في انتظار مَن ينقذ عالمنا

خسر العالم دولة اسمها العراق وكان عليه أن يتعلم من ذلك الدرس شيئا يتعلق بالمصير. غير أن ما يحدث في أوكرانيا يؤكد أن أوروبا على الأقل لم تتعلم شيئا وهي في طريقها إلى أن تفقد استقلالها.

ما الذي ربحه العالم من انهيار الاتحاد السوفييتي وسقوط المنظومة الاشتراكية؟ انفردت الولايات المتحدة قطبا وحيدا فخسرت دول استقلالها تحت شعار "مَن لم يكن معنا فهو عدونا".

وحين أسقط الإرهاب برجي نيويورك دفعت أفغانستان والعراق الثمن ولم يكن خافيا على سياسيي العالم المشدودين إلى العربدة الأميركية أن القرار كان مبيتا وبالأخص في ما يتعلق بالعراق.

لم يقف أحد مع العراق الذي أسست فيه الولايات المتحدة نموذج مشروعها لتحرير الشعوب. كل السخط الذي قوبل به مشروع الغزو من قبل شعوب العالم لم يقلب الميزان. عربدت الإدارة الأميركية التي قادت جيش الغزو بما تحب ولم تكن معنية بالحقائق التي دحضت نظريتها حول أسلحة الدمار الشامل ولم تنتظر أن يصدق الآخرون مقولتها في العالم الذي سيكون أجمل بغياب صدام حسين.

اختارت الصين يومها أن يكون صراعها الخفي مع الولايات المتحدة بعيدا عن عالم السياسة. الدولة التي ستظل عقائدية إلى آخر نفس تلفظه البشرية اختارت أن لا تخسر فرصتها في التفوق بالدفاع عن قضايا خاسرة. والعراق قضية خاسرة بسبب سلوك حكامه المستخف بالحقائق وبميزان القوى. كان العراق دولة لا شفاء لها. لا يزال كذلك لكن لأسباب مختلفة. ما يهمني هنا أن الصين خرجت من قمقمها جنيا جبارا يحكم اقتصاد العالم بطريقة ناعمة.

لم يكن ذلك القطب الناعم ليسعد الآخرين بقدر ما أزعج الولايات المتحدة التي تدرك أن صراعا عبثيا مع الصين ستكون له نتائج سلبية على اقتصادها وقد يؤدي إلى انهيار هيمنتها في أجزاء كثيرة من العالم. أسعدت الصين العالم بتفوقها غير أنها ظلت حذرة في مواجهة مغامرات الولايات المتحدة التي هي مجموعة متلاحقة من العربدات.

لهذا السبب كان العالم في حاجة إلى روسيا، قطبا سياسيا يعيد إليه التوازن. أما كانت أوروبا في حاجة إلى منقذ ينهي شراكة غامضة ستكون بسببها تابعة للولايات المتحدة. تنفذ سياستها بطريقة عمياء. وهو ما حدث في حرب أوكرانيا، فلو كانت أوروبا سيدة نفسها لما وقعت تلك الحرب أصلا وهي حرب لفقتها الولايات المتحدة لتكون حربها بالوكالة ضد روسيا التي لا تملك أي سبب لمعاداة أوروبا.

ضربت الولايات المتحدة من خلال حرب أوكرانيا عصفورين بحجر واحد. أدخلت روسيا في متاهة حرب لا تنتهي ومنعت وقوع أي تقارب بينها وبين الاتحاد الأوروبي. وما فعلته بريطانيا وهي أكثر الأطراف المتحمسة لاستمرار الحرب الأوكرانية إنما يدخل ضمن دائرة المخطط الأميركي. بريطانيا بعد انفصالها عن الاتحاد الأوروبي صارت تتحين الفرص للانتقام منه تعبيرا عن استقلالها عنه.

 لقد قيل إن رجل الـ"كي جي بي" السابق يفكر في إعادة العالم إلى الزمن الشيوعي. تلك شائعة أميركية تبنتها أطراف عديدة يُراد من خلالها العودة إلى زمن الحرب الباردة، يوم كانت الولايات المتحدة تزعم أن الشيوعية تشكل خطرا على العالم الحر لا في أوروبا وحدها بل وفي مختلف أنحاء العالم. وكانت الحرية هي الشعار.

وهنا لابد من العودة إلى النموذج لأميركي في العراق. العراق اليوم أشد بؤسا مما كان عليه أيام طغيان نظام صدام حسين. وهو ذاهب إلى غيبوبة الدولة الدينية التي ستكون مجرد جيب للجمهورية الإسلامية في إيران.

خسر العالم دولة اسمها العراق وكان عليه أن يتعلم من ذلك الدرس شيئا يتعلق بالمصير. غير أن ما يحدث في أوكرانيا يؤكد أن أوروبا على الأقل لم تتعلم شيئا وهي في طريقها إلى أن تفقد استقلالها بعد أن كان اتحادها يبشر بولادة قطب سياسي جديد يعيد إلى العالم توازنه.  

يقف عالمنا اليوم في منعطف خطير. لا خلاف في أن الصين دولة كبرى. قوة اقتصادية هي الأولى من نوعها في التاريخ. هي تدرك أن المستقبل لن يخذلها، غير أنها تتمدد بطريقة غير معادية، فهي تعرف ماذا تفعل وتمتلك الأدوات التي تعينها للقيام بذلك متحدية صعوبة التعايش مع الوحش الأميركي الذي يفقد السيطرة على نفسه إلا أمامها فهو يبدو مهذبا من غير أن تعترف بهزيمتها. والتنين الصيني لن يعلن انتصاره في كل الأحوال، فدعاياته العقائدية هي شأن داخلي. لا أحد يعلم بما يحدث في العقل الصيني.

المؤكد أن الصين في حاجة إلى عالم متعدد الأقطاب لكي تعلن من خلاله عن برنامجها لإنقاذ العالم من السياسة.