كائنات خرافية وأسطورية في بيت السرد التونسي

هيام الفرشيشي تتناول رمزية السعلاة في رواية "ليالي القمر والرماد" للناصر التومي التي تمحورت حول فكرة الشر.
صورة السعلاة مختلفة عن تلك التي عرفناها في المرويات الأسطورية والخرافية
البعد الأسطوري الخارق يعيد للأرض خصوبتها الروحية والعاطفية، ويعلي من المعرفة الحدسية

تونس ـ انعقد بيت السرد  يوم 29 ديسمبر/كانون أول 2018 في دار الثقافة ببن عروس بالاشتراك مع جمعية "ثقافة للجميع" تحت إشراف القاصة والناقدة هيام الفرشيشي وتسيير إداري لنجوى الملوحي.  
وتناول موضوع الكائنات الخرافية والأسطورية في نصوص سردية، وتقديم رواية "نوبات" لنورا عبيد ومعاوية الفرجاني، وتخللت الجلسة مداخلات شعرية لريم القمري من خلال ديوان "ما لم يقله الحلم" ومداخلات غنائية لسولاف الذهيبي والمايسترو عمر بوثور.
وتناولت هيام الفرشيشي رمزية السعلاة في رواية "ليالي القمر والرماد" للناصر التومي التي تمحورت حول فكرة الشر، في تناوله لفترة الاستعمار في قرية من القرى التونسية منطلقا من تصوير بيئة تطغى عليها الخرافات يتحكم في عقول أفرادها كائن شرير هو السعلاة التي تعيش في القصر المهدم.  
وبينت الفرشيشي أن صورة السعلاة مختلفة عن تلك التي عرفناها في المرويات الأسطورية والخرافية، إذ لم يقترب منها أحد وظلت في هيئة هلامية، كذلك مكان وجودها يختلف عن البيئات التي ذكرت فيها، ولكن بقيت رمزية أفعالها تلاحق مصير أبطال الرواية. إنها كائن يمارس شره الأرضي ولعنات سماوية. ومن ثمة تغيب فكرة قتلها كما في تصورات الشعوب الأخرى، فالسعلاة في الرواية أعلى درجات الشر الذي يذهب بالفكر والإرادة.  
وقدمت هيام الفرشيشي المجموعة القصصية "أقوام الضفة الأخرى" لشوقي الصليعي واختيار قصة "هوى آذار" كقصة خرافية في تصويرها لكائنات خرافية لها قوى خارقة مع وجود حيوانات صغيرة تمثل قوى مساعدة لهذه الشخصيات في أمكنة طبيعية، ولكن لها تأثيرات سحرية مثل الكهف السحري القائم على منحى الجبل، وجوف الصخرة المرسوم كالوشم، أما الشخصيات فلها صفات متناقضة لتمثل وجهي الصراع بين الخير كما وقع تناول قصة "الموتى يحلمون" التي تعبر عن رحلة هلامية لأرواح عباقرة ومبدعين تنتهي في صحراء تعلق على خيمتها لوحة لفان غوغ بمثابة صورة استعارية لعوالم الفن والعبقرية والجنون التي تخاتل عالم الواقع والأجساد المتكلسة مبرزة أن أرواح الفنانين، تناولت اللغة الشعرية الخصبة المعبرة عن الذات التحتية ورمزية الصورة التشكيلية التي توقظ في الذات الساكن فيها لتعيد كتابته.

ففي قصيد "قد تجيء مريم" لسليمى السرايري أبرزت الفرشيشي البعد الأسطوري الخارق يعيد للأرض خصوبتها الروحية والعاطفية، ويعلي من المعرفة الحدسية ترى ذاتها عالقة في جيناتها القديمة التي أورثتها فنون الرقص والغناء التي تشكلت بعبادة قوى خارقة في عرض أوبرالي يعكس بهجة الحياة تولد مع كل تدفق للماء المطهر المحيي هو حليب الوجود منه ترضع الأرض وتتضمخ بالمحبة والانسجام، فتتحول القصيدة إلى حكاية خيالية تعبر عن قصة حب كامنة في قلب يبحث عن عوالم شفافة تعيد نسج الحياة الباطنية في فضاءات غير أرضية، تنسج من الصور آيات الخلق ومفتاح رموزه هو الحب السماوي.
أما من خلال "نوبات" لنورا عبيد ومعاوية الفرجاني، فقد تطرقت الى خصوصيات الكتابة التفاعلية المشتركة والتعديل والهوامش والاستطرادات وشخصيات تتمرد على  مبدعيها في فضاءات زاخرة بثرائها الطبيعي والتاريخي والأثري في الوطن القبلي، وفضاءات أخرى بسيطة عفوية في نفطة وتمزرط ومطماطة مخلفة تراثا أدبيا وعمارة منحوتة في الصخر، والاهتمام بالتراث غير المادي  والمادي وتوظيفه في السرد متمثلا في الحكايات الشعبية وارتباطها بالمنامات في الجنوب والخرافات والأساطير (العين الزبردجية) والأهازيج والشعر، والصناعات التقليدية وخصوصيات الألبسة والأكل ودور الثقافة والبيئة في تشكيل النص الأدبي وأسلوبه، وكنه الذوق الإبداعي من خلال ملامح البيئة وموروثها الفني والفكري والشعبي والصناعي وقيم المكان في الوطن القبلي.