عن تجديد الخطاب الديني والتعليم الجامعي

في المناهج يتساوى الأستاذ الجامعي والأصولي المُـعادي للبشر والمُـقتنع بأنّ طريق الجنة مفروش بجثث المختلفين معه دينيًا فإلى أي حفرة مُـظلمة يأخذنا هذا التعليم وإلى متى سيستمرالتعليم والإعلام والثقافة السائدة فى مغازلــــة الأصوليين؟ وهل يمكن أنْ يتبنى الليبراليون مطلبًا واحدًا ويدافعون عنه وهو إلغاء خانة الديانة من كل المحررات الرسمية رحمة بكل من يعانون من ثقافة التطرف.

بقلم: طلعت رضوان

يـُـردّد النظام المصرى على لسان كبارالمسؤولين، بما فيهم رئيس الدولة، ومنذ عهد حسنى مبارك حتى عهد السيسى، بضرورة تجديد الخطاب الدينى، ولأنّ المؤسسة الدينية الأولى فى مصر(الأزهر) تابعة لرئاسة الدولة، فكان لابد أنْ (تضبط) خطواتها مع الإيقاع الرسمى للدولة، فتبارى شيوخ الأزهرفى الخطابة والكتابة عن هذا التجديد المزعوم، وكأنّ الدين مثله مثل الأشياء المادية (سيارة، شقة..إلخ)

الكارثة الأكبرهى أنّ هذا الكلام عن تجديد الخطاب الدينى، يـُـقابله المنهج التعليمى، سواء فى التعليم الأولى أوالجامعى، وهوالتعليم الذى يـُـكرّس لكراهية الآخرالمُـختلف دينيـًـا ومذهبيـًـا، ومن أمثلة ذلك ما يحدث فى جامعة الإسكندرية حيث قرأتُ مقرركلية الآداب سنة أولى عن مـــــادة (حقوق الإنسان) فوجدتُ مايلى: "عدم جوازتوثيق عقود زواج البهائيين لأنّ البهائية ليست من الأديان السماوية وتتعارض معها واستقرالقضاء الإدارى علـــى أنّ حال البهائية لايجوزالقياس بينها وبين الأديان الأخرى التى اعتبرالإسلام معتنقيها من أهل الذمة، يُـتركون على ما هم عليه وتستحق عليهم الجزية". هكذا فى أول درس من دروس (حقوق الإنسان) يتعلم الطالب أنّ المصريين (المسيحيين) ليسوا مواطنين، وإنما هم "من أهــــل الذمة وتستحق عليهم الجزية" أى أنّ الأستاذ الجامعى ينافس الأصوليين فى هدم الولاء الوطنى، وأيضـًـا:

"ولايجوزالحجاج بحرية العقيـــــدة وحرية ممارسة الشعائرالتى كفلها الدستورللقول بوجوب الاعتراف بالبهائية؛ ويجب للإعتداد بالعقيدة وآثارها وللسماح بإقامة شعائرها أنْ تكون منبثقة عن الأديان المُعترف بها وهى اليهودية والمسيحية والإسلام..وألاّتكون مخالفة للنظام العام والآداب، أى لايجوزالردة فى الإسلام، لأنّ المرتد يبطل عمله ولايقرعلى ردته ويُهدردمه" وهكذا لايكتفى الأستاذ الدكتوربإعلان موقفه الرافض لحق البهائيين فى إعتناق مايؤمنون به، وإنما يُعلن أيضًـــــــا أنّ البهائية ضد "الآداب"، وهذا هوالدرس الثانى. أما الدرس الثالث فهوتربية الطلاب على قتل المختلف دينيًا، بالنص على أنّ "المرتد يُهدردمه".

كتب أستاذ المادة أيضًا "ومتى تثبت مخالفة البهائية للنظام العام، امتنع مباشرة أى تصرف لأتباعها، بوصفهم بهائيين أوترتيب أى حق على هذه التصرفات، لأنّ الباطل لايـُــنتـج إلاّباطلا. لهذا فإنّ زواج البهائى أيًا كان أصل ملــّـته يكون باطلا بطلانــًـا مطلقــًـا..ولايجوزتوثيقه.

وهذا هوالدرس الرابع الذى يتعلــّـمه الطلاب فى مادة (حقوق الإنسان) حرمان البهائيين من حـق أساسى من حقوق الإنسان التى نصّتْ عليها المواثيق الدولية، أى حق الإنسان فى اعتناق مايشاء من أديان ومذاهب..وحقه فى توثيق زواجــه وما يترتّب على ذلك التوثيق من حقوق للأبناء. يُعلل الأستاذ الدكتورموقفه من البهائية، بــــأن يُـذكّرالطلبة بالقانون الذى أصدره عبد الناصرعام 1960 بشأن حل المحافل البهائية ووقف نشاطها..إلخ.

يتعلــّـم الطلبة "بطلان زواج المرتدة، عدم توريــــــــث المرتدة، عدم استحقاقها للمعاش. لما كانت القوانين الوضعية فى مصر، خلتْ من أية نصوص تشريعية تحكم الحالة القانونية للمرتد عن دين الإسلام، كما أنّ أعــــــراف المجتمع المصرى لاتهتم بحالة المرتد إلاّفى نطاق قواعد الأخلاق، لذا يتعيّن الرجوع فى شأنها إلى مبادىء الشريعة الإسلامية التى تقضى بأنّ المسلم الذى يرتد عن دين الإسلام، سواء إلى دين سماوى آخرأوإلى غيردين، لايقرعلى ردته، فى هذه الفقرة يعترف الأستاذ الدكتور: أنّ أعراف المجتمع المصرى لاتهتم بحالة المرتد إلاّ فى نطاق قواعد الأخلاق"، وقواعد الأخلاق كما يُعرّفها علم الاجتماع هى أنّ معيارتقييم الإنسان هوتعامله مع أبناء وطنه، فإذا كان شريفــًـا فى تعاملاته مع الآخرين، فهومواطن صالح والعكس صحيح، وذلك بغض النظرعن معتقداته الشخصية فى الأديان، وأعتقد أنّ هذه الفقرة كتبها الأستاذ الدكتورمن مخزون الوعى الجمعى لشعبنا، الذى ورث عن أجدادنا قيمة التعددية والتسامح الفلسفى القائم على احترام معتقدات الآخرين، ولكن الأستاذ الدكتوريتجاوزهذا المعنى الحضارى، ويصرعلى تكفيرالمختلف دينيًا ويصفه بالمرتد.

يتعلــّـم الطلبة أنّ محكمة النقض"قضتْ ببطلان زواج المرتدة عن دين الإسلام إذا تزوّجتْ بعد ردّتها بغيرمسلم ووجوب التفريق بينهما، وهكذا يتم توجيــه عقل الشباب وتدميروجدانهم الفطرى باقناعهم بأنّ تشتيت الأسرة (التفريق بين الزوجين) شىء طبيعى، وأنه لامبررللنظرإلى أية اعتبارات إنسانية أواجتماعية..ولامراعاة لخصوصيــــــة الإنسان، ناهيك عن الموقف المُـتعامى عن الأولاد بعد التفريق بين الأب والأم ..ويتعلــّـم الطلبة أنه إذا "كان قانون الإرث لم يتناول المرتد" إلاّ أنّ العمل فى كل ما يتعلق بإرث المرتد وأحكامه يكون طبقــًـا لأرجح الأقوال من مذهب أبى حنيفة. ذلك أنّ المرتدة عن الإسلام يُعتبرزواجهـــــا بالموروث باطلا ولاتستحق معاشًا عند وفاته" أى أنّ سيادة أستاذ مادة حقوق الإنسان لم يكتــــف بتفريق الزوجيْن، فيُضيف عقوبة أخرى بجانب تشريد الأسرة..وهى حرمان الزوجة من معاش زوجها.

على الطلبة– كى ينجحوا فى الامتحان– أنْ يكتبوا ما درسوه، وأنه لايجوزالقياس بين البهائى والمسيحى، لأنّ الأخيرمن أهل الذمة وعليه أداء الجزية، وأنّ البهائى مرتد، والمرتد يُهدردمه والتفريق بين الزوجيْن وعدم استحقاق المعاش، وعدم تغييراسم المرتد وديانته فى بيانات البطاقة الشخصية وبالطبع (كذلك) فإنّ أحدًا من الطلبة لايرغب فى الرسوب فى مادة (حقوق الإنسان) وبالتالى يترسّخ فى وجدان وعقل الطلبة (19 سنة) أنّ المُـختلف دينيًا أوعقيديًا ليست له أية حقوق، بل أكثرمن ذلك فإنّ دمه مُهدر..وإذا كانت هذه المفاهيم المعادية لأبسط حقوق البشر، يتم تدريسها فى مادة (حقوق الإنسان) فما هى المفاهيم التى يتم تدريسها فى مادة نقيضة اسمها (الحقوق غيرالمشروعة للإنسان)؟ أى أنّ مادة (حقوق الإنسان) ضد الإنسان.

إذن وما الفرق بين الأستاذ الجامعى والأصولى المُـعادى للبشر؟ والمُـقتنع بأنّ طريق الجنة مفروش بجثث المختلفين معه دينيًا؟ وإلى أية حفرة مُـظلمة يأخذنا التعليم فى مصر؟ وإلى متى سيستمرالتعليم والإعلام والثقافة السائدة فى مغازلــــة الأصوليين؟ وهل يمكن أنْ يتبنى الليبراليون مطلبًا واحدًا ويدافعون عنه، وهوإلغاء خانة الديانة من كل المحررات الرسمية؟ رحمة بكل من يعانون من ثقافة وافدة إلينا لاتعرف الرحمة؟

يتطابق الدكتور الجامعي تطابق المثلثات مع الأصوليين الرافضين الاعتراف بحق الإنسان فى أنْ يؤمن بما يشاء وبضرورة بقتله.