان، يجب أن يكون معافى ولا يعاني من ضعف في جسمه ولا بد أن يكون عقله سليما يستطيع أن يفهم الظواهر ويستدل على أسبابها ويربط بينها ويستخرج القواعد والقوانين بنفسه، قبل أن يغرق في كم هائل من المعلومات يجب عليه أن يحفظها لكي ينجح في الاختبارات. كما أنه يجب أن يكون متوازنا عاطفيا، واثقا من نفسه وقادرا على التواصل الصحي مع الناس من حوله وصنع الأصدقاء والتفاعل معهم. ويجب أن يعرف ما له وما عليه، ولا يعتدي على أحد ويدافع عن نفسه إذا اعتدى عليه أحد. فهل مؤسساتنا التعليمية قادرة على الارتقاء بالانسان الى هذا المستوى؟

حدث ولا حرج، فالواقع يعبر عن نفسه، والمشكلة هي أنه عندما تقوم الحكومات بإنجاز خطوة ما تحشد لها كل وسائل الإعلام وكأنها اختراق علمي عظيم، وأين هم من انجازات الدول التي تنعم بالرفاه الاقتصادي والاجتماعي، فهذه الخطوات التي يحتفون بها ما هي سوى أذن الجمل، وعملية التطوير ليست فردية ولا يتحملها جهة معينة دون غيرها، فالأسرة التي ترسل الى المدرسة طفلا مهزوزا ومضطربا مسؤولة بالكامل عما أرسلت، والوزارة التي تعين في المدارس معلمين غير مؤهلين علميا وتربويا مسؤولة عن نتائج الطلاب وسلوكهم، والوزارة التي لا توفر فرص العمل للخريجين مسؤولة عن الاحباط وعزوف الناس عن التعليم والبحث والبناء والتطوير والحاكم الذي يزور المؤسسات رفعا للعتب مسؤول عن التجاوزات التي تحدث بشكل كامل.

أخيرا، أصدقكم القول أني ما رأيت سيدة لم تقل لي أن وجوه أطفالها كئيبة بسبب اقتراب العام الدراسي الجديد.