وعاد الشيخ علي حاتم سليمان

عودة السليمان بمبادرة من الإطار التنسيقي وبوساطةٍ قطرية، تجعل المواطن العراقي يدرك أن العتب ليس كله على إيران، بل على الذين يقبلون بأن يصبحوا بنادقَ على أكتاف جواسيسها.
لم تكن مسؤولية السليمان قليلة عن ولادة داعش تحت مخيمات المعتصمين
أكبر كوارث العراق المزمنة منذ عام 2006، هي وجود واحد اسمه نوري المالكي في السلطة

برغم اتفاقنا على أن العراق أخرج قادة وزعماء عظماء وشرفاء وكرماء إلا أن أخرج أيضا أقزاما وقادة سفهاء ومنافقين وخونة وعملاء. والحال الذي وصل إليها اليوم تبرهن على أنه الغالبية العظمى من شعبه العراقي (العظيم) سهلٌ جدا أن يتسلل إليها عدو من الخارج أو من الداخل فيشق صفوفها، ويُثوّر بعضها ضد بعض، ويجعلها أكثر شعوب الدنيا، على الأقل في بلاد العالم الثالث الذي ينتمي إليه، عمىً طائفياً وعنصرياَ ومناطقياً وعشائريا، إلى الحد الذي أصبح معه الأمل في عودتها إلى التواؤم والتراحم والتفاهم أقرب إلى المستحيل.
ومن أبرز الأحداث الجديدة التي ينبغي التوقف عندها طويلا عودة قائد الاعتصامات السنية الأنبارية الشيخ علي حاتم السليمان إلى الوطن، غانما ظافرا، بتدبير من نوري المالكي، بعد أن كان محكوما عليه من قبل قضاء نوري المالكي بموجب المادة 4 إرهاب.
والذي يجعل هذه العودة متميزة ومثيرة للعجب والغرابة أكثر من سابقاتها، خصوصا عودة زميله وزير المالية الأسبق زهير عيساوي، ومن قبله المحكوم عليه بالإرهاب والفساد، معا، المدعو مشعان الجبوري، هو أن العائد الجديد هو أهم قادة الاعتصام السني في الأنبار 2014، والأكثر تطرفا وتشددا، وهو الوحيد الذي هدّد بالزحف إلى بغداد وتحريرها من إيران ومن وكلائها العراقيين.
فلم تكن مسؤولية السليمان قليلة عن ولادة داعش تحت مخيمات المعتصمين الذين استعانوا بها لمعاونتهم على مقارعة جيش حكومة نوري المالكي، رئيس الوزراء آنذاك.
وتأسيسا على ذلك فإن كل ما جرى من هجوم قام به المالكي وحرق لخيم الاعتصامات، وقتل أهم نشطائها، واعتقال العشرات، وتدمير المباني، وتهجير الآلاف من أبناء الأنبار، ثم صلاح الدين، فديالى، فنينوى، ثم سقوط الموصل، واحتلال داعش لثلث العراق، ثم اشتعال حروب التحرير، وتأسيس الحشد الشعبي، وما فعله إثر هزيمة الدواعش من قتل وتدمير وحرق واغتصاب وتغييب.
ومع الإقرار بأن إيران العراقية اعتمدت، من البداية، سياسة تجنيد العملاء المتعاونين من تجار الساسة السنة والكرد، إلى جانب وكلائها المؤتمنين من السياسيين الشيعة، إلا أن عودة حاتم السليمان، وبمبادرة من الإطار التنسيقي، وبوساطةٍ قطرية، تجعل المواطن العراقي غير الملوث بجرثومة العمى الطائفي المتخلف يدرك أن العتب ليس كله على إيران، بل على الذين يقبلون بأن يصبحوا بنادقَ على أكتاف جواسيسها لظلم أهلهم وذويهم، وإغراق مدنهم وقراهم بدم بريء.
والحقيقية هي أن أكبر كوارث العراق المزمنة منذ عام 2006، هي وجود واحد اسمه نوري المالكي الذي لا يقبل الولي الفقيه، نفسُه، بوجوده أو بوجود أمثاله في دولته، دون ريب.
يقول أحمد الجلبي في إحدى ندواته التلفزيونية ما يلي:
"لقد دخل المالكي العراق من السيدة زينب في سوريا وهو لا يملك سوى ملابسه عندما طلب مني رئيس حزب الدعوة ابراهيم الجعفري أن أجد له عملا، بسبب وضعه المادي، فجعلتُه مساعدا لي ولزميلي مثال الآلوسي في هيئة اجتثاث البعث".
والجريمة الأكبر هي تلك التي اقترفها زلماي خليل زادة سفير أمريكا في العراق حين تلقى من رئيسه جورج بوش الإبن طلبا عاجلا بتخليصه من إبراهيم الجعفري، وتعيين أي عضو آخر في حزب الدعوة رئيسا للوزراء، فلم يجد سوى نوري المالكي. 
ثم أصبح، من يومها، وما زال إلى اليوم حتى بعد طرده من رئاسة الحكومة في 2014، أحد أعمدة الحكمة السبعة في العراق الإيراني، والمتطوع الدائم لتوزيع تهم الخيانة والإرهاب والبعثية والصدّامية على خصومه الكثيرين. 
وتعتقد شرائح واسعة من العراقيين بأنه هو قائد الدولة العميقة التي أفسدت الوطن وأهله بالأمس، وتفسده اليوم، وستظل تفسده إلى يوم يبعثون.
وحين ندخل إلى صلب الواقع الغلط الذي يمثله هذا المخلوق الغلط سنحكم عليه بسرعة، منذ البداية، ودون مراجعة، بالمروق والضلال والتخلف وعدم الأمانة وعدم الإيمان بالوطن وبحاضره ومصيره. 
فقد نشرت صحيفة الغارديان في 14-12-2011 ردَّه، في مؤتمر صحفي، على صحفي أجنبي طلب منه أن يصف نفسه، فقال "أنا شيعي أولا وعراقي ثانيا". وهو بهذا يؤسس لفلسفةٍ مدمرة في الحكم تقوم على أساس أن الوطن في خدمة المذهب.
وهذا ما جعل الأموال التي يتهمه الشعب العراقي باختلاسها أو بتبديدها أو بإخفائها أموالاً حلالاً وفق عقيدته التي تجعل من أكبر خدماته للطائفة أن يضع الدولة العراقية، بكل مؤسساتها وثرواتها وقدراتها العسكرية والأمنية والاقتصادية، في خدمة المقاتلين في سبيل المذهب، أينما كانوا، ومهما قيل عنه، وما يقال.
حتى أن رفيقه في الحزب الذي تولى الرئاسة بعده، حيدر العبادي، شكى من خواء خزينة الدولة، قائلا "إن القائد الضرورة لم يترك لي في الخزينة سوى 3 مليارات دولار فقط مع ديون بـ 15 مليار دولار".
طبعا، لا يمكن التكهن بأن علي حاتم السليمان الذي قرر نوري المالكي السماح له بالعودة إلى الوطن سيكون واحدا من بيادق الشطرنج السنية الجديدة التي قررت إيران أن تلعب بها لخبط الماء على محمد الحلبوسي وخميس الخنجر، وعلى مقتدى الصدر، وعلى مسعود البرزاني، بعد أن وجدت أنهم في وارد الخروج عن طاعتها، أو سيَثبُت على مبادئه وقيمه السابقة.
ثم إن عودته، بحد ذاتها، ليست هي المحزنة، بل المحزن الأكيد أنه سيجد آلافا، وربما ملايين، مؤيدين، وهتافين بحياته، وحاملين سلاحهم وراءَه، سواء كان محمد حلبوسي آخر أو كان عمر مختار عراقيا يعجز المالكي عن شراء ولائه بأي ثمن. 
سننتظر ونرى. وإذا كان الخبر اليوم بفلوس فهو غدا ببلاش.