عن حقيقة الحب وأسبابه

أحمد فؤاد الأهواني يتناول في كتابه "الحب والكراهية" المحاورة المشهورة لسقراط المعروفة باسم "المأدبة".
الحب يصعد من الأجسام المحسوسة الفانية إلى الجمال المطلق الباقي
أقوال العرب في الحب لا تزال جارية على كل لسان

القاهرة ـ من سعاد محفوظ

إنه الحب الذي يسمو على مطالب الحس، ولا تدنسه شهوات الأبدان، ونحن لا نزال نسمى هذا الضرب من الحب الشريف أفلاطونيًا، إجلالاً لذكرى ذلك الفيلسوف العظيم صاحب الأكاديمية، والمعلم الأول، حيث تكلم عن حقيقة الحب وكشف الستار عن عجائبه.
من خلال كتابه "الحب والكراهية" يتحدث الكاتب أحمد فؤاد الأهواني عن رؤيته للحب، ولنقيضه الكراهية. يتناول الكاتب المحاورة المشهورة لسقراط المعروفة باسم "المأدبة" حيث اجتمع القوم ومعهم سقراط في بيت أجاثون يتناولون طعام العشاء، ثم دار الحديث عن الحب، حيث تناول كل منهم الموضوع من جانبه. 
أفلاطون فيوضح  حقيقة مذهبه في الحب، الترفع عن شوائب المادة، والسمو إلى نورانية الروح. فالحب شوق يدفع إلى الحصول على المعرفة والخير والجمال. ويبدأ الإنسان بحب الأشكال الجميلة، ثم يرتقي إلى حب النفوس، ثم إلى حب ثمرة النفس وبخاصة القوانين الإنسانية، وينتهي في آخر الأمر إلى حب المعرفة لذاتها.. وهكذا نتدرج في الرقي حتى نبلغ مثال الجمال، ومثال الحق، ومثال الخير.
فالحب يصعد من الأجسام المحسوسة الفانية إلى الجمال المطلق الباقي، وهو مطلب النفس الخالدة، التي كانت تعيش في عالم المثل قبل اتصالها بالجسد. والمحب الحقيقي الكامل، وهو صاحب الحب الأفلاطوني، يزدري الجمال الزائل، ويتعلق بالجمال الدائم، جمال الروح.
حقيقة الحب في الأدب العربي
أما الحب عند العرب فيرى الكاتب أن أقوال العرب في الحب لا تزال جارية على كل لسان، تقرؤها في أمهات الكتب وعيون الأدب، ونستشهد بما ذكر شعراؤهم، عن الحب والبغض، وما يتبعهما من أحوال. ولهم في ذلك نظرية مشهورة ترجع إلى ائتلاف أو اختلاف الأرواح قبل اتصالها بالجسد. وليس المسلمون هم الذين ابتكروا هذه النظرية فأصولها تمتد كما ذكرنا إلى الحكماء الأقدمين.
ويتدرج الكاتب أيضا إلى فكرة لصيقة بالحب هي فكرة الصداقة، حيث يرى أنه زعم بعضهم أن الصداقة على ثلاثة أنواع: إما لاتفاق الأرواح فيكون لاتفاق الشمس والقمر في المولدين في برج واحد، فلا يجد أحدهما بدًا من حب صاحبه. وإما لمتعة تحصل فتولد، ذلك. ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم "جبلت النفوس على حب من أحسن إليها وبغض من أساء إليها". وإما لألفة تجتمع مواد الحرص عليها.
ويعود المؤلف لشرح فكرة المحبة موضحا أن ابن حزم يؤثر الاعتقاد بأن الحب استحسان روحاني، وامتزاج نفساني، وأنه علة نفسه، وأن المحبة التي تقع لسبب من الأسباب، فإنها تفنى بفناء سبيلها، ودليله على ذلك أن المحبة ضروب، فأفضلها محبة المتحابين في الله عز وجل، إما لاجتهاد فى العمل، وإما لاتفاق في أصل النحلة والمذاهب، وإما لفضل علم يمنحه الإنسان. ومحبة القرابة، ومحبة الألفة والاشتراك في المطالب، ومحبة التصاحب والمعرفة، ومحبة البر يضعها المرء عند أخيه، ومحبة الطمع في جاه المحبوب، ومحبة المتحابين لسر يجتمعان عليه يلزمهما ستره، ومحبة لبلوغ اللذة وقضاء الوطر، ومحبة العشق التي لا علة لها إلا ما ذكرنا من اتصال النفوس. وكل هذه الأجناس منقضية مع انقضاء عللها، وزائدة بزيادتها، وناقصة بنقصانها، متأكدة بدنوها، فاترة ببعدها. 

الحب اسم مشترك
الحب والبغض من الأحوال النفسية الوجدانية 

يرى الكاتب أن الحب والبغض من الأحوال النفسية الوجدانية التي يشق على المرء تحديد معناها، وإنما هما من المحسات التي يشعر بهما الإنسان ولا يستطيع القول أو التعبير الصحيح عن هذا الشعور. ولا شك أن الألفاظ تضيق عن المعاني، وكثيرًا ما تبعد عن الإبانة وتقصر عن الإيضاح. وقد طالب الفيلسوف برجسون في العصر الحاضر بالانصراف عن استعمال الألفاظ الجوفاء إلى الصلة المباشرة بالأحوال النفسية، ومع ذلك فلا بد لنا من التعبير، ولا بد في التعبير من الاعتماد على اللغة والألفاظ.
حاول القدماء تعريف الحب أو الهوى. قيل لبعضهم: ما العشق فقال: ارتياح في الخلقة، وفرح يجول في الروح، وسرور ينساب في أجزاء القوى. وقال العيني: سألت أعرابيًا عن الهوى فقال: هو أظهر من أن يخفى، وأخفى من أن يرى، كامن كمون النار في الحجر، إن قدحته أورى، وإن تركته توارى. وسئل أحدهم فقال: حركة النفس الفارغة.
وهذه كلها تعاريف بالاستعارة والكناية والتشبيه لا تصيب ماهية الحب بل تقربه إلى الذهن. وعند العرب أن الحب اسم مشترك يجمع ضروبًا من ميل النفس كحب الولد والمال، ثم الهوى، ثم المودة، ثم الصبابة، ثم العشق، ثم الوله والهيام والتتيم، وهو أرفع درجات الحب لأنه التعبد.
وإذا رجعنا إلى لغتنا الدارجة التى يجرى فيها استعمال لفظتي الحب والبغض فقد نقصد بهما في بعض الأحيان الرغبة في الشيء أو الصدود عنه. كما يعبر الطفل عن رغبته في اللعب والحلوى بقوله: إني أحب الحلوى، وأكره الدواء، أي يرغب في الأولى ولا يريد الثانى. وفي أحوال أخرى نقصد بالحب التضحية والإيثار والفناء في سبيل شيء من الأشياء. فهذا نوع يختلف عن سابقه، ففي الأول يطلب الإنسان الشيء لنفسه ومصلحته ولذته، وفي الثانى يضحي الإنسان بنفسه في سبيل هذا الشيء.
يذكر أن كتاب "الحب والكراهية" لمؤلفه أحمد فؤاد الأهواني، صدر في طبعة جديدة عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2017. (خدمة وكالة الصحافة العربية)