قصائده عطرية مع خيبة أمل ناعمة وألم عميق للإسباني مانويل كاهيتي

الباحثة المغربية د.سلمى متوكل تصطفي لنا في 'طريق وليلي' اختيارات تكشف ما تتمتع به نصوص كاهيتي من كثافة ودرامية، وتظهر رؤية الشاعر للإنسان باعتباره كائنًا منفيًا من العالم يُلقى إلى العدم حتى يتمكن من تجربة الألم الجسدي سيصبح قريبًا ألمًا أخلاقيًا.

تكشف المختارات الشعرية التي اختارتها المترجمة والباحثة المغربية د.سلمى متوكل للشاعر الإسباني مانويل كاهيتي وعنونتها بـ "طريق وليلي" وصدرت أخيرا عن دار خطوط وظلال تكشف ما تتمتع به نصوص كاهيتي من كثافة ودرامية، وتظهر رؤية الشاعر للإنسان باعتباره كائنًا منفيًا من العالم، يُلقى إلى العدم حتى يتمكن من تجربة الألم الجسدي الذي سيصبح قريبًا ألمًا أخلاقيًا: الحب وحده هو الذي يمكن أن يكون خلاصًا؛ ولكن للحظات.

في البحث الشعري عن معرفة الذات والآخر، نرى لمانويل يعد وريث التقاليد الأكثر دقة، حيث يتميز شعره بختم شخصي وأسلوب لا لبس فيه يتميز بالاهتزاز البشري واختيار الكلمات والموسيقى المثالية، يستخدم الاستعارة حدسًا للواقع المحيط، فهو يضع قيودًا على الكلمة، وينقب في أحشائها، ويحملها بعنف بمعاني غير متوقعة.

إن أسلوب مانويل كاهيتي الشعري مليء بالابتكار والأصالة والباروكية الموحية والسريالية البصيرة والغامضة. ومن ناحية أخرى، يجدر تسليط الضوء على العاطفة والحسرة والعمق الذي يعرفه هذا الشاعر من قرطبة كيف يطبع في أشعاره. قصائده عطرية مع خيبة أمل ناعمة وألم عميق. شعره محب وبصير، صوفي وسريالي. مانويل كاهيتي شاعر ساحر وعميق، كاتب حقيقي، واحد من أولئك الذين يولدون بين الحين والآخر.

يتحدث كاهيتي ببساطة عن كيف أن الشعر هو حياته. يقول بشيء من الحنين إلى الماضي: "كل انتصاراتي، بما في ذلك الوقوع في حب المرأة التي وقعت في حبها، ووقعها في حبي، جاءت من الشعر، لأنني كتبت لها قصائد عندما كنا صغارا جدا". يضيف "أنا ما أنا عليه بسبب الشعر.. حالة من افتتان بالكلمة، بالمعرفة الإنساننية".

ويلفت "في نصوصي آمل أن أكون قادرا على نقل شغفي، الشعر هو وسيلة للعاطفة، إذا لم تكن هناك حساسية لفهم ماهية القصيدة فمن الصعب اختراقها".

ويرى كاهيتي أن "الشعر هو صرخة من أجل السلام والحرية والحب والأخوة والتضامن وضد كل ما هو خطأ في العالم، الشاعر ملزم بالتنديد بهذا الخطأ، الشاعر ملزم بالدافع عن الإنسانية، وهنا نذكر أحكام السجن التي حصل عليها العديد من المتحمسين من الأدباء والشعراء نتيجة ذلك. لكن الآن لا يضعوننا في السجن، لا أعرف ما إذا كانوا سيفعلون غدا، لكن في الوقت الحالي يقولون "هؤلاء مجانين"، لذلك يتركوننا مضطرين للتنديد بكل ما هو خطأ".

تأتي المختارات في أربعة فصول شعرية، يحمل الفصل الأول "أسطورة الزهراء" ويشتمل على سبع قصائد، أما الفصل الثاني فجاء بعنوان "مادة مقدسة"، ويضم سبع قصائد طويلة، ويليه الفصلان؛ الثالث بعنوان "كل الحجاج"، والرابع بعنوان "إرث قرطبة". القصائد بسمات التميز الشعري من خلال لغتها وتميز أسلوبها الجامع بين شرف المعنى وجزالة اللفظ، ومن خلال كثافتها في مستوى الشكل واللغة والبناء الشعري، وصورها البلاغية المستمدة من الطبيعة ومن عمق التاريخ.

تتغنى المختارات في جانب من قصائدها بجمال قرطبة وإرثها الحضاري، وتدعو إلى السلم والسلام والمحبة والتآخي، والتعايش بين الأديان، كوصفة خلاص للإنسان من واقعه المرير. قصائد بباقة ورد متعددة الألوان، تفوح رائحتها في كل أرجاء قرطبة، مفخرة الأندلس والمسلمين.

يشار إلى أن المختارات جاءت من دواوين: "ميلاد الحب"، "مخطوطة أندلسية"، "الأرض الموعودة"، "خريطة مادية"، "أيام الشتاء"، "حيرة"، "النار في الرماد"، "منطقة مشتعلة"، "أساطير حضرية"، "الممالك الشمسية"، "فجر الحمم"، "جسد حميم بلا نور"، "فصل النار". 

يذكر مانويل كاهيتي أستاذ للغة والأدب، حاصل على درجة الدكتور في الفلسفة والآداب. كتب للمسرح وللأطفال، وله العديد من المؤلفات البحثية منها: قرطبة في القرن العشرين: القوة الاقتصادية والإنسانية الأخلاقية، العمل والكلمة، اكتشف قرطبة ومقاطعتها، ما وراء القانون. النقد الأدبي: شعر العصور الوسطى، الظلمة المضيئة، بعد الجنة، تذكر داماسو، نصوص بحجة، النافورة التي تتدفق وتجري، شعر جونجورا الديني، وجوه النساء أمام المرآة، شارع الماء، وأحجار المعالم.

أما المترجمة المغربية سلمى متوكل فهي أستادة باحثة حاصلة على شهادة الدكتوراه شعبة الدراسات الإسبانية من جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء وشهادة الإجازة في الدراسات الإسبانية من جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، ترَجَمَت للعديد من الشعراء، من بينهم: إيدا فيتالي، ألبارو موتيس، مانويل كاهيتي، خوسيه ساريا وآخرون. كما أنها أستاذة اللغة الإسبانية بالثانوي التأهيلي وبجامعة القاضي عياض وبمعهد ثيربانتيس بمراكش أيضا.

قصائد من المختارات

بوح

تبحث الروح ليلا عن حامل ضوء مائل

كما لو أنها استحالتطائر صوان حجرة في الريح،

وقلبا من تلال منفصلة بلا كثبان.

كما لو صارت دروع المياه

فهودا تلتهم الصمت

وتمزق الصدر بمخالبها الشفافة

لتشق طريقها نحو الظلال.

وكأن الضوء الذي كان ينير عينيّ

خمد فجأة، اكتشفت نفسي.

كنت وحدي:

وحيدا أمام المرايا وأحلام السرطان،

فقط من أجل حياة مفعمة بالنوستالجيا.

عذريّ أنا،

خرجت إلى الشارع بيدين هزيلتين،

عاريا دون نجمة،

شطفت عينيّ

ولفتت في شعري

خيوطا من زخارف نبتة النابنط والزينة.

ارتشفت الحياة مطرا، أشلاء

من نهر بلا قاع، تفقدت عادتي:

عذوبة شغف المتسول وحماقته.

أسرني الجنون ونبات الرمل الشوكي

والعناكب النفطية.

وهويت يائا على خصرك

الآسي دون راحة ولا عناء.

حد الوحدة

آه يا حبيبتي، تحترقين في الوحدة

وتوقدين باتيك الحسرة

الصرخات،

كأس الظمإ المقعر،

تسلب مني الروح

حين تكونين بعيدة.

تبدو لي الحياة لطيفة

حين تضمينني بين ذراعيك

وتهمسين لي في هدوء أنك تحبينني

وحين توقفين بخطوتك الثابتة

وبشفتيك الناعمتين،

جرحي الفوار

وضجيجي الثائر الصاخب

وتقودينني إلى عالم

يحتوي فضاء جوفك المغلق،

يغزو الموت الهادر جسدي

ينصهر مثل الحمم البركانية في صمتك.

يا حب، استسلم لي

لا تحطم المواساة

ولا نار اسمك المزيفة،

لا شيئ

اتركها منسية في الظل

ربما يرانا الأطفال هناك،

ويتعلمون اجتثاث

ظلمة النار المتأصلة من أعيننا.

عد يا حب واسمع هذأ الأنين

المالح الذي يطهر حنجرتي

ترنيمة فمك المقدسة هذه

تضفي فمك جمالا أكثر فأكثر.

لا تدع الألم ينطق

بكلمة أخرى

أو يكتب حروفا لمآرب بدم نادم.

أرشدني يا حب إلى طريق سلس

أعرف لوحدي،

تلك المعجزة

منبع النور،

ذلك اللغز المحفوظ بقوة

في شعلة

أنت من تأتين عليه.