كان الموت في غزة هدية للولي الفقيه

كانت الصواريخ رسالة إيرانية ناقصة إلى إسرائيل ولم تكن حركة حماس سوى ساعي بريد.
كان على خامنئي أن يشكر هنية وليس العكس
لا يمكن تصنيف التنظيمات المسلحة المنبثقة عن الاخوان باعتبارها حركات تحرر وطني
عاشت غزة وأهلها أياما عصيبة فيما كانت حماس تخطط لمستقبلها في سياق المشروع الإيراني

في ثنايا الشكر الذي توجه به رئيس المكتب السياسي لـ"حماس" اسماعيل هنية إلى إيران وإلى علي خامنئي شخصيا قدر كبير من الخبث الاخواني.

نعرف أن حماس قاتلت بصواريخ إيرانية وهو ما يعني أن إيران ساهمت في صنع الحرب غير أنها لم تكن قادرة بالقوة نفسها على أن تفرض السلام فليس من المؤكد أن صواريخها قد أجبرت إسرائيل على أن توقف عدوانها. 

فعلت إيران ما هو متوقع منها. لقد هددت غير مرة بالرد على ما اعتبرته ضربات إسرائيلية لمنشآتها النووية ولو لم تكن هناك حركة حماس وتوقيتاتها المرتبطة بالأحداث التعسفية التي شهدتها القدس لما لجأت إيران إلى الرد بشكل مباشر ولأجلت كل شيء مثلما كانت تفعل دائما.

في هذه الحالة كان على علي خامنئي أن يشكر هنية لا العكس.

غير أن هنية وباقي أفراد قيادة حماس الذين كانوا يراقبون تطورات الحرب في غزة من على شاشة قناة الجزيرة من مقرهم الدائم في الدوحة لا يقيسون الأمور بالطريقة التي يضعون من خلالها حسابات شعبهم فوق أي حساب. كانت كفة ميزانهم تميل دائما إلى الجهة التي تمولهم. ولا أعتقد أن أيا من حركات التحرر الوطني قد اتبعت ذلك الأسلوب من قبل.

ولكن لا يمكن تصنيف التنظيمات المسلحة التي انبثقت عن جماعة الاخوان المسلمين بفكرها العابر للأوطان ومنهجها الذي لا يقيم أي اعتبار للقيم الإنسانية والاخلاقية باعتبارها حركات تحرر وطني. لقد سبق لـ"حماس" أن اخترقت الحدود المصرية لتساهم في الدفاع عن حكم الاخوان هناك.

ما صار المجتمع الدولي على يقين منه أن دويلة حماس في غزة يمكنها أن تضحي بأهل غزة من أجل أن تنفذ مشاريع لا علاقة لها بالقضية الفلسطينية ولا بحقوق الفلسطينيين. سيكون من الصعب ربط كل شيء يقع في غزة بفلسطين فلا أحد في إمكانه أن يشرح الوضع القانوني لغزة. فهل هي دولة مستقلة أم أنها جزء من دولة لا يعرف أحد عنوانا لها؟ وإذا ما كانت حركة المقاومة الإسلامية "حماس" تتحدث باسم فلسطين فلأنها ترغب في سحب البساط من تحت أقدام الفلسطينيين لتنفرد بالقرار الذي لن يكون قرارا فلسطينيا. فلحماس مرجعيتها وهي ليست فلسطينية. ولو لم تكن كذلك لحارب هنية ورفاقه من غزة مثلما فعل ياسر عرفات ورفاقه حين تصدوا للاجتياح الإسرائيلي عام 1982 من بيروت.

لم يشكر هنية خامنئي لأنه ساعده في الحرب التي يعرف أنها دمرت ما تبقى من البنية التحتية لغزة بل شكره لأنه وضع حركة حماس في دائرة ما يسمى بـ"المقاومة" التي تضم حزب الله في لبنان والحشد الشعبي في العراق والحوثيين في اليمن. لقد احتاط هنية كثيرا من أجل أن لا يكون جزءا من المقاومة الفلسطينية. تلك شبهة لم يرد أن تلحق به وبحركته. ما يُقصد به بالمقاومة بالنسبة لجماعة الاخوان المسلمين هو ليس المفهوم نفسه الذي اعتمده الفلسطينيون منذ انطلاق حركة مقاومتهم نهاية ستينات القرن الماضي.

هل تقاوم حركة حماس من أجل فلسطين؟ ولكنها تحكم في غزة باعتبارها حركة أصولية دينية. وغزة تحتاج إلى إسرائيل في كل شيء. لا يمكن لحماس أن تستغني عن إسرائيل وهي تدير شؤون غزة. سيكون من الصعب أن يرى المرء صورته في حالتين. ذلك ما تحاول أن تفعله حركة حماس وما يصدقه الآخرون. وهم لا يفعلون شيئا سوى أن يصدقوا أوهامهم. كانت الصواريخ رسالة إيرانية ناقصة إلى إسرائيل ولم تكن حركة حماس سوى ساعي بريد. أما شعب غزة فهو الذي دفع الثمن. هناك حديث تافه مستمر عن التعويضات. وكأن الارواح يمكن تعويضها.   

تلك فكرة تجاوزها هنية وأفراد طاقمه المسافر من خلال الوعد الالهي. لقد ذهب الشهداء إلى الجنة. ولكن من أجل ماذا؟ لم يلجأ هنية هذه المرة إلى الكذب حين وجه شكره إلى الولي الفقيه. لقد مات الفلسطينيون في غزة من أجل أن تثأر إيران من إسرائيل. وما الانتصار الذي خرج من أجله انصار حماس فرحين إلا تعبيرا عن الوفاء للثأر الإيراني. فأهل غزة لم ينتصروا. ليس هناك أي مظهر من مظاهر الانتصار وسط مشهد القتل والخراب الذي انجزته آلة الحرب الإسرائيلية.

عاشت غزة وأهلها أياما عصيبة فيما كانت حماس تخطط لمستقبلها في سياق المشروع الإيراني. ذلك ما يفسر شكر هنية لخامنئي وما لا يعكر مزاج المنتصرين باعتباره فضيحة.