فراغ لبنان المالي بعد الرئاسي

لقد اعتاد اللبنانيون على حلول الفراغات في العديد من المؤسسات الدستورية والمرافق العامة وكانت الحلول تُبتدع وتُقبل مع الوقت

تتوالي الفراغات في المؤسسات الدستورية والمرافق العامة تباعا في لبنان، وجديدها ما سيحصل آخر يوليو/تموز الحالي في ابرز أركانه المالية المتصل بحاكمية المصرف المركزي، وما سيترك من تداعيات وآثار لا حصر لها، وهي أزمة متصلة بالفراغ الرئاسي وما نجم عنه من استمرار الحكم عبر حكومة بصفة تصريف الأعمال، علاوة على فراغات في مرافق ومراكز قيادية أخرى لا سيما في المؤسسة العسكرية التي ستلتحق قيادتها آخر يناير/كانون الثاني إذا لم تجر الانتخابات الرئاسية ويتم تدارك الأسوأ، سيما وأن ثمة رفضا قاطعا للتعيين في أي شغور من حكومة تصريف الأعمال وفي ظل الفراغ الرئاسي وهو على أعتاب سنة من الزمن إلا تيفا.

والفراغ في سدة الحاكمية المالية لها خصوصيات كثيرة لجهة من يشغل المنصب والظروف المحيطة به مع نوابه الأربعة الذين باتوا يشكلون حالة خاصة لجهة التصريح والتلميح باستقالة جماعية بخلفيات ذات صلة بمسؤوليات جسام عن حقبة مالية شابها الكثير من الأسئلة والشبهات  المتصلة بالحاكم على الصعيد اللبناني والدولي وتركت الوضع المالي والاقتصادي في إعصار لا يستطيع أحد التنبؤ بنتائجه الكارثية، حيث يعيش اللبنانيون على كوابيس الصعود الجنوني لسعر صرف الليرة اللبنانية بين ساعة وأخرى، حيث ثمة شائعات وفيها الكثير ما يصدق قياسا على القفزات الجنونية للدولار التي وصلت إلى أكثر من 150000 ليرة مقابل الدولار الواحد وثمة من يؤكد أن سعر الصرف سيصل إلى حدود المليون حيث لا سقف له.

 لم يعد خافيا على أحد أن الحروب المالية والاقتصادية التي تمارس كوسيلة ضغط هو السلاح الأبرز الذي سيكون الأكثر فعالية لإيصال الحلول أو مشاريعها إلى نقطة القبول لمن يرفضها اليوم. وما يعزز ذلك السلوك من الضغوط نسبة الضرر الذي يلحقه بالدولة والمجتمع  ومن يسيطر عليها والسوابق المنفذة كثيرة في هذا المجال.

فالحاكم الحالي ناهزت ولايته في الحاكمية لخمس دورات متتالية غطت ثلاثون عاما من الإمساك بالهندسة المالية للدولة اللبنانية ومؤسساتها حتى ارتبط مصير الدولة والشعب بشخص الحاكم  وتصوير خطورة الوضع بعده  بالكارثي الذي سيصل إلى انهيار الدولة وتحللها بشكل نهائي، وبصرف النظر عن دقة التوصيف المعطى للوضع الكارثي، ثمة معطيات وظروف تعزز خطورة تلك الرؤى وتداعياتها الكارثية، ذلك في وقت يشاع فيه انعدام الحلول المقبولة من الأطراف الوازنة في الحياة السياسية اللبنانية.

لقد اعتاد اللبنانيون على حلول الفراغات في العديد من المؤسسات الدستورية والمرافق العامة وكانت الحلول تُبتدع وتُقبل مع الوقت، وعلى الرغم من وجود النصوص القانونية لمعضلة حاكمية مصرف لبنان وإمكانية تسلم نائب الحاكم الأول والمجلس المركزي لمهام الحاكم في حال الشغور، إلا أن حساسية المنصب وشاغله لجهة ديانته ومذهبه وهي مماثلة لمنصب رئاسة الجمهورية، جعلت من حالة الشغور ذات طبيعة خاصة يُرفض معها الحلول ولو كانت تخضع لنصوص قانونية واضحة لا لبس فيها، رغم أن ثمة شغور سابق في أحد المؤسسات الأمنية الحساسة  قد مُلأ بغير الطائفة والمذهب  المتفق عليه عرفا، وهي معضلة كبيرة في طبيعة تركيبة  الوظائف القيادية اللبنانية وطرق التعاطي معها.

في أي حال من الأحوال، وإن غدت أزمة الفراغ في حاكمية المصرف المركزي تبدو بهذا الحجم من التوجس والخوف، فإن ما ينتظره لبنان واللبنانيون أسوأ من ذلك بكثير في الأشهر القلية القادمة، حيث لا أفق واضحا بما يتصل لانتخاب الرئيس، حيث لبنان لم يعد له أي أولوية في الوضعين الإقليمي والدولي، وفي وقت ثمة اتفاق غير معلن على ترك بعض أزمات المنطقة ومنها الأزمة اللبنانية معلقة ومرتبطة  بالعديد من الأزمات الإقليمية شديدة التعقيد، ما يعزز الوضع المأساوي والكارثي الذي حل بلبنان واللبنانيين الذي بات وضعهم مرتبط بشكل لا لبس فيه بأزمات المنطقة المتشعبة التي لا حل لها إلا باتفاقات دولية بمستوى رفيع الأهمية وهو غير متوفر الظروف في المدى المنظور.