كارثة صنعها الجميع في سوريا

أردوغان يراكم أخطاء السوريين وغير السوريين لصالحه.

"بغض النظر عما يُقال" تلك جملة تحد قالها الرئيس التركي اردوغان تعبيرا عن إصراره على الاستمرار في حملته العسكرية التي يهدف من خلالها إلى إنشاء منطقة آمنة شمال سوريا وبالضبط على الأراضي التي سبق للأكراد أن أعلنوا فيها استقلالهم عن الدولة السورية.

ها هم يتخلون عن ذلك الاستقلال الذي تمتعوا به خمس سنوات وسط ضجيج الحرب التي خاضوها ضد التنظيمات الإرهابية وفي مقدمتها تنظيم داعش الذي ما من قوة هزمته هناك مثلما فعل الأكراد. غير أنهم اليوم يجدون أنفسهم مضطرين إلى التذكير بأنهم جزء من الشعب السوري أن مدنهم ينبغي أن تكون تحت حماية الدولة السورية.

تلك واحدة من نتائج الغزو التركي. وهي نتيجة إيجابية.

عاد الأكراد سوريين وفتحت مدنهم أبوابها للقوات السورية ولكن كل ذلك يجري برعاية روسية. وذلك إجراء ضروري من أجل أن لا يحدث أي تماس غير مقصود بين قوات الغزو التركي والقوات السورية ما دام اردوغان مصرا على مواجهة تبعات فعلته. وهي تبعات لا أعتقد أنها أقل خطرا من الإرهاب الوهمي الذي شكل تهديدا لأمن تركيا حسب المسؤولين الأتراك.
سوريا إذاً تمر اليوم بحلقة جديدة من مسلسل متاهتها التي يبدو أنها لم تكشف بعد عن جميع حلقاتها بالرغم من مضي أكثر من ثمان سنوات على بدء الحرب العبثية التي بدأت بانتفاضة شعبية سلمية لتصبح في وقت قياسي جزءا من لعبة الامم التي لا يمكن العثور على وسيلة للخروج منها. وفي كل ما جرى فإن هناك ما يسوغ توجيه اللوم إلى السوريين بالرغم من أنهم تحولوا مع الوقت إلى ضحايا بدرجات مختلفة.

المقصود هنا السوريون كلهم من غير استثناء، موالاة ومعارضة من غير أن يشمل ذلك التنظيمات الارهابية التي غزت سوريا بتمويل قطري ورعاية تركية فهي لا يمكن أن تكون مشمولة بأي التفاتة إنسانية.

فعلى سبيل المثال، كان الغزو التركي مناسبة لكي يصحو الأكراد ويتخلوا مجبرين عن أوهامهم في الانفصال عن سوريا وإقامة الدولة القومية وعادوا إلى الدولة السورية غير أن ذلك الموقف ليس مقنعا بالنسبة لزعماء أكراد كانوا على خلاف مع قوات سوريا الديمقراطية وسبق لهم أن اتهموها بالعمالة للنظام قبل أن يقع الغزو التركي بسنوات.

ذلك التمزق يعطي صورة عن الحال الذي عاشته سوريا في خضم صراعات فرقائها الذين ذهب كل فريق منهم إلى جهة حسب رؤية الطرف الذي يدعمه ويموله بالمال والسلاح.     

لقد تخلى الأكراد عن سوريتهم في اللحظات العصيبة ولكن ذلك لم يكن حكرا عليهم. فالسوريون الذين انتموا إلى التنظيمات "الجهادية" كانوا أيضا قد تخلوا عن سوريتهم بحجة مناهضة النظام والسعي إلى اسقاطه. تلك كذبة مررها الارهابيون ليشرعنوا من خلالها جرائمهم التي خرجت من دائرة الحرب على النظام لتدخل في دائرة الحرب على المجتمع.

كان من الواجب الأخلاقي والوطني أن يخلص السوريون، موالاة ومعارضة إلى مبدأ المواطنة قبل أن يقرروا الالتفات إلى مطالبهم والذهاب بها إلى المكان الذي يفقدهم القدرة على أن يكونوا صادقين مع أنفسهم. ولكن المشكلة تكمن في أن مبدأ المواطنة لم يكن واضحا بالنسبة للكثيرين بسبب عنف النظام وسياساته القمعية العمياء.

اليوم يعتمد أردوغان في غزوته السورية على "الجيش الوطني السوري" وهو عبارة عن مجموعة من المرتزقة السوريين، في ارتكاب جرائم إبادة بشرية في قرى وبلدات سورية انما يضيف صفحة إلى الملف الأسود الثقيل الذي صار يضم صفحات الكارثة السورية.

لقد أخطأ الجميع وها هو أردوغان يستفيد من تلك الأخطاء من غير أن يلتفت إلى ما يُقال.