فرنسا تقرّ مشروع مكافحة 'الأصولية' وسط انقسامات حادة

معارضو مشروع قانون محاربة "الانعزالية" باختلاف مشاربهم يرون أنّه يقيّد الحريّات ويقدّم رؤية ضيّقة للعلمانية وأنّ بعض فصوله مكرّرة وموجودة في قوانين نافذة.
اليمين المتطرف يندد بمشروع قانون الانعزالية ويرى فيه نقائص كبيرة
هل يشكل قانون محاربة الأصولية خلاصا من 'التطرف الديني' أم يمهد لتطرف سياسي
لماذا "التطرف الاسلامي" دون غيره بينما لا تختلف عنه دعوات اليمين المتطرف

باريس - أقر النواب الفرنسيون بغالبية واسعة الثلاثاء في قراءة أولى مشروع قانون يثير جدلا، لمحاربة ما تسميه الحكومة "الانعزالية" يسعى خصوصا إلى مكافحة "التطرف الإسلامي" إلا أن اليسار ينتقده، معتبرا أنه يهمش المسلمين، فيما يعتبره اليمن "مائعا".

وأيد 348 نائبا النص الذي "يعزز مبادئ الجمهورية" ويهدف خصوصا إلى مكافحة التطرف الإسلامي في بلد شهد عدة اعتداءات جهادية منذ العام 2015. وكان إقرار النص في هذه المرحلة يحتاج إلى 250 صوتا. وقد صوت 151 نائبا ضد المشروع وأمتنع 64 عن التصويت.

ويأتي التصويت إثر نقاشات مستفيضة لمشروع القانون في لجنة خاصة وفي جلسة عامة، جرى خلالها إقرار 313 تعديلا وسيحال على النقاش في مجلس الشيوخ في أبريل/نيسان.

وأُعدّ مشروع القانون بدفع من الرئيس إيمانويل ماكرون إثر الصدمة التي خلّفتها سلسلة اعتداءات جهادية، بدءا من الهجوم على أسبوعية شارلي إيبدو الساخرة في 2015 وصولا إلى قطع رأس الأستاذ صامويل باتي في أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي.

ويجرّم النصّ "الانعزالية" ويعزّز الرقابة على الجمعيّات وتمويل الأنشطة الدينيّة ويشدّد الخناق على نشر الكراهيّة عبر الإنترنت، إضافة إلى تدابير أخرى.

ويتشابه المشروع مع قوانين مهمّة على غرار قانون 1905 الذي كرّس الفصل بين الكنيسة والدولة ويُعتبر عماد العلمانيّة الفرنسيّة.

وتريد السلطات من وراء النصّ وضع آليات جديدة لتمويل أنشطة الطوائف الدينيّة وحثّها على وقف تلقّي "تمويلات أجنبيّة". ويضع مشروع القانون رقابة صارمة على أنشطة الجمعيّات الدينيّة والثقافيّة، كما يكرّس مبدأ الحياد الدينيّ لموظّفي القطاع العام.

ويهدف ذلك خصوصا إلى منع دخول أشخاص يُعتبرون متطرّفين إلى أجهزة الدولة، ومكافحة التطرّف الإسلامي.

وقال وزير الداخليّة جيرالد دارمانان خلال افتتاح النقاشات في الجمعيّة الوطنيّة إنّ "بلدنا يعاني من نزعات انعزالية، أوّلها التطرّف الإسلاميّ الذي ينخر وحدتنا الوطنيّة".

واعتبر أنّ مشروع القانون "يطرح استجابات ملموسة للانعزال المرتكز على الهوية ولانتشار التطرف الإسلامي الذي يمثّل إيديولوجيا معادية للمبادئ والقيم المؤسّسة للجمهوريّة".

لكنّ معارضي مشروع القانون باختلاف مشاربهم يرون أنّه يقيّد الحريّات ويقدّم رؤية ضيّقة للعلمانية وأنّ بعض فصوله مكرّرة وموجودة في قوانين نافذة.

وشهدت الجمعيّة الوطنيّة جدلا حادّا حول فصل يتعلّق بالتعليم في المنزل الذي يشمل اليوم نحو 62 ألف طفل في فرنسا.

ويشدّد مشروع القانون الخناق على هذا النوع من التعليم عبر فرض ترخيص مسبق وشروط محدّدة لنيل هذا الترخيص (دوافع صحيّة، إعاقة، تنقّل العائلة بين مناطق عدّة، وغيرها).

وقبل 15 شهرا من موعد الانتخابات الرئاسية دافع نواب الغالبية الرئاسية عن مشروع "متوازن" في وقت اعتبره المعارضون إما ضعيفا وإما قمعيا أو أنه لا يصيب الهدف ولا يشمل فصلا عن العنصرية.

ويعتبر اليسار الراديكالي المعارض بقوة للنص أن المشروع "يهمش المسلمين".

في المقابل، يعتبر آخرون أنّ الفرنسيّين يعيشون حالة "إنكار" لوجود التطرّف الإسلامي في بلادهم ويأسفون مثلا لعدم إدراج تعديلات حول ارتداء الحجاب الذي يمثّل موضوع نقاش متكرّر في فرنسا منذ نهاية الثمانينات.

وأراد حزب "الجمهوريّون" اليمينيّ المعارض حظر الحجاب في الجامعات وهو يعتبر أنّ مطلبه يأتي رفضا "لشكل من أشكال التبشير" ونضالا ضدّ "أحد رموز الإخضاع والإذعان".

وقال دايمان أباد زعيم كتلة "الجمهوريون" التي صوتت بشبه إجماع ضد المشروع إن النص "فاتر ومائع" ولا يتطرق إلى مواضيع مثل "تدفق المهاجرين والتطرف في الجامعات والمدارس والسجون والرياضة".

واعتبرت مارين لوبن أن النص يشكل "تقهقرا سياسيا أمام الإخطبوط الإسلامي الذي يتوغل أينما كان".

وغالبا ما يشهد النقاش حول العلمانية ومكانة الإسلام في فرنسا جدلا حول وضع الحجاب والمواقيت المحددة للنساء في بعض أحواض السباحة أو مراجعة بعض البرامج المدرسية فيما زاد عدد المسلمين في فرنسا بشكل كبير منذ الحرب العالمية الثانية ليصل إلى 9 بالمئة من السكان تقريبا.