قراءات في مدونة الشاعر البشير المشرقي في المركب الثقافي الشيخ ادريس
باشراف المندوبية الجهوية للشؤون الثقافية ببنزرت ينظم المركب الثقافي الشيخ ادريس ببنزرت فعاليات ثقافية للفترة من 15 الى 17 نوفمبر/تشرين الثاني تتضمن عددا من الفقرات الثقافية منها قراءة في دواوين الشاعر ابن بنزرت البشير المشرقي وكذلك ورشة حول البنية القصصية في الحكايات العجائبية .
وخلال عشية السبت يكون الموعد مع قراءات في مدونة الشاعر البشير المشرقي من خلال التعاطي الدراسي والنقدي والذوقي مع دواوينه الشعرية خلال مسيرته الأدبية التي تعود الى عقود من القرن الماضي باعتباره من الشعراء التونسيين البارزين في جيل الثمانينيات الذي تنوعت نصوصه من حيث الرؤى والأساليب والتيارات الأدبية والفكرية. ويكون هذا النشاط بتقديم من قبل الناقد والاعلامي الأستاذ منصور الغرسلي.
موعد متجدد مع الفعاليات الثقافية للمركب الثقافي بادارة الأستاذ البشير القمودي وفق تنوع في الأنشطة بين ضروب الفكر والثقافة والأدب والفنون.
وتعد المدونة الشعرية للشاعر البشير المشرقي غنية وثرية الانتاج والمؤلفات حيث انتهج الشاعر طريقا للشعر بها خصوصيات فنية تعكس رؤاه وقراءاته وميولاته الابداعية حيث كانت له مشاركات شعرية تونسية وعربية ودولية فضلا عن اسهاماته العديدة في الاعلام الثقافي وملاحق الأدب ومجلاته ومنها مجلة الفكر.
تعددت عوالم الشعر عند الشاعر البشير المشرقي وهنا نلقي نظرات في عنوان مهم من عناوين دواوينه وانتاجاته الشعرية ونعني كتابه الشعري الممهور بـ " فسيفساء الظل والألوان " الصادر حديثا عن دار خريف للنشر والتوزيع في 223 صفحة من القطع المتوسط وهو عمل شعري أبان فيه المشرقي عن توغله في تجربته الشعرية وفق رؤيته للشعر وللقصيدة ضمن الوعي الناجم عن أعماقه في احساس جارف بالحنين وبالغربة وبالحلم الذي يظل مقيما لديه في القصائد وفي الحياة التي يرنو الى الجميل فيها والمشرق.. فالكتابة الشعرية لدى البشير ظلت ولعقود عدة بمثابة المحاولات المستمرة للارتواء والخصب والاخضرار في عوالم متحولة ومربكة تغذي ما في الكائن من اغتراب ووحدة ونزوع نحو الاحباط والتداعيات المريبة..و الشاعر نا في هذا الحنين الجارف يظل على قلق الانتظار واقفا يمجد هذا المكوث في بحار الاشتياق (ص38) :
" أحقا في غد سيعود طير
و يهمي في قوافينا
و حين أرى طيرا يغني
و نجما في ليالينا ينير
و أسمع صوتهم في الأذن همسا
و موسيقى وأوزانا تغير
و أرجع بين جنبي اشتياق
كشوق الطير أرهقه الهجير
سلاما يا ليالي الأنس قلبي
على نار يؤججها الزفير
سأبقى واقفا والوقت يعدو
بمنديل الحنين لهم أشير...".
ان قصائد الشاعر في هذا العمل الشعري وفي غيره من مدونته الثرية بمثابة الطاقة المواجهة للحزن والكآبة المهيمنان على انسان هذه الأزمنة حيث خراب الأمكنة والحروب والصراعات التي هي نشاز عن الواقع الأمثل والطبيعة المحلوم ببهائها والأحوال المفعمة بالنشيد.. نشيد الذات في احتفائها بالجمال وفي عنفوان ألقها وهيجانها الرجيم على الرديء والدنيء وما يعكر صفو الذات وانسجامها مع الكون الجميل.. هذه الذات القائلة بشاعرها القلق الغائم كصباح في الطريق الطويل حيث الأفق بمثابة النفق ولا مجاك عند ذلك غير الشجن وبحار الذكريات (ص48) :
"...غائم كالصباح
و ممتلئ كالقلق
و الطريق طويل
و أفق الفؤاد
نفق
لا عصافير تشدو
على شجر
لا غناء يبدد
وحشة هذا
النهار
و لا قمر في
السماء يلوح
الشتاء على
قاب قوسين
و العمر نوارة
في مهب الرياح
و وجهك غائمة
قسماته
سيجارة
في يدي
كالربيع الذي
قد مضى تحترق
و شجون وبحر
من الذكريات
على ساحل الروح
هاطلة
أين نمضي اذن
قلت للقلب
و الطرقات معطلة
و الخطى أخطأت
دربها...".
هذا الكون المكلل بالأسى وبالحلم دفعة واحدة ..فيه للحلم الجميل مكان وفيه للشجن المعتق أمكنة حيث للطير هنا فسحة حرية وتشوف وآمال هو عين رغبات الشاعر البشير المشرقي الذي يحاول ويحاورالعناصر والتفاصيل بأرض الشوق الممتدة وما فيها من أمنيات جمة وأغنيات مبهجة بعيدا عن قتامة الأشياء والسواد المحزن واليأس..
(ص 124-125) :
"...و رأيتني في الحلم طيرا هائما
بين الخمائل في حماهم ينشد
يهمي الحنين على جناحه أنهرا
و الشوق في أحشائه يتوقد
و فتحت أسفار الهوى فوجدتها
خضراء يانعة كغصن البان
فيها من الشوق الكبير جحافل
و سحائب تهمي على أغصاني..".
هذا هو كون الشاعر البشير المشرقي وهو المفصح في نشيده الخافت وفي شجن عظيم عنوانه الحلم في شوق هائل وبهجة وانكسار ..و هو كون الأحاسيس المبينة في كل ما تحيل اليه من أريحية للنفس وهي تتمرد على سلبيات الحياة والكائنات لأجل عالم يمقت الاحباط واليأس ويعلي من ثورات الوجدان ..الوجدان الشاعري في تعدد نظراته وعواطفه النبيلة تجاه الآخرين ..تجاه العالم.اها رحلة الشاعر ومغناته في دروب الحياة بما يشبه الملحمة ..أو لنقل انها ملحمة الشاعر..الملحمة المشرقية في شؤونها وشجونها حيث الغناء ايقاع القصائد وسلوى الشاعر وبوحه المخفي من قدم في الضلوع... (ص 62) :
" غنيت لم أطلب جزاء أروعا
من أن أغرد في الحياة وأبدعا
حاشا ضلوعي أن تكون ضنينة
بالبوح كم فيها العبير تضوعا...".
وهكذا .. فان عمل الشاعر البشير المشرقي الذي نحن بصدده ونعني كتابه الشعري الممهور ب "فسيفساء الظل والألوان" مجال جديد ومتجدد للقول الشعري المنسجم مع تجربة الذات والحياة لشاعر عرف ضمن جيله الثمانيني بهذا الدأب والحرص ضمن نهجه المتقصد كتابة وأسلوبا والشعر هنا يسير وفق خيط ناظم هو وجدان الشاعر ونظرته المفعمة بالتأملات والأحاسيس العميقة في أزمنة السقوط والعبور وبذاءة الحال...والأحوال.. شعر ينفذ سريعا وعميقا طوعا وكرها الى الدواخل حيث الروح المتشظية بين الوجيعة والحلم والجمال.
لقاء ثقافي أدبي مهم عشية السبت بالمركب الثقافي الشيخ ادريس بمدينة الجلاء الساحرة بنزرت في ادارة وتقديم للكاتب منصور غرسلي.