قراءة في مراجعات الإخوان المسلمين

المراجعات لجماعات الإسلام السياسي تبقى مجردة من محتواها الفعلي ولا تنعكس على التأثير العميق لرؤيتها وأهدافها فهي تظل ورقة تستخدم عبر الأفراد حتى وإنْ كانوا ضمن التشكيل العميق للجماعة.

بقلم: هاني سالم مسهور

تسعة عقود مرت منذ أن أسس حسن البنا جماعة «الإخوان»، التي لم تخرج من دائرة ما تقول إنه ثوابتها، حتى وهي تتلقى الضربات العنيفة في مسيرتها. لم يتغير سلوك الجماعة وهي ترى إعدام سيد قطب عام 1966 حتى وإن غيرت من تكتيكها الحركي بعد نكسة 1967، وظلت دائرة الحركة واحدة، وإن تغيرت بعض من حركة أطرافها في سياق مرتبط بمدى ما يفرضه النظام السياسي من قوة في التعامل معها.

الجماعة، التي تعرف كيف تحقق مكاسبها، تجد متنفسها من خلال ما يتوفر لها من أنظمة حكم سياسية، إما في التراخي، أو من خلال التحالف لتقاطع المصالح، وهذا ما يمكن الإشارة إليه بعد تمكن التنظيم من الإمساك بالدولة السودانية في 1989 كمدخل يعتبر الأهم في تاريخ الجماعة، بعد انسداد كل الآفاق الممكنة في مصر خصوصاً. وفي السودان كان اللافت أن الجماعة التي قدمت نفسها كبديل للدولة الوطنية بعد غزو العراق للكويت عام 1990 بعقد «المؤتمر الشعبي العربي الإسلامي» عام 1991، وقدمت آنذاك إطاراً واضحاً لمفهومها حول الدولة الوطنية واستبدالها بالخلافة الإسلامية، بعد أن أظهرت جانباً كان لسنوات بعيدة مجهولاً عندما شاركت إيران في ذلك المؤتمر، وأفرز أكثر من مجرد تقارب بين أهداف «الإخوان» وإيران.

في مفهوم جماعة «الإخوان» لا مكان للمراجعات، حتى وإنْ تم إظهارها من خلال أفراد منتمين إليها فكرياً أو حتى تنظيمياً، فبالعودة إلى ما بعد مؤتمر الخرطوم عام 1991 لا توجد مراجعات نقدية لذلك التقارب مع إيران، برغم الاختلاف الأيديولوجي بين طرفي المعادلة، فـ«الإخوان» يمثلون الشق السُني، بينما الإيرانيون يمثلون الشق الشيعي، ومع ذلك لم تظهر مراجعات نقدية، بل كانت فترة يمكن أن توصف بأنها مزدهرة بالكم الهائل من الكتب والدراسات، التي قدمت في نطاق الدفع بالقوة العسكرية، التي كانت محصورة بين «حزب الله» اللبناني وجماعة «حماس» الفلسطينية.

نشأ تنظيم «القاعدة في جزيرة العرب» في هذا السياق مدفوعاً بالكم الهائل من التنظيرات الداعمة لوجوده كذراع عسكري كان الأكثر شراسة، وهذا هو سياق طبيعي، فهو خرج من جلباب أحد أكثر المتشددين في جماعة «الإخوان» عبدالله عزام وتلميذه، أسامة بن لادن، هذا النفور في السطوة وما تعرضت له الدول العربية من ضربات، خاصة السعودية ومصر خلال التسعينيات الميلادية، وما بعدها كان خلفه حواضن مخفية لعبت فيه أنظمة عربية أدواراً لتصاعد تلك التنظيمات، كانت توفر لأدواته التي تصاعدت بعد هجمات 11 سبتمبر 2001.

وحتى 2011 لم يكن للمراجعات «الإخوانية» ظهور بالشكل الذي يمكن الإشارة إليه، خاصة أن حاضناً مهماً للجماعة كان قد ظهر في المشهد باستقطاب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، اللاعب الأكثر حيوية فيما يسمى «الربيع العربي»، وبسقوط نظام الحكم المصري وصعود «الإخوان»، كانت الجماعة قد استحكمت قوتها وحققت الجزء الأكبر من مشروعها، فبالنظرة العامة للخريطة العربية آنذاك، كان التنظيم قد استحوذ على مصر واليمن وليبيا، تاركاً لإيران تحكمها في «الهلال الشيعي» الممتد من العراق وحتى ولبنان، مروراً بالأراضي السورية.

لم تكن ثورة يونيو 2013 المصرية كافية بالنسبة لجماعة «الإخوان» كي تغير أفكارها، فلقد كانت اليمن وتونس ما زالتا بقبضتهم، وإنْ خرج بعض أفرادها تحت ضغط اللحظة قد حاول التخلص من تبعات الزلزال الذي ضرب الجماعة والتنظيم معاً. والمراجعات الفردية هي تكتيك لامتصاص الضربات القوية، وهذا ليس نهج «الإخوان» وحدهم، فحتى السلفية الجهادية استخدمته بعد اغتيال الرئيس المصري أنور السادات أوائل الثمانينيات الميلادية من القرن العشرين الماضي، فالقناعات الراسخة تبقى مستمدة من أصول هذه الجماعات لتحقيق أهدافها بالوصول إلى السلطة وتدمير الدول الوطنية العربية.

ولتأكيد أن المراجعات هي تكتيك مرحلي، فإن ما صدر عن حزب «التجمع اليمني للإصلاح» ممثلاً في «الإخوان» في اليمن، كان أكثر المراجعات هزلية بعد انطلاق «عاصفة الحزم» عام 2015، فكان الإعلان عن المراجعات ضرورة، سرعان ما تبددت بعد أن استعاد «حزب الإصلاح» قوته العسكرية ليعود لممارسة نشاطاته، ويفرض أجندته السياسية كلاعب في المشهد اليمني، بل كواحد من اللاعبين في المحور التركي، وهو ما تؤكده مواقف كوادر حزب «الإصلاح».

ما تعرضت له مصر في الثلث الأخير من 2019 وسبقتها اليمن وتونس عبر حركة «النهضة»، يعزز مسألة أساسية في أن المراجعات لجماعات الإسلام السياسي تبقى مجردة من محتواها الفعلي، ولا تنعكس على التأثير العميق لرؤيتها وأهدافها، فهي تظل ورقة تستخدم عبر الأفراد، حتى وإنْ كانوا ضمن التشكيل العميق للجماعة، التي تجيد تسويق هذه المراجعات عبر المنافذ الإعلامية، ولكنها تظل في واقعها قادرة على الانتقال لمرحلة مواجهة أخرى، خاصة أنها تجد من الفراغات المتاحة في دول عربية متعددة فيها من الاختلالات ما يجعل منها حواضن للتنظيم سياسياً وعسكرياً، وقبل ذلك فكرياً.

نُشر في الاتحاد الإماراتيَّة