عودة العرب إلى سوريا

مشروع إعادة الاعمار في سوريا إن تبناه العرب فسيكون بمثابة اعتذار للشعب السوري.

هناك نقطتان جوهريتان ينبغي عدم القفز عليهما. الأولى هي إن عودة العرب إلى سوريا هي ليست كعودة سوريا إلى العرب. هما واقعتان ومختلفتان وليس هناك من شرط على أن تكون أحدهما قادرة على استقطاب الأخرى.

النقطة الثانية هي إن سوريا عام 2019 هي ليست سوريا عام 2011. البلد الذي حطمته الحرب وشردت شعبه وجعلته يحتل الصدارة في قائمة البلدان المنكوبة يحتاج إلى فعل أكبر من العلاقات الدبلوماسية.

ثمان سنوات مرت، كانت سوريا فيها دولة منبوذة على الصعيد العربي. ضاقت الأرض والبحار ببشرها فيما كانت الآذان العربية صماء عن سماع استغاثاتهم وعويل أطفالهم تحت الأنقاض وعبثت بسلمها ومصير أجيالها عصابات إرهابية كانت مدعومة من طرف عربي في ظل صمت عربي.

لذلك فإن الحنين إلى سوريا اليوم لا ينطوي على أي نوع من أنواع الشفقة. هناك شرطان ينبغي توفرهما لكي يكون العرب على يقين من استعادة سوريا، دولة وشعبا هما الندم والاعتراف بالخطأ. لقد ارتكب العرب خطأً جسيما يوم تواطئوا على تعليق عضوية الدولة السورية في الجامعة العربية. وتلك خطيئة لا تُغتفر. ما كان لها أن تحدث لولا أن العرب استصغروا أنفسهم وعبثوا بثوابتهم ومشوا وراء رأي فاسد أثبتت الوقائع في ما بعد أنه انطلق من مكان، هو عبارة عن جحر للأفاعي الاخوانية.

سأتحاشى استعمال جملة من نوع "كان من الممكن لو أن العرب ...." لأصل إلى ما نحن فيه اليوم. فالعرب أخطأوا في حق سوريا غير أنهم تأخروا في استدراك خطأهم كثيرا. ولو كانت الدولة السورية لا تزال عضوا في الجامعة العربية لكان حضورها هناك قد وضع أزمة العرب مع نظامها السياسي أمام أبواب عديدة للحل الذي سيكون من شأنه أن يعلي من قيمتهم في نظر العالم ولما تغول الإرهاب وكبر شأن رعاته ومموليه.

ليس صحيحا القول إن عودة العرب هي محاولة لإحياء نظام الرئيس السوري بشار الأسد وإعادة تأهيله. فذلك النظام لا يزال باقيا وقد نجا مما خُطط له بل أنه نجح في أن يفرض شرعية وجوده في مقابل انهيار معارضيه الذين ضاعت نزاهة مطالبهم في ليل الجماعات الإرهابية التي لم تنحرف بالثورة السورية عن مسارها حسب بل وأدتها وانتهت بجزء من بشرها إلى أن يكونوا مجرد مرتزقة وقطاع طرق.

الصحيح أن العرب لا غنى لهم عن سوريا. طبعا من المؤسف أن تكون سوريا قد دُفعت إلى الاستغناء عن العرب وهو ما لم يكن يمر في ذهن السوريين في سالف أيامهم فهم رواد الفكر العروبي. ذلك التحول هو الأكثر خطورة من بين تداعيات الكارثة السورية. فاستعادة سوريا عربيا لن تكون بالأمر اليسير بعدما اضطر نظامها إلى لاستعانة بإيران لحمايته من السقوط ولم تكن تلك الحماية من غير مقابل.

من المؤكد أن دمشق ستكون موقع حرب باردة بين العرب وإيران.

وكما أتوقع فإن العرب قد وضعوا في اذهانهم تلك الحرب وهم يملكون ما يؤهلهم لحسمها لصالحهم. ذلك لأن النظام السوري لن يكون غبيا ليستمر في الاستجابة لما تفرضه إيران من خيارات تدخل ضمن أجندتها الحربية التي هي لا تملك شيئا سواها.

وهو ما يجعلني متفائلا في أن سوريا ستعود إلى محيطها العربي.

لا يتعلق الامر بمسألة نفعية مؤقتة. ذلك لأن من الصعب تخيل مزاجا سوريا شعبيا من غير أن تكون العروبة أساساً له.             

لن يتلقى السوريون هبات لإعمار بلدهم الذي حطمته الحرب.

ما سيفعله العرب من أجل إعادة اعمار سوريا هو واجبهم من أجل الارتقاء بالوضع العربي في مواجهة التحديات التي يجسد المشروع التوسعي الإيراني واحدة من أكثر صورها بشاعة.

العرب عائدون إلى سوريا، غير أن عودتهم تلك لن تكون ذات معنى إلا إذا بدأ مشروع إعادة الاعمار الذي سيكون بمثابة اعتذار يستحقه الشعب السوري.