فرحان العتابي يتتبع 'المعلوماتية وأثرها السياسي على النظم العربية'
ازدادت أهمية المعلوماتية في العصر الحديث واتسعت دائرة تأثيرها في المجتمع إذ اصبحت وسيلة جماهيرية واسعة كما اصبح مصطلح المعلوماتية مرتبطاً بالعديد من المجالات المختلفة في المجتمعات البشرية مما أدى إلى تطورها بشكل ملحوظ، وساهمت بتنوع مصادر المعلومات فلم يعد مصدر المعلومة مقتصراً على مكان معين بل صار من الممكن الحصول على المعلومة من عدة مصادر مختلفة.. وهذه الدراسة "المعلوماتية وأثرها السياسي على النظم العربية" للباحث العراقي فرحان فرع العتابي ترصد وتحلل أثر المعلوماتية في التغيير السياسي متتبعا لأبعاد وسائل المعلوماتية والمعطيات المؤثرة في التغيير السياسي الذي شهدته كل من مصر وليبيا وتونس.
ورأى العتابي في دراسته الصادرة عن دار العربي أن أثر المعلوماتية وتأثيرها تصاعد في السنوات الأخيرة على مستوى العالم، والوطن العربي بشكل خاص إذ اصبحت وسيلة تعبير واسعة النطاق خاصة في ظل وجود أنظمة تضيق على حرية التعبير وتحتكر القنوات الإعلامية التي تعد أحد أوجه حرية التعبير، فضلاً عن سيطرة الرؤساء على السلطات السياسية والتضييق على الأحزاب السياسية، كما أن تراكمات سوء الأوضاع الأقتصادية والاجتماعية والسياسية في المجتمع تؤدي إلى تذمر المواطنين من السلطة الحاكمة والنظام السياسي القائم، وهذا التذمر بدوره من الممكن أن يؤدي إلى حدوث ثورات شعبية تحث على أجراء حالة من التغيير في المجتمع ولاسيما التغيير السياسي، وهذا التغيير السياسي يحدث عبر عدة وسائل وفي ظل التطور المعلوماتي الحاصل في بعض المجتمعات من الممكن أن تكون وسائل المعلوماتية هي أحدى الوسائل التي يلجأ اليها المجتمع في أحداث التغيير.
وأكد أن المعلوماتية بوسائلها أخذت تفرض نفسها في النواحي جميعها لاسيما الحياة السياسية مما أدى إلى اقبال الكثير من الشرائح إليها وخاصة شريحة الشباب في المنطقة العربية، إذ اصبحت المعلوماتية الوسيلة ذات الاهتمام والأثر الكبير بين شريحة الشباب في بعض الدول العربية، وفي ظل حركات الاحتجاجات الشعبية في بعض الدول العربية أخذت المعلوماتية بوسائلها بالانتشار والاعتماد عليها في الحصول على المعلومة، إذ بدأ استعمال المعلوماتية بوسائل تأخذ اكثر من حيز في المجتمع كما تحولت في بعض من وسائلها من وسيلة ترفيه وإطلاع إلى وسيلة تأخذ حيزاً كبيراً في المجال السياسي، كما واجهت المعلوماتية بوصفها أحد أوجه حرية التعبير تضييقات كبيرة من جانب النظم السياسية السلطوية في بعض من الدول العربية من طريق الحجب أو المنع كما أن هذه التضييقات جوبهت بعدة وسائل من فئات المجتمع ليتمكنوا من استغلاها بشكل تام لفك هذا المنع أو الحجب، وتضاربت أهمية وتأثير المعلومات في ظل الحراك الشعبي لأسباب اجتماعية وسياسية فضلاً عن تباين اللجوء أو عدم اللجوء إلى وسائل المعلوماتية من دولة إلى أخرى في عملية التغيير السياسي.
وقال العتابي "كان للمعلوماتية الأثر الكبير في تغيير النظام السياسي في كل من "مصر، تونس، ليبيا" إذ كان لها الدور البارز في انطلاق شرارة الثورات واستمرارها بما تقدمه من معلومات وصور ومقاطع فيديو إلى المتظاهرين إذ اصبحت هذه الوسائل الأكثر شعبية في هذه الدول، لما لها من الدور الأكبر في عملية تنظيم المتظاهرين وتهيئتهم وتحشيدهم ونزولهم إلى الميدان، صحيح ان هذه الثورات جاءت نتيجة سياسات خاطئة وتراكمات كثيرة امتعضت منها الشعوب المنتفضة للتغيير، لكن لولا هذه الوسائل لما استطاعت هذه الشعوب الوصول إلى اهدافها وتغيير نظم سلطوية دكتاتورية كانت جاثمة على صدور المواطنين لعقود عديدة إذ أتاحت هذه الوسائل الفرصة للجماهير المنتفضة في التعبير عن ما بداخلهم من طموح للوصول إلى مجتمع ديمقراطي".
وأضاف أنه فيما يخص ليبيا فلم يكن لوسائل المعلوماتية ذاك الأثر البارز الذي برز في كل من مصر وتونس، وذلك نتيجة للعوامل المجتمعية والسياسية كون المجتمع الليبي بشكل عام مجتمع قبلي ويعد التطور الحاصل في المعلوماتية ووسائلها هو اتباع وتبعية للدول الخارجية فضلاً عن كون المجتمع الليبي يعاني من الأمية المعلوماتية التي تتعلق بعدم المعرفة الكاملة بالتقنيات التي تقدمها المعلوماتية، مما ترتب على ذلك آثار سلبية نتجت في عملية التغيير السياسي كما عملت المعلوماتية في كشف الانظمة الحاكمة وكسر حاجز الخوف الموجود لدى المواطنين الذي أمتد لسنين طوال، إذ كشفت وسائل المعلوماتية هذه الانظمة من طريق الصور والفيديوات التي تقدمها هذه الوسائل الى الجماهير الثائرة، ومن ثم اصبحت وسيلة ضغط كبيرة على الحكومات الدكتاتورية مما أدى إلى الإطاحة بها.
وأشار العتابي إلى أنه رغم الأثر الكبير الذي مارسته المعلوماتية في عملية التغيير السياسي في (مصر وتونس) الا أنها لم يكن لها الأثر البارز في ليبيا، بسبب وجود عدة معوقات تتمثل في تعاظم الدور القبلي والأمية المعلوماتية مما أدى إلى لجوء الثوار إلى طرق أخرى غير سليمة أدت بالنتيجة إلى آثار سلبية بعد الاطاحة بنظام القذافي، ومن هذه الآثار ظهور الجماعات المسلحة وافساح المجال أمام القوى الخارجية للتدخل في الشأن الداخلي الليبي فضلاً عن تعثر عملية الانتقال الديمقراطي.
ولفت إلى أن إن المعلوماتية قامت بما عجزت عنه الأحزاب والقوى المعارضة طيلة اوقات الحكم الديكتاتوري خاصة في "مصر وتونس" إذ ساهمت المعلوماتية بوسائلها في صناعة الرأي العام وتوجيهه والوصول به إلى الأهداف المطلوبة التي نادى بها ومن ثم إلى انجاح عملية التغيير السياسي.
وتابع العتابي أن بروز قوة ناعمة جديدة في الساحة العربية لم تكن موجودة من قبل وتتمثل هذه القوة بوسائل المعلوماتية، إذ لم يسبق من قبل أن يحدث تغيير سلمي وناعم في أي دول عربية ومن ثم فأن عملية التغيير في "مصر وتونس" أثبتت في قوة المعلوماتية في عملية التغيير السياسي وظهورها كقوة ناعمة جديدة على الساحة العربية.
وأوضح أنه كان هناك "بروز قوة فعالة في المجتمع وهي فئة الشباب، إذ كان الشباب هم العنصر الأساس في تركيبة الثوار فضلاً عن أنهم هم من بدأو في انطلاق الاحتجاجات وهم الذين كانوا أبرز الفئات المستعدة للتضحية من أجل الوصول إلى الأهداف المطلوبة الا وهي التغيير الشامل والجذري للسلطة الحاكمة ولاسيما رأس النظام، إذ كان الشباب هم من بدأ في الثورة حتى النهاية وخير دليل على ذلك هو الشاب التونسي "محمد بوعزيزي" الذي حرق نفسه احتجاجاً على سوء الأحوال المعيشية وانطلقت بعدها شرارة الثورة في تونس وعبرت إلى دول أخرى مثل مصر وليبيا.
وأكد العتابي إن المعلوماتية ووسائلها تتطلب وجود ثقافة معرفية من الشعب، إذ إن هذه الوسائل تتطلب أشخاص لديهم معرفة في استخدام التكنولوجيا الحديثة، ولا يقصد بالثقافة المعرفية التي تصل إلى حد الأحتراف العالي لكن تتطلب وجود ثقافة في معرفة كيفية استخدام هذه الوسائل، بغض النظر عن الحالات التي قد تتطلب إلى وجود معرفة عالية في بعض البرامج التي يستخدمها البعض لمواجهة وسائل السلطات في حجب الإنترنت أو بعض الشبكات والمواقع الإلكترونية، ومن ثم هؤلاء ذوي الخبرة العالية يقومون بتعليم المواطنين الآخرين في كيفية استخدام هذه البرامج، وأبرز مثال على وجود علاقة بين الثقافة المعرفية بالتكنولوجيا لدى المجتمع ووسائل المعلوماتية هو النموذجين "المصري والتونسي" إذ كان هذان النموذجان ناجحين لوجود ثقافة معرفية لدى فئات الشعب ولاسيما الشباب في حين نرى ضعف استخدام وسائل المعلوماتية في ليبيا لعدم وجود ثقافة معرفية بالتكنولوجيا الحديثة وخاصة فيما يتعلق بالمعلوماتية ووسائلها شبكات التواصل الاجتماعي والصحافة الإلكترونية".