غزو تركي ورضا كردي والعراق يتفرج

استدعاء الخارجية العراقية للسفير التركي للاحتجاج على غزو شمال العراق أشبه بنكتة.
أربيل تحكم في بغداد فيما لا تملك بغداد أن تقرر شيئا في أربيل
بغداد ملزمة بدفع رواتب البيشمركة من غير أن تملك صلاحية تحريك مسلح كردي واحد
الرئيس العراقي برهم صالح سبق أن دعا علنا إلى إقامة الدولة الكردية المستقلة
ما يهم الاكراد هو أن تخدم نزعتهم النفعية سيادتهم على أراضي دولتهم المؤجلة

قبل التنديد بالقصف التركي لشمال العراق دعونا نسأل: هل هناك سيادة عراقية على أراضي اقليم كردستان الذي تشكل المناطق المقصوفة جزءا منه؟

دهوك التي تعرضت للعدوان التركي هي محافظة عراقية ولكنها لا تخضع لسلطة ما صار يُسمى بالحكومة الاتحادية في إشارة إلى حكومة بغداد. دهوك هي جزء من كردستان وهي تخضع لحكومة أربيل العالقة بين استقلالها التام وتبعيتها الاسمية للدولة العراقية.

ذلك يعني أن سيادة كردستان هي التي تعرضت للانتهاك وليست سيادة العراق. فالأخيرة تنتهي عند حدود الاقليم الكردي المستقل.

العلاقة التي تربط أربيل وهي عاصمة الاقليم الكردي ببغداد وهي كما يُفترض عاصمة العراق كله تتخللها الكثير من المفارقات الغريبة التي تجعلها في نواح كثيرة أشبه ما تكون بالعلاقة بين دولتين أما من جهة الناحية الاقتصادية فإن على بغداد أن تعيل الإقليم.

علاقة لا تتسم بالانصاف يمارس فيها الأكراد استغلالا واضحا لضعف الدولة العراقية الذي ترك تأثيره على صورة العراق السياسية.

للإقليم الكردي رئيس كما له حكومة بكامل طاقمها ولديه مجلس نواب له صلاحية أن يشرع القوانين المستقلة عن القوانين العراقية.

في مقابل ذلك فإن على بغداد وفقا للدستور أن تخصص مناصب سيادية للأكراد. فصار عرفا أن يكون رئيس الجمهورية العراقية كرديا بدءا بجلال الطالباني وانتهاء ببرهم صالح كما أن عددا من الوزارات السيادية كالخارجية والمالية صارت من حصة الأكراد.

ذلك يعني أن أربيل تحكم في بغداد فيما لا تملك بغداد أن تقرر شيئا في أربيل.

بغداد ملزمة أن تدفع رواتب البيشمركة وهي الميليشيا الكردية من غير أن تملك صلاحية تحريك مسلح كردي واحد.

يقبض الأكراد 17% من الميزانية الاتحادية ولا يتوقفون عن المطالبة بضم مدينة كركوك الغنية بالنفط لكي يُتاح لهم التمتع بإيراداتها.

الزعامات الكردية كلها انفصالية. كشف استفتاء عام 2017 الذي دعا إليه مسعود البرزاني عن رغبة الأكراد في الانفصال عن العراق. وبالرغم من أن تلك المحاولة قد تم احباطها من قبل الولايات المتحدة فإن الإقليم اليوم هو دولة مستقلة لا ينقصها شيء من مقومات الاستقلال.

ما يثير العجب فعلا أن بغداد تغض الطرف عن الانفصال والانفصاليين بطريقة فيها الكثير من عدم الاكتراث بمصير ووحدة العراق.

جلال الطالباني وهو أول رئيس للجمهورية بعد مسرحية تسليم السيادة كان انفصاليا وكان يدعو علنا إلى ضم كركوك إلى الاقليم الكردي باعتبارها قدس أقداس الأكراد حسب تعبيره أما الرئيس الحالي فهو انفصالي سبق له أن دعا علنا إلى انفصال الاقليم لإقامة الدولة القومية المستقلة.

وفي المجال نفسه فقد احتكر الأكراد لأنفسهم وزارة الخارجية بدءا من هوشيار زيباري وانتهاء بفؤاد حسين الوزير الحالي الذي سبق له وأن استولى كرديا على وزارة المالية التي سبقه إليها زيباري نفسه.

لا أحد في بغداد يتساءل عن الحق الذي يحصل الأكراد بموجبه على كل هذه الامتيازات في السلطات الثلاث. وزراء ونواب ومستشارون وقضاة وقادة عسكريون وسفراء وموظفون بدرجات خاصة وما من عربي واحد مسموح له أن يعمل في إقليم كردستان.

تلك حقائق تعرفها تركيا. لذلك فهي ترى في استدعاء سفيرها في بغداد إلى وزارة الخارجية ببغداد نوعا من العتب غير الملزم. فالإقليم الكردي لا يقع ضمن السيادة العراقية ولا يعتبر دخوله عسكريا نوعا من العدوان على العراق.

وإذا ما ذهبنا أبعد في استجلاء حقيقة الموقف فإن الموقف الكردي نفسه سيكون مثيرا للشبهات. فزعامة الإقليم لا ترى في تدخل عسكري عراقي أمرا واردا فهي إن خيرت بين أن ترى جنديا عراقيا أو جنديا تركيا على أرض الاقليم فإنها ستنحاز إلى الثاني.

من جهة أخرى فإن ما تقوله تركيا من أن تدخلها جرى بعد الاتفاق مع حكومة الإقليم قد يكون صحيحا. فالحزبان الكرديان الحاكمان لا يجدان نفعا في وجود قوات حزب العمل على أراضي الإقليم إذا كان ذلك الوجود يشكل مصدر إزعاج لتركيا.

غلبت النفعية على سلوك الأكراد العراقيين مع الدولة العراقية وليس غريبا عليهم أن يكونوا نفعيين في علاقتهم مع الأكراد الأتراك أو الإيرانيين. يهمهم أن تخدم نزعتهم النفعية سيادتهم على أراضي دولتهم المؤجلة.