فاسدو العراق بحماية دولية

كل ما توقعه العراقيون من تغيير ضربته المعادلات السياسية عرض الحائط.

ليس صحيحا أن رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي سيكون إذا ما تم اختياره لولاية ثانية قادرا على فك ارتباطه بالمشروع العقائدي لحزب الدعوة الذي يتزعمه نوري المالكي والذي ظهر في لحظة من لحظات السباق الانتخابي كما لو أنه خصم العبادي في توجهاته السياسية. 

فالعبادي الذي تعهد بالإصلاح ومحاربة الفساد لم يفعل في ذلك المجال شيئا يُذكر عبر سنوات حكمه الأربع. لا لشيء إلا لأن ذلك المسعى يصطدم بالقرارات الداخلية للحزب الذي هو عضو فيه ولا يزال وسيظل كذلك. وهي قرارات تعكس فلسفة الحزب التي لا ترى في الوطنية صفة حسنة.  

اما المسافة المصطنعة التي خلقها الاثنان يوم ذهبا إلى الانتخابات بتحالفين، يناقض أحدهما الآخر، حيث أوحى العبادي من خلال كتلته بانفتاحه اللاطائفي على شرائح سياسية قد لا تكون مقبولة من قبل المالكي فإنها أي المسافة ستعتبر لاغية حين يتربع الرجل على كرسي السلطة التنفيذية ويكون معفيا من المساءلة التي جرى العرف في العراق أن لا تخرج عن حدود الكيدية.

كانت اللعبة تقوم أصلا على تكريس وجود حزب الدعوة في زعامة السلطة التنفيذية. ما يعني أن أحدا، كائنا من كان، لن يكون في مقدوره أن يمس رموز الفساد التي يضم الحزب المذكور عددا كبيرا منهما. بل أن تلك الرموز كانت ولا تزال مهيمنة على الصفقات الخفية التي تم ويتم من خلالها تسريب أموال الدولة العراقية بعيدا عن المواقع التي ينتفع الشعب من خلالها.

استمرار العبادي في ولاية ثانية يعني أن حزب الدعوة باق في السلطة وهو ما يشكل سدا منيعا يحول دون الوصول إلى رموز الفساد وفضحها وتعريتها وشل حركتها من خلال رفع الحصانة عنها وتقديمها إلى القضاء.

وإذا ما كان الطرفان الراعيان للعملية السياسية في العراق، إيران والولايات المتحدة قد وجدا في شخصية العبادي نوعا من التهدئة فإنهما لم يفكرا في ما يمكن أن يلحقه اتفاقهما من ضرر بالشعب العراقي الذي سدت أمامه الآفاق، بعد أن صار جليا أن الحكومة، أية حكومة، ستكون لاهية عن مطالبه في الخدمات الأساسية. فلا أمل في الكهرباء ولا في الماء الصالح للشرب ولا في التصدي لمشكلة البطالة ناهيك عن سوء الأوضاع في القطاعين التعليمي والصحي إضافة الى انقراض مسألة النقل العام والأسكان.

لقد نظر الأميركان والإيرانيون إلى مشكلة الحكم في العراق من الزاوية التي تضمن عدم تصادمهما من أجل مسألة هي بالنسبة لهما ليست جوهرية في صراعهما بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي.

وهكذا صار مؤكدا أن السياسية الدولية التي ترعى مصالح الآخرين في العراق هي في مكان والشعب العراقي الذي تحيط به الأزمات المصيرية في مكان آخر، مكان لا تصل إليه أنظار ممثلي تلك السياسة وهم الذين قُدر لهم أن يتحكموا بثروات ذلك الشعب.         

لذلك فإن كل ما توقعه العراقيون من تغيير ضربته عرض الحائط المعادلات السياسية التي كان زعماء حزب الدعوة يدركون أن العراق، كونه بلدا يفتقر إلى الإرادة الوطنية سيخضع لها إذا ما وصلت الأمور إلى خط الشروع في تشكيل الحكومة التي ستتولى إدارة العراق في المرحلة المقبلة.

لقد تهاوت كل المشاريع السياسية التي كان أصحابها ينادون بعبور الطائفية بمجرد الوصول إلى محطة الحوار الإيراني ــ الأميركي. كان على الأحزاب أن تنصت إلى ما يقوله الراعيان لضمان مصالحهما وتوازن وجودهما في العراق. وهو وجود لن يربح منه العراقيون إلا مزيدا من الفقر والمرض والجهل والعزل والتهميش والإهمال.

العبادي في ولايته الثانية لن يعد العراقيين بمقارعة الفاسدين. لا لأنه واحد منهم. بل لأنه أدرك بالملموس أن السلطة لم تصل إليه إلا عن طريق المكائد التي نصبها الفاسدون من أجل أن تمر من خلالها المعادلة الأميركية ــ الإيرانية.

كان المالكي بارعا في صنع قوة الضغط التي أجبرت الولايات المتحدة على الموافقة على بقاء حيدر العبادي في السلطة الذي يضمن من خلاله استمرار حزب الدعوة في إدارة صفقات الفساد لأربع سنوات أخرى.

علينا أن نصدق أن المالكي نجح في استغفال الولايات المتحدة حين أقنعها عن طريق الإيحاء بأنها انتصرت من خلال فرض العبادي رئيسا للحكومة لولاية ثانية.

لو تحقق للمالكي ما أراد فإن تلك واحدة من أعاجيب السياسة الدولية في عالمنا المعاصر.