قيادة شعب ليست كقيادة باص

فنزويلا تعيش على ذكريات، حصرها مادورو بالحزب وبالدفاع عن حقه في الحكم.

لو لم تتدخل الولايات المتحدة في النزاع الفنزويلي الداخلي لما اكتسب الموقف المدافع عن شرعية الرئيس مادورو قيمة تُذكر.

فنظام حكم يصطف معه النظام الإيراني وأتباعه وتربطه بهم قواسم مشتركة لابد أن يكون نظاما سيئا، يقف خارج العصر. وهو ما لا يليق بالشعب الذي أنجب سيمون بوليفار وتحمل البلاد اسمه رسميا (جمهورية فنزويلا البوليفارية).

لقد ورث نيكولاس مادورو الحكم هناك حزبيا. فالرفيق مادورو خلف الرفيق هوغو تشافيز بعد وفاته. لذلك لا يمكنه أن يحكم إلا في سياق الموروث الحزبي القديم، بقيم اليسار الثوري المتحجرة التي لم تعد تصلح إلا مادة في الكتب.  

غير أن فنزويلا ليست محظوظة أيضا بقربها من الولايات المتحدة. كما هو حال المكسيك تماما. ومثلما صار جدار المكسيك هاجسا ملحا بالنسبة لترامب فإن فنزويلا تشكل هاجسا ملحا بالنسبة لجهاز الاستخبارات الأميركية.

النظام اليساري فيها يزعج الولايات المتحدة بعد أن نجحت بطرق التفافية مراوغة في اسقاط عدد من الأنظمة اليسارية في القارة اللاتينية.

العداء الأميركي للنظام الحاكم في فنزويلا يتصدر الواجهة منذ سنوات. وهو يغطي على الكثير من مساوئ ذلك النظام وعيوبه المكشوفة.

ومن الواضح أن عقدة تشافيز قد تمكنت من الطرفين. من جهة الولايات المتحدة فإن العمل كله ينصب على دفن الظاهرة التشافيزية، بكل ما بقي منها حيا على مستوى العمل والشعار. اما من جهة نظام الحكم الفنزويلي فإنه يعتاش على الشعارات التي رافقت تلك الظاهرة من غير أن يكون قادرا على تحقيق شيئا من متطلبات استمرارها في الواقع العملي.   

ففنزويلا تعيش الآن أوضاعا اقتصادية رثة بالرغم من ثرائها المستمد من ثروتها النفطية. حقيقة لا ينكرها النظام غير أنه يحاول الإفلات من تبعاتها من خلال رفع الصوت العالي في مواجهة معارضة، يأخذ عليها ميلها إلى النموذج الأميركي. وهو ما يعتبره خيانة لمبادئ الرفيق الراحل القائمة أصلا على معاداة الرأسمالية بكل صورها.

كان تشافيز من قبل قد تعرض لمحاولة انقلابية، وقف يومها الشعب معه وأعاده إلى السلطة منتصرا. اما خلفه مادورو فقد أنقذه الجيش حتى اللحظة من الانقلاب الذي دبره معارضوه في البرلمان الذي يسيطرون عليه.

وهنا يكمن الفرق بين الرجلين.

كان تشافيز يتمتع بشعبية عريضة، هي انعكاس لإنجازاته الملموسة التي تحققت في الجانب الاقتصادي غير أنه لم ينجح في توريث خلفه تلك الشعبية التي انخفضت مع تدهور الأوضاع الاقتصادية وسقوط فئات عديدة من الشعب الفنزويلي في هاوية الفقر.

لم يكن الوقوف في ظل تشافيز وتحت صورته يكفي لصنع زعيم يساويه.

فقيادة شعب ليست كقيادة باص. كان مادورو سائق باص قبل أن يؤهله نضاله الحزبي لارتقاء أكبر المناصب وصولا إلى منصب نائب الرئيس.

كان خطأ تشافيز فادحا حين أوصى به رئيسا من بعده.

وإذا ما كان مادورو وفيا لشعارات معلمه، حريصا على ترديدها في خطاباته فإنه لم يكن وفيا لمبادئه في محاربة الفقر والفساد معا. وهي المبادئ التي صنعت من تشافيز بطلا قوميا وظاهرة تزعج صناع القرار في البيت الأبيض.  

في واقع الامر لم يتبق من تشافيز في فنزويلا سوى قميصه الأحمر.

فنزويلا تعيش على ذكريات، حصرها مادورو بالحزب وبالدفاع عن حقه في الحكم، كونه يمثل استمرارا للظاهرة التشافيزية. وهو ما جعله يرتكب أخطاء بشعة على المستوى الاقتصادي دفعت بالشعب إلى انتخاب برلمان يعارضه، بل ويهدد بإسقاطه. وهو ما حدث مؤخرا.

في حقيقته فإن نظام الرئيس مادورو لا يملك فرصا كثيرة للبقاء. لذلك         

لم يكن الموقف الأميركي على قدر من الذكاء مثلما كان مضحكا مشهد أتباع حزب الله اللبناني وقد خرجوا في بيروت حاملين الاعلام الفنزولية تضامنا مع نظام مادورو.