فضاء الهادي التركي يقدم 'ما وراء البورتريه'
تجارب فنية تشكيلية متنوعة الأساليب والتقنيات حيث تختلف الرؤى تجاه فكرتي الرسم والتلوين بالنظر للمنطلقات الثقافية والجمالية والوجدانية غير أن الجامع بالتأكيد لهذه المسارات من تجارب الفن هو العنوان والفضاء والرغبة الجامحة تجاه عوالم الإبداع الفني البصري..
ضمن هذا السياق ووفق تجربة انتظام المعارض واللقاءات الفكرية والثقافية وتعدد المعارض الفنية جماعيا وفرديا كان المجال شاسعا هذه المرة بفضاء "فن وثقافة - الهادي التركي" حيث المعرض الجماعي لثلاث فنانات تشكيليات هن زبيدة الشماري وجميلة عكروت وعلياء الكاتب، حيث تعددت اللوحات مشيرة في هذا الفضاء إلى ممكنات القراءات المتنوعة والتأويل من قبل الجمهور المهتم بالفنون الجميلة.
"ما وراء البورتريه" كان العنوان الإطار للمعرض ولمختلف اللوحات المعروضة في أرجاء الفضاء المعد للثقافة والفن .. جمالية الفضاء واتساعه ورحابته تجاه المبدعين مثل رحابة الفنان الراحل عم الهادي التركي الذي يحمل الرواق اسمه وهو الفنان الذي كان مولعا بالاطلاع على تجارب الفنانين ملبيا دعواتهم عند حفلات الافتتاح... الفضاء كان متناسقا في تقبله لتجارب ثلاث فنانات تشكيليات بخصوصيات المسار والشغل الفني والرؤية الجمالية..
إنها لعبة الفن وتلويناته.. الفن هذا السفر المقيم في الذات الحالمة حيث الجهات والتفاصيل مجالات قول بليغ تجترحه العناصر من الرغبات الدفينة نشدانا لعوالم مبهجة في تفاصيلها وأحلامها وانكساراتها .. وهو كل هذه الطفولة اليانعة والمبثوثة في أمكنة تتطلب النظر والتأويل واتلذهابعميقا خارج المألوف والمعهود .. هكذا هي لعبة الفن حيث الفنان ذلك المقيم بين الدهشة والقلق والحنين يراوح بين المعاني والألوان ومختلف تعبيرات الفن وأنماطه وأنواعه لا يلوي على غير القول بما يعتمل في الدواخل والإفصاح عنه نحتا للقيمة وتأصيلا للذات ..
الفنانة زبيدة الشماري تعرض اللوحات المنجزة ضمن تجربتها المتواصلة لتأخذنا إلى عوالم الفن والتلوين وفق أسئلة متعددة شغلتها منها هذا الذهاب التشكيلي تجاه عوالم الإنسان زمن الدمار والهجرة والحروب وكذلك المرأة وشؤونها وشجونها في عالم اليوم الضاج بالمتغيرات والأحداث وبالتالي كيف يكون الفن بالنسبة إلى الفنانة زبيدة جوابا أو محاولات للفهم والتفاعل والتعبير... فنانة تسعى لإثارة قلق إنساني بداخلها يتصل بالمرأة والسلم والحرب والمجتمع والعالم والأحداث والمتغيرات حيث الرسم لديها جانب متصل بالكينونة والروح في تعبيرية حرة وفق استخدام للألوان القوية غالبا ..
إنها لعبة التلوين التي تتعدد مجالاتها لدى الفنانة زبيدة التي كانت لها مؤخرا مشاركة ضمن معرض جماعي بقاعة يحيى بالبالماريوم بالعاصمة بعنوان "حوار التراث" من تنظيم بلدية تونس لتقدم لوحة فنية بأسلوبها المعروف ولكن في استلهام للمثل الشعبي وقد كانت تجربتها الأخيرة ضمن هذا الاشتغال على الأمثال الشعبية الثرية بدلالاتها السوسيو-ثقافية ليكون النتاج عملا به قوة المثل الشعبي وما يختزنه من معان وثقافة ومخيال شعبي عميق..
تجربة وسياق فني تخيرته صاحبته الفنانة التشكيلية زبيدة شماري دغفوس تعمل وفقه حيث الفن لديها فكرة وحلم وحرية تنوعت مجالات حضورها تونسيا وعربيا ودوليا.. حيث يلمس المتلقي في اللوحات المنجزة عوالم متعددة لتبدو كائنات زبيدة في هيئات مختلفة يجتمع فيها الحلم والتمرد والانكسار والشجن في تعبيرية جمالية اجترحتها الفنانة من معايشاتها وقراءاتها وثقافتها الأدبية والفنية وبرزت هذه الأعمال في معارض بتونس وخارجها وضمن المعارض المنتظمة من قبل اتحاد الفنانين التشكيليين التونسيين وفي معارض فردية وأخرى جماعية..
الفنانة التشكيلية جميلة عكروت قدمت لوحاتها في هذا المعرض حيث الاشتغال على التجدد في تناول الفكرة وتلويناتها ومواضيع شغلها الفني .. وقد قدمت الفنانة عكروت عددا من لوحاتها في معارض خاصة وجماعية منذ سنوات ضمن اشتغالاتها البصرية في المشهد التشكيلي والثقافي بتونس، ومن ذلك زاوجت العكروت بين مناخات جمالية مختلفة من المعمار إلى المشاهد عبر التقاليد والعادات التونسية ليتجدد حضور المادة اللونية في التعاطي مع معمار المدينة التونسية بأنهجها وأسواقها وأحيائها في ضروب من العراقة والمعاصرة حيث الذاكرة الحية والحنين الأخاذ كما تبدو لوحة الحضرة في هذا السياق الفني لعمل جميلة عكروت..
في عدد من اللوحات الجديدة ذهبت الفنانة عكروت باتجاه الحكاية التي أبانت عنها في الشكل واللون وبتقنية الرسم والخطوط نجد مناخات الحكاية في عودة للتراث والتقاليد الثقافية التونسية، كما يبرز فضاء اللوحة بتلك اللطخات اللونية الموزعة على الأصفر والأزرق والأحمر ضمن حالة من الانسجام الجمالي تبحث عنها الرسامة جميلة العكروت في تعاطيها مع عملها الفني الذي تتنوع مواضيعه ومضامينه وثيماته، ومن ذلك لقاءات النسوة وحكاياتهن في كثير من الألفة والحميمية بعيدا عن ضجيج الحياة والأكوان. لوحات تقول بفتنة الرسم وسحر الألوان التي تخيرتها بعناية فائقة، إلى جانب أعمال أخرى في مشاهد ومواضيع مختلفة. ثمة شاعرية بينة في اللوحات من خلال التناسق اللوني وحكاية الرسم والخطوط والمشهد عموما..
الفنانة التشكيلية علياء الكاتب صاحبة تجربة مميزة في النشاط الفني الجمالي حيث قدمت عددا من لوحاتها في المعارض الشخصية والجماعية بتونس وخارجها وتسعى للمضي أكثر في هذا النهج التشكيلي الذي تخيرته لتبرز لوحاتها المقدمة في هذا المعرض بفضاء فن وثقافة الهادي التركي وفق ما ميز خصوصيات التعاطي الفني لديها مع القماشة بين الرسم والتلوين.
تجارب مختلفة وبانوراما من الأعمال الفنية ضمن عنوان لافت هو "ما وراء البورتريه" وذهاب آخر في دروب الرسم والتلوين بحثا عن الذات وهواجسها وأصواتها الأخرى.