فيسبوك ليس منقذا لكساد الأخبار

بينما يحاول صناع الصحافة التنبؤ بالطموحات الحقيقية لفيسبوك، يوجد أمر واحد واضح: المدفوعات هي ساحة المعركة. حتى لو لم تحقق نجاحا، فقد زادت فيسبوك التحديات أمام منافسيها بمجرد ولوجها صناعة الاخبار.
فيسبوك مصدر القلق في الوقت الراهن بالنسبة إلى العالم برمته

هل سيبدد موقع فيسبوك الشكوك المتصاعدة من قبل وسائل الإعلام بشأن دوره في التنافس غير العادل، بعد عرضه غير السخي عن استحداث منصة إخبارية بالاتفاق مع وسائل إعلام كبرى؟

لا يبدد هذا الأمر التشاؤم الذي يضفي على العلاقة المرتبكة التي تتعدى التنافس إلى الاستحواذ والإقصاء، بين وسائل الإعلام الكبرى ومواقع التواصل الاجتماعي، لكن فكرة اعتزام نشر الأخبار في بوابة منفصلة على فيسبوك، تطلق حزمة من الأسئلة عن دلالة ذلك بالنسبة للصحافة؟ والأهم ماذا تمثل تلك الخطوة بالنسبة لفيسبوك؟

فبينما يحاول صناع الصحافة التنبؤ بالطموحات الحقيقية لفيسبوك، يوجد أمر واحد واضح وفق صحيفة فايننشيال تايمز “المدفوعات هي ساحة المعركة. حتى لو لم تحقق نجاحا، فقد زادت فيسبوك التحديات أمام منافسيها بمجرد ولوجها لهذا المجال”.

عرض فيسبوك الجديد بسيط للغاية ومن طراز تجاري وإخباري قديم، وفق تعبير إميلي بيل في صحيفة الغارديان، ستدفع شركة فيسبوك ثلاثة ملايين دولار في عقد سنوي “دون أن يعرف بعد هل هو مبلغ نهائي أم سيتكرر في مراحل لاحقة” للاستعانة بقصص إخبارية توفرها صحف ووكالات أنباء دوليه ينشرها فيسبوك في تطبيق جديد اسمه “أخبار” سيكون متاحا للمستخدمين في تبويب منفصل، وهذا يعني أيضا أن شركة فيسبوك عندما تهتم بنشر الأخبار وتنسيقها، تحدث تحولا كبيرا في استراتيجية أعمالها. لأنه سبق وأن أعلن مارك زوكربيرغ أن فيسبوك ليس منصة إخبارية، وهو يحاول التهرب من تهمة المساعدة على نشر الإخبار الملفقة.

قال زوكربيرغ وقتها أن مستقبل الأعمال والإعلان في فيسبوك “فيديو وفيديو وفيديو”، الأمر الذي سارع بتراجع تداول الأخبار وطمسها في نهاية المطاف.

ربما وجد زوكربيرغ طريقة لاستثمار فكرة الأخبار التي تعاني من التراجع، في كل الذي يمهد له من تغيرات في مواجهة الفضائح التي تلاحق شركته عبر المتاجرة بالبيانات الخاصة والترويج للأخبار الملفقة.

فيسبوك مصدر القلق في الوقت الراهن بالنسبة إلى العالم برمته، لكن جيميما كيسس المحللة التكنولوجية، ترى أن فيسبوك يشجع على المشاركة السريعة والضخمة في تداول الأخبار، لكن عن أي أخبار نتحدث؟ تجيب جيميما “إنها حزمة ضخمة من القصص الزائفة والسطحية وخليط من الصور العائلية مع الصور الصحافية، ليس ثمة حديث عن سياسات تحريرية في ما يتداول على فيسبوك من أخبار”.

لهذا كانت المناقشات المبكرة بشأن منصة أخبار فيسبوك الجديدة تتم مع شركات “أي.بي.سي.نيوز” المملوكة لشركة ديزني، وبلومبيرغ، وداو جونز (الشركة الأم لصحيفة وول ستريت جورنال)، وواشنطن بوست.

في كل تلك الوعود، ليس من المرجح أن تكون أعمدة كبار الكتاب في صحف مؤثرة ضمن هذا الاتفاق، على الأقل كي لا تلحق الصحف الضرر بنفسها عندما ينتقل قراء مشاهير الكتاب من تصفحها إلى فيسبوك.

نشر الأخبار نفسها كان موضع اهتمام بدرجات متفاوتة في المنصات الاجتماعية الأخرى؛ أبل وتويتر ولينكيدان، لديها فريق تحريري للاهتمام بالأخبار لكنه ليس ضمن أولويات عمل تلك الشركات، أما الإعلان الجديد من قبل اكبر إمبراطورية رقمية في العالم، يعني أن فيسبوك قد أقرّ أخيرا أن الأخبار صارت ضمن أعماله.

شركة أبل لديها منصة تعنى بالأخبار، لكنها لا تدفع مقابلا للمؤسسات وتكتفي بالاتفاق مع تلك المؤسسات على إعادة نشر قصصها الإخبارية وصورها أيضا. فيما الخدمة المقترحة من فيسبوك تبدو أكثر جدية للمشاركة من قبل المستخدمين.

لكن السخاء في التفاؤل بشأن هذه المنصة بوصفها منقذا للكساد الذي يعم سوق الصحف والصناعة الإخبارية بشكل عام، لا يمثل شيئا لأن كبرى الصحف في العالم ما زالت تعاني من الخطر المحدق بها بسبب نموذج إيرادات فيسبوك نفسه واستحواذه على السوق. مع ذلك يمكن القول إن فيسبوك يفتح علاقة جديدة مع المؤسسات الإخبارية بعد سنوات من الإخفاق والتوتر والاتهامات، يسمح بعرض صحافة عالية الجودة مع دعم مباشر للمؤسسات التي تنتجها. بيد أن ذلك لا يبدد الشكوك من قبل صناع الأخبار في المؤسسات الإعلامية الكبرى، وفق إميلي بيل، لأن المنصة الجديدة من قبل فيسبوك ستحث على نوع جديد من التنافس في التغطية الخبرية، ربما تقوض استقلالية منافذ الأخبار أو علاماتها التجارية مقابل سطوة فيسبوك على ملايين المستخدمين.

مهمة فيسبوك المعلنة هي جعل العالم متصلا مع بعضه وأكثر انفتاحا، لكن مثل هذا العنوان الفضفاض يمارس بالفعل ضغوطا كبيرة على صناعة الصحافة، إنه يعيد تشكيل العلاقة بين المرسل والمستقبل، وبشروطه التي أفقدت وسائل الإعلام القدرة على مجاراتها.

سبق وأن فشل فيسبوك في تجارب سابقة متعلقة بمنصات نشر المقالات الفورية التي أطلقت عام 2015، علينا ألّا ننسى هنا مغامرة “فيسبوك لايف” فهي لم تضف شيئا بشأن فكرة الأخبار الأصلية، تلك مبادرات سابقة مثلت خيبة لوسائل الإعلام والناشرين، الأمر الذي يزيد من التوجس وانعدام الثقة في التعاون الجديد بشأن منصة الأخبار.

كان القلق يساور الناشرين بشأن سطوة المواقع الإلكترونية، لكن مثل هذا القلق انزاح حيال قلق أخطر مصدره مواقع التواصل الاجتماعي التي تمارس اليوم إنتاج المعلومة وتوزيعها عموديا، إنها تقوم بدور واحد في الإنتاج والتوزيع مختصرة الطريقة الأفقية التي تمارسها وسائل الإعلام الأخرى، لقد أضحى فيسبوك مصدر المعلومة وموزعها.

يلخص جيسي هولكومب المدير المساعد في مركز بيو للأبحاث، قلق الصحف المتصاعد، بالقول إن فيسبوك بدأ يزحف صوب الأدوار التحريرية التي كانت المعقل الأخير والهوية الأساسية لمهنة الصحافيين.

في النهاية هل تغيّر منصة أخبار فيسبوك المستحدثة شيئا في الثورة الرقمية المتصاعدة؟ من المفيد القول إنها ستسلط الضوء على استمرار الاندماج الإجباري -وإن كان بطيئا- للأخبار في أعمال شركات التكنولوجيا الكبرى، بينما يبقى السؤال مفتوحا بشأن مقاومة الصحف ووسائل الإعلام التقليدية لجاذبية التمويل الإضافي للأخبار من قبل فيسبوك