فرنسا تراهن على معهد للأئمة لتفكيك خطاب التطرف

فرنسا التي تعرضت لأسوأ الاعتداءات الإرهابية منذ 2015 تعتقد أن تنامي التطرف ناجم عن انفلات في الخطاب الديني وأنه يجب تدريس الاسلام الفرنسي الذي يتلاءم مع قيم الجمهورية.
معهد للأئمة يدرس 'الإسلام الفرنسي' في جو من العلمانية
2500 مسجد في فرنسا تضم 300 إمام من تركيا والمغرب والجزائر

سان ليجيه دو فوجوريه (فرنسا) - في منطقة مورفان في وسط فرنسا الشرقي، تقوم واحدة من كليات العلوم الإسلامية القليلة في البلاد بتدريب رجال دين مسلمين "على الطريقة الفرنسية"، وفق منهج ينوي الرئيس إيمانويل ماكرون تطويره بناء على فكرة أن "الدراسة في فرنسا أساسية لمكافحة التطرف".

وكتب ياسر حوبص على اللوح "حرية التعبير"، مشيرا إلى أنها "أهم قاعدة" في المبادئ التي "تحكم المدينة" والتي طلب الأستاذ تعدادها.

وفي الصف، يُدون ثمانية شبان وأربع فتيات القائمة بجد، مع استكمالها بـ"استشارة الشعب" والعلمانية والعدالة .

وتعتقد فرنسا التي تعرضت لأسوأ الاعتداءات الإرهابية منذ 2015 أن تنامي التطرف ناجم عن انفلات في الخطاب الديني وأنه يجب تدريس الإسلام الفرنسي الذي يتلاءم مع قيم الجمهورية.

ويقول ياسر (31 عاما) وهو طالب في السنة الثالثة والأخيرة في الكلية التي تخرج أئمة "هنا، ندرس خصوصية فرنسا التي يجب علينا احترامها".

واختار الطالب ذو اللحية السوداء المتحدر من جزيرة موريشيوس، لكنه ولد في فرنسا، هذا البلد لمواصلة دراسته.

ويتلقى علومه في المعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية المقام في قرية صغيرة تتوسط مراعي الأبقار وغابات الصنوبر، في سان ليجيه دوفوجوريه غير البعيدة عن مورفان.

والمعهد الذي يضم نحو 200 طالب كان الأول من نوعه في فرنسا وقد أسسه في العام 1992 الرئيس الفرنسي السابق فرنسوا ميتران الذي كان يرغب بتخريج أئمة "على الطريقة الفرنسية". وهو مبدأ سار على خطاه ماكرون.

ويتابع ياسر "يمكننا محاربة التطرف من خلال نشر القيم الموجودة في فرنسا وتعد حرية التعبير أساسية" من بينها حتى لو تعلق الأمر بنشر الرسوم الكاريكاتورية للنبي محمد، مؤكدا أن "الجميع يجب أن يكونوا قادرين على نشرها".

وترى إيمان (26 عاما) التي تنوي تدريس العلوم الإسلامية أنه على أي حال "ينبغي ألا يلجأ المرء إلى العنف بسبب رسم كاريكاتوري"، مضيفة "لقد تمت إهانة النبي أكثر من مرة، لكنه لم يكن عنيفا قط".

ولم تتردد إيمان وهي مغربية الأصل "لكن فرنسية"، بين تلقي دروسها "هنا أو هناك"، موضحة "أردت تلقي تعليما فرنسيا في فرنسا لتجنب أي تطرف".

ويقول عبدالرحمن باربوشة (23 عاما)، ذو المظهر العصري مع ارتدائه سروال جينز وحذاء رياضيا، إنه رغب "بالدراسة في فرنسا" بهدف "تفكيك الخطاب المتطرف"، معتبرا ذلك "أمرا أساسيا، حيث لا يمكنك أن تنفصل عن المحيط".

وأوضح المدرس إيدن ضياء الذي يقوم بتدريس مادة "المؤسسات الجمهورية" أنه "لكي يصبح المرء إماما في فرنسا، يتعين عليه معرفة الدستور وحرية التعبير والعلمانية "، مضيفا "يتم هنا تدريب أئمة سلام، يدركون أنهم يعيشون هنا".

ويرى عميد المعهد العربي بشري "الإمام الذي سيعمل في فرنسا عليه الدراسة في فرنسا"، معتبرا أن الأئمة الأجانب هم من "خارج السرب". ويضم حوالي 2500 مسجد في فرنسا 300 إمام "معار" من تركيا والمغرب والجزائر.

ويقول بشري "حان الوقت لأن يقترح رئيس الجمهورية إطارا رسميا لتدريب الأئمة"، متمنيا أن يكون معهده من ضمن المعاهد التي ستحصل على ترخيص. ومن أجل ذلك، يؤكد العميد على "استقلالية" المعهد.

ويُمول المعهد نفسه بنسبة 80 إلى 85 بالمئة، بالإضافة إلى تبرعات يتلقاها من مساجد. ويوافق العميد على تلقي الإعانات من الخارج، خصوصا من دول الخليج، لكنها مخصصة "فقط" لمشاريع البناء و"إن لم تكن مشروطة بمراقبة البرنامج".

والمعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية في مورفان مستقل عن معهد آخر في سان دوني، بالقرب من باريس، يخضع لتحقيق حول تمويله.

ويقول بشري "نحن لا نخوض بالسياسة"، مقرّا بأن معهده تأسس في العام 1992 "ببادرة " من اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا. وهذا الاتحاد الذي غير اسمه إلى "مسلمو فرنسا"، منبثق عن جماعة الإخوان المسلمين التي صنفتها السعودية ضمن لائحة "الإرهاب".

لكن بشري ينفي ذلك قائلا "لا وجود للإخوان المسلمين هنا" موضحا "نطلب من مدرسينا تزويدنا بتوصية من مؤسسة معترف بها كمسجد أو اتحاد".