كاكه برهم، متى تستقيل؟

أي مرشح ترضى عنه أحزاب المحاصصة لن يُرضي الجماهير، وحين لا ترضى عنه الجماهير لابد أن يسقط لا محالة.

بدون أدنى شك لو تسلم الرئيس برهم صالح رئاسة الوزراء قبل الأول من تشرين من العام الماضي لحقق من المنجزات الكثير مما كان سيُطيّب خواطر الملايين من المواطنين المسروقين والمظلومين، ويخفف جزءًا كبيرا من غضبهم، ولكان الوطنُ لم يشتعل بالتظاهرات، ولم يدخل في مرحلة فقدان الأمل في السلام.

فهو مولع بالإعمار والأصلاح الاقتصادي وإعادة تشغيل المصانع وإنعاش المزارع وخلق فرص عمل هائلة أمام الشباب العاطلين عن العمل والذين يشكلون اليوم العصب الرئيسي في الانتفاضة.

أما الآن، وحين يصرح بأنه يدعو الأحزاب السياسية إلى "العمل الجاد للتوصل إلى اتفاق وطني بشأن تعيين رئيس وزراء بديل، مقبول وطنيا وشعبيا، خلال الفترة الدستورية المحددة، من أجل تشكيل حكومة قادرة على معالجة مهامها في ضوء التحديات الهائلة التي تواجه العراق"، فهو إنما يبحث عن معجزة في زمن لم يعد يسمح بحدوث المعجزات.

فالمأزق الذي وجد الرئيس برهم صالح نفسه فيه يتلخص في نقطة واحدة، هي أنه لن يبحث عن مكلف جديد إلا من الأحزاب والكتل نفسها التي جربت كل أنواع الاحتيال والوعود والترضيات المغشوشة وفشلت في إرضاء الغاضبين، ثم لم ترشح واحدا من أبنائها إلا ورفضته الجماهير، ثم اضطر أخير إلى الخروج بخُفيْ حنين.

ولو تجرأ الرئيس وتجاوز الأحزاب (المسلحة) واختار من خارجها مرشحا نزيها وطنيا نقيا شريفا، وما أكثرهم في عراق المليون عالم وخبير ومبدع وأديب ومفكر وفنان، وغير خائن ولا عميل، ومنحاز إلشعب الغاضب بصدق وشهامة، لأسقَطه الجلاوزة الكبار حتى قبل أن يصل إلى برلمانهم للتصويت عليه.

وليس لدى أي عراقي عاقل ومحايد ومستقل أي بصيص أمل في أن يحدث اتفاق ما بين الرحمن والشيطان، والقاتل والمقتول، والسارق والمسروق، على مرشح للرئاسة، فهذا هو المستحيل الذي لا فكاك منه.

وفي هذه الحالة تقضي أحكام الدستور العراقي الأعرج المغشوش بأن يتولى رئيس الجمهورية رئاسة الوزراء، إضافة لرئاسة الجمهورية يوم 18 آذار/مارس القادم. وسننتظر.

والمؤكد أن كاكه برهم، حتى أصبح رئيسا للرؤساء ووزيرا للوزراء ومديرا للمدراء أجمعين، فلن يرفع الزير من البير، ولن ينجز شيئا مهما يعين على تبريد غضب الغاضبين، ويعيد المتظاهرين إلى منازلهم، وهم آمنون.

فهو لن يستطيع، وهو بكل صلاحيات رئيس الوزراء ورئيس الجمهورية، أن يسوق إلى القضاء فاسدا كبيرا كنوري المالكي، وقاتلا كمقتدى الصدر، وعميلا معترِفا بعمالته لإيران، لسببين.

الأول أن المساس بأي واحد من هؤلاء الكبار يعني الدخول في مواجهة بين غصن الزيتون وقذيفة الآر بي جي، وبين أعزل من السلاح ومدججين بالسكاكين وقنابل الغاز وبنادق الصيد والصواريخ.

والثاني أن قضاء مدحت المحمود وفائق زيدان ليس هو القضاء الذي يمكن الوثوق به، والذي لا يخاف في الحق لومة لائم. فحتى لو حدثت المعجزة، وتمكن كاكه برهم من أن يحيل أحدهم إلى هكذا قضاء، فسوف تتم تبرأته قبل أن يدخل معه المحققون في سين وجيم.  

المهم أن انسحاب محمد توفيق علاوي من تشكيل الوزارة، مضطرا، أثبت عمليا أن العراق ليس دولة لها رئيس جمهورية فاعل، ورئيس وزراء قادر على اتخاذ قرار واحد مستقل، وبرلمان حقيقي، وقضاء محترم، كما هو الحال في الدول المنتمية، مثلنا، إلى عالم الخراب المزمن، والعذاب الدائم الأليم.

والشيء الوحيد الذي سيدركه كاكه برهم، يوم 18 آذار فهو أن سقوط محمد علاوي والمرشحين الآخرين الذين سبقوه يؤكد حقيقة واحدة، هي أن أي مرشح ترضى عنه أحزاب المحاصصة لن يُرضي الجماهير، وحين لا ترضى عنه الجماهير لابد أن يسقط، لا محالة.

وإذا كان الرئيس برهم جادا في البحث عن مرشح جديد بين مخلفات أحزاب المنطقة الخضراء وزعمائها المتقاتلين على المناصب والمكاسب والرواتب، فهو إنما يُضيع وقته وجهده، ولن ينجح، في النهاية، في تفادي مأزقه الشخصي وتَحمُل أعباء الرئاستين، لا محالة. وعندها لن يكون أمامه إلا أحد احتمالين، إما أن يفشل في ترضية الفاسدين، أو يفشل في ترضية الغاضبين عليهم، وسيخرج خالي الوفاض، لا مع سيدي ولا مع ستي، وسيحرق هيبته وتاريخه مجانا وبلا نتيجة. أعانه الله على هذه المحرقة، وحماه من الغادرين.

أليس الأفضل، والأحفظ للكرامة أن يغادر قصر السلام إلى السليمانية، قبل فوات الأوان، ويرسل استقالته من هناك، وينعم براحة بال لم يعرف طعمها في دار السلام التي لا تعرف السلام؟