فسحة بين الحلم والحنين في مغامرة هالة بوزواية الفنية

التشكيلية التونسية تسافر في دروب الفن حبا ورغبات وحلما وألما لمعايشات في الحياة منحتها اللون والأشكال والعلاقة المخصوصة مع الطين تدعكه لتشكل هيئات وأجسام وحالات متعددة يجمع بينها نظرتها هي للفن وخطابه الملون.

تلوينات متعددة في حياة الكائن لا يملك معها الناس غير التفاعل بحثا عن الأجمل والأرقى والأسمى.. انها فسحة الفن وهويعلي من شان الحلم يقول بما في الانسان من هواجس وكلمات تبرز ألوان أحاسيسها وشجنها.. وهنا تكمن القيمة.. قيمة الأفكار والعناصر والتفاصيل حيث طريق الفن والابداع السالكة نحوالجمال.

هكذا هي لعبة الفن بحالاته الجمالية الشتى من الرسم الى الحفر الى الخزف... الى.. سائر التنويعات التي معها تغدو حكاية الفنان سردية تشي بالرغبات.. رغبة الابداع ورغبة الابتكار ورغبة تأصيل الكيان ورغبة الامتاع والمؤانسة  رغبة القول الدفين تجاه الذات والآخرين..تجاه العالم.

من هنا نمضي في فسحة من الفن والجمال والابتكار مع أعمال تنوعت أساليبها الفنية في التعاطي مع المادة والشكل وبكثير من النزوع نحو التجدد وفق حلم قديم من طفولة عابرة نحتا للذاكرة وذهابا تجاه البحث عن الخصوصية في عوالم الفن العالية والصعبة.

هي فنانة تشكيلية سافرت في دروب الفن حبا ورغبات وحلما وألما لمعايشات في الحياة منحتها اللون والأشكال والعلاقة المخصوصة مع الطين تدعكه لتشكل هيئات وأجسام وحالات متعددة يجمع بينها نظرتها هي كفنانة للفن وخطابه الملون.. وقد تحدثت عن أعمالها صحف يابانية خلال نشاطها الفني التشكيلي هذا في بلاد الهايكو الأنيقة.

شكلت عددا من لوحاتها ذات تجربة مع الزهور المجففة التي تمنح بحا فضاء اللوحة حضورا فنيا خاصا وهي تجربة قدمت فيها معارض تبين خلالها الناظر في اللوحات جمالية من رحم الطبيعة لتضفي عليها الفنانة مسحة من الجمال.

في لوحاتها كذلك احتفاء لوني بأشياء من قبيل الحلم والحنين والأمومة وفق ما يعتمل في دواخلها ووجدانها ليظل الرسم ضربا من الترجمان في اشتغالاتها الفنية المختلفة.. وفي خزفياتها تذهب الى حالات شتى من الهيئات وما به تبرز علاقتها الحميمية باللعبة السيراميكية في تعاطيها مع الانسان الذي ترى فيه جوهر العمل الفني وتحولاته وابتكاراته، وهنا نذكر مشاركتها مؤخرا في معرض الصالون التونسي للفنّ المعاصر بقصر خير الدين (رواق المعارض) الذي ينظمه إتحاد الفنانين التشكيليين التونسيين في دورته السادسة بعنوان "البريمة" بألوان المقاومة الفلسطينية باشراف سعاد بن عبدالرحيم رئيسة بلدية تونس شيخة المدينة وثلة من أعضاء المجلس البلدي لمدينة تونس والإطارات البلدية حيث تم اقتناء عملها الفني.

اننا اذن في جوهر العالم الفني للفنانة التشكيلية هالة بوزواية التي تمنح زائري معارضها ومتلقي أعمالها حيزا من التفكير في العملية الفنية التي قضت فيها كل هذه السنوات ومنها سنوات الاقامة باليابان وتنوع أنشطتها هناك لتعود الى تونس وتواصل هذا التمشي الفني الذي تخيرته.

رحلة مع الفن تقوم بها الفنانة هالة بوزواية ديدنها في كل ذلك هواجس وأحلام وصعوبات عاشتها وظروف قادتها الى أرض الفن بين رسم وزهور مجففة وسيراميك وهي تواصل هذا الذهاب الفني تبحث عن ذاتها في ضجيج الحياة وصخب الناس وتداعيات العوالم لا تلوي على غير قول ما بداخلها وفق موسيقى الحال وشجن القلب وألق الرغبات.

بالنسبة لي كل يوم لا أعمل فيه هو يوم أشعر فيه بالضياع

عن هذا الحيز من التجربة والحياة تتحدث الفنانة هالة عن البدايات والحلم والفن والحنين وغير ذلك لتشير الى هذا السير الفني الذي تراه مغامرة راىقة فيها التعب الجميل والمغامرة لتقول "منذ صغر سني كانت لي رغبات وميل تجاه الرسم والتلوين حيث كنت مع أمي وأختي كثيرا ما ننجز أشياء بعمل اليدين من ذلك التحف الصغيرة الذهبية.. وعندما زرت اليابان أعجبت بالخزفيات ففي هذه السفرة سنة 1998 الى حدود سنة 2004 قمت بالعديد من الأعمال إلى جانب التربصات في فن الحفر في إطار أعمال وأنشطة للتعريف بتونس وتراثها ومأكولاتها واللباس ضمن جمعيات للأعمال التطوعية.. لقد جذبني فن الخزف هناك وجمالياته وإبداعات منتجيه وفنانيه وعند عودتي كان لي شعور بعدم ايلاء عناية بفنون الخزف وقلة عدد الفنانين المشتغلين عليه..كان لي عشق وانبهار كبيرين بالسيراميك.. كان لدي إحساس بشحنات إبداعية وفنية بداخلي وساعدني في ذلك مرض أمي آنذاك (رحمها الله) حيث كنت أركز كثيرا للاستجابة لرغباتها وهي التي أقعدها المرض وأثر في حركة أعضائها لذلك اشتغلت على أعمال خزفية في شكل يد عاجزة ومعوجة مثلا وذلك لما كانت تعانيه أمي التي أصيبت وقتها بجلطة فكانت جل خزفياتي فيها جانب العجز في اليد أوغيرها من الأعضاء".

"لقد كان لكل ذلك أحاسيس تجاه ما عانته أمي وأنا القريبة منها والملازمة لها استلهمت من حالتها الكثير من الأحاسيس والوضعيات في خزفياتي..الفن كان في جيناتي وهو شيء حيوي وبالنسبة لي كل يوم لا أعمل فيه هو يوم أشعر فيه بالضياع.. الفن مجال إبداع وحياة.. خلال تجربتي هذه كانت لي مشاركات في معارض خاصة وجماعية وفي اليابان شاركت في معارض جماعية مع الفنانة اليابانية الحفارة يانا قيساوا وكان لي معرض خاص كذلك بفضاء النادي الثقافي الطاهر الحداد سنة 2005 حول الزهور المجففة الى جانب معرض برواق السعادة سنة 2006 فضلا عن المعارض الدورية لنشاط اتحاد الفنانين التشكيليين التونسيين وأنا منخرطة فيه منذ سنة 2018".

"عند مباشرتي لعملي الفني وبحكم الظروف الصعبة التي مررت بها أشعر بأن الفن ملاذي وعالمي وهو مجال خلاص نحو عالم آخر ولهذا بعثت مقرا للتداوي والعلاج بالفن بسيدي بوسعيد والآن مازال فيه مجال للرسم كوصفة للعلاج.. والتعافي انا الآن أعد لمعرضي الخاص الذي سيحوي جملة تجربتي وأعمالي الفنية".

"أحلم بأن أعرض في معارض عالمية وأن أوسع من مجال مشروعي الفني.. في شغلي الفني هذا أنجز العمل مباشرة بدون رسمة تخطيطية مسبقة لأن الفكرة قد تتغير مع العمل وأثناءه.. أتماهى في الرسم مع الزيتي والأكريليك وأسعى لانجاز عمل فني فيه الرسم والتلوين والسيراميك.. الفنان يحب ما يفعل وينجز ويبقى الحلم هاجسه في كل عملية ابداعية الى جانب الحنين.. والدي ووالدتي من حي باب سويقة وتربينا بعقلية فيها التقاليد والحياء وظل معنا الحنين الذي كان دافعا مهما في حياتنا وفي ابداعاتي وهناك عودة للتقاليد لدى الناس.. أحب الموسيقى وهي فن يساعد على الابداع وهي ضرورية خلال العمل الفني وفي مجال التذوق الجمالي فهي الابداع والأمل والحلم والحب.. هي لغة راقية وأنا معجبة بموسيقى الذوق الرفيع مهما كان المصدر والبلد..ا لفن مهم في الحياة الى جانب شؤوننا الأخرى ومنها العائلية.. الفنان مسافر في أرض تعده كل يوم بعطاء مهم هو حلمه الذي منه ما ينجزه فنيا وجماليا وحضاريا".

هكذا هي بعض ملامح التجربة لدى الفنانة التشكيلية هالة بوزواية التي تسعى لاقامة معرضها الخاص ليضم بانوراما من أعمالها الفنية المنجزة.. الفن رحلة مفتوحة على الأكوان والتجارب والأفكار.. الفن عناوين الدواخل تبتكر خصوصيات لحظاتها واشراقاتها بكثير من عناء الذات وشغف المجد.