فرصة لتحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية من بوابة القاهرة‎‎

لا تتصالح حماس مع السلطة لترتيب أوضاع غزة وحسب، بل عليها ان تفكر بالمصالحة كاستباق لانفجار شعبي ضد حكمها.

جولةٌ جديدة من الحوارات في القاهرة كان أبرز حاضريها عضو المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية ورؤساء الأقاليم الثلاثة صالح العاروري ويحيى السنوار وخالد مشعل، وجاءت هذه الدعوة في خضم الجهود المصرية الرامية الى تحقيق هدنة حقيقية في قطاع غزة والسعي الدؤوب للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، الى وحدة الصف الفلسطيني وإيجاد نقطة تلاقي بين الفرقاء في الضفة والقطاع للمضي قدما في مشروع الدولة الفلسطينية الموحدة.

دعوة القاهرة لحركة حماس جاءت بعد ذوبان الجليد الذي عرفته العلاقات المصرية مع الجيران في غزة، كما أنها مؤشر على رغبة أطراف دولية في التوصل إلى اتفاق مع المقاومة الفلسطينية بوساطة مصرية لدعم جهود السلام في المنطقة ويحقق هدنة فاعلة تسمح بمعالجة الواقع الإنساني الصّعب لمواطني قطاع غزة مع انتشار الفقر وارتفاع نسبة البطالة خصوصا مع تعثر ملف الاعمار.

وتشوب هذه الجولة عدة عوامل فشل خاصة وان التصريحات التي تأتي من غزة والتي تدفع بالمزيد من التصعيد قد تؤدي الى احتمال اندلاع اشتباكات جديدة، وهذا ما سيترتب عنه فشل أي مفاوضات متعلقة بملف تبادل الاسرى ودخول الأموال القطرية والبدء الفعلي لعمليات الاعمار، أما من جانب الاحتلال، فثمة هناك نقطة حساسة قد تعود بنا الى المربع الأول وتفسد مساعي التهدئة، وهي اشتراط إسرائيل كثمن للتهدئة الطويلة الأمد وتلقي تعهد من حركة حماس بعدم تطوير قدراتها العسكرية وتعزيزها خلال فترة التهدئة، هذا ما سترفضه المقاومة بطبيعة الحال نظرا لان حماس لن تستطيع فرض نفسها في الميدان من دون العمل العسكري ولن تستطيع أن تفرط في المساعدات المالية الإيرانية التي ترسل في الأرصدة المالية لمسؤولي غزة في الخارج والمشروطة باستمرار مواصلة التهديدات العسكرية ضد الاحتلال خدمة للأجندة الإيرانية في المنطقة.

ان نجاح هذه الجولة الجديدة في القاهرة، مرهون بتحقيق مصالحة وطنية حقيقية بين السلطة الفلسطينية وحماس وتغليب الأخيرة المصلحة العامة، وعدم رفضها مشاركة السلطة الفلسطينية في ملف الاعمار من دون اشتراطات أو املاءات سياسية. ينبغي على حماس أن تترك كل المواضيع الهامشية على جنب امام الموضوع الأساسي وهو فك الاختناق عن سكان القطاع وتجنيبهم المزيد من المعاناة بسبب تأخر ملف الاعمار ودخول المساعدات القطرية. يجب ان يكون وضع سكان غزة جزءا هاما من المعادلة بل الشغل الشاغل لحماس قبل التفكير في تحقيق مكاسب سياسية، لقد أصبحت الأوضاع الاجتماعية في القطاع تنذر باندلاع حراك شعبي ضد قادة حماس الذين يزيدون الطين بلة، من خلال عدم اظهار نوع من الليونة في التفاوض والمحاولة المستمرة في اظهار العضلات المفتولة امام الاحتلال من دون الأخذ بعين الاعتبار أن التهدئة تحفظ رصيد الجبهة الشعبية من التآكل، خاصة وأن فشل حماس في تحقيق وعودها في الاعمار وفك الخناق الاقتصادي وتعويض المتضررين من الحرب الأخيرة.

أمام حماس فرصة تاريخية للعودة الفعلية لقنوات الحوار ورأب الصدع مع السلطة الفلسطينية خاصة وان ملف الاعمار سيكون الداعم الأساسي للتنسيق بينهما. سيكون بإمكان حماس أيضا أن تحافظ على سمعتها داخل القطاع إذا حققت مكتسبات تخفف عن الغزيين الراغبين في تثبيت الهدنة ورفع الركام عن منازلهم وعودة عجلة التنمية، امام حماس أيضا فرصة لاختيار حلفاء جدد وتقوية جسور التقارب مع مصر خاصة وأنها لاعب إقليمي فعال بإمكانه أن يحل العديد المسائل العالقة أو أي اشكال مستقبلي مع الاحتلال الإسرائيلي.

لا بد من الاستثمار الحقيقي في هذه الجولة من الحوارات خاصة وان الظروف مناسبة جدا لإجراء مصالحة فلسطينية فلسطينية تعود بالنفع على القضية الفلسطينية وتعيد الاعتبار لها في ظل توحد الجميع، كما ينبغي على حماس عدم تفويت الفرصة في انقاد الوضع الإنساني الصعب في القطاع، والا فستنعكس الاحداث سلبا وسيزداد الغضب الشعبي الى ان يحدث الانفجار الاجتماعي في غزة ويعقد الأمر أكثر من تعقيده الحالي.