كان توديعه مثل استقباله صاخبا

ما واجهه ترامب لم يواجهه أي رئيس أميركي سابق.
اُستقبل ترامب بطريقة سيئة وها هو يُودع بطريقة أسوأ
ترامب كان عنيدا ومباشرا في إعلان خصومته وسريعا في اتخاذ قراراته
كان أعداء ترامب داخل الولايات المتحدة أكثر من أعدائه خارجها.
لقد كان ثقيلا على النظام السياسي الأميركي أن يغادر ترامب البيت الأبيض من غير فضيحة

أُختتمت الحياة السياسية للرئيس الأميركي دونالد ترامب بطريقة صاخبة. كان ذلك هو المطلوب.

المثير للضحك أكثر أن هناك دعوات لعزله في الأيام الأخيرة من رئاسته ليكون رئيسا مخلوعا ترافقه تلك الصفة تاريخيا.

أكان ضروريا أن يُسمح للرعاع باقتحام مبنى الكونغرس في هجمة فوضوية تسدل الستار على أربع سنوات قضاها ترامب وهو يحارب النظام السياسي الأميركي ويقاوم مؤسساته، العلنية منها والخفية على حد سواء؟

لقد اُستقبل الرجل بطريقة سيئة وها هو يُودع بطريقة أسوأ.

استقبله خصومه وودعه أنصاره بطريقة تذكر به. الرجل الذي حكم العالم بطريقة غلب عليها الارتجال. ولكن أخطاءه بالرغم من ذلك لم تكن فادحة وقد لا تذكر إذا كُتب التاريخ بطريقة منصفة.

ما يُحسب له أنه واجه الكثير من اللحظات التي تقع على حافة الحرب بكثير من الحكمة واليقظة والشعور بالمسؤولية فلم يورط العالم في مأساة مضافة إلى المآسي التي يعيشها.

لم يكن ترامب طائشا أو عبثيا أو متهورا كما يصفه البعض. ولم يكن يخطط في السر لما يظهر في العلن كما لو أنه غير مسؤول عنه. فهو لم يكن غامضا بحيث تصعب معرفته. 

كان متغطرسا. هذا صحيح. كان عنيدا ومباشرا في إعلان خصومته وسريعا في اتخاذ قراراته على مستوى الإدارة التي تحيط به. وكل ذلك كان شأنه الشخصي. هي طبيعة شخصية ليس إلا. فهو أحب وكره بطريقة مرئية.

من المؤكد أنه كان يعرف أن هناك جهات سياسية كثيرة لها نفوذها داخل النظام كانت ترغب في أن يعود إليها قبل اتخاذ قراراته. بتعبير آخر أن يخضع لها. ولأنه بقي مستقلا فلم يعجبها وقررت أن تدمره من خلال إزاحته من منصبه في غير مناسبة.

كان أعداء ترامب داخل الولايات المتحدة أكثر من أعدائه خارجها.

ولقد بذل أولئك الأعداء جهودا جبارة من أجل اسقاطه غير أنها لم تنفع فقد خرج ترامب منتصرا من تلك الحرب الصعبة.

ففي الوقت الذي كان يدير الكثير من المشكلات العالمية بحكمة كان يواجه مؤامرات الداخل بصلابة. شيء لا يحدث في الولايات المتحدة ولا يمكن توقع حدوثه.

ما واجهه ترامب لم يواجهه أي رئيس أميركي سابق.

ما بين الاستقبال والوداع عاش فوضى لم يكن هو من اخترعها. المفاجئ أن تكون تلك الفوضى من اختراع النظام السياسي الذي لم يتحمل وجود شخص مثل دونالد ترامب في البيت الأبيض.

كان ترامب مقامرا ومزاجيا في قراراته ومغامرا في الذهاب إلى الأقصى. لم تكن تهمه الوصفات المسبقة لنسب النجاح والفشل. لذلك خطط لإنقاذ العالم من النووي الإيراني كما لو أنه كان يعتذر منه.

انتصر على تلك القوة التي تكبل نظام الحكم بشروطها. بهذا المعنى فإنه تخطى الخطوط التي رسمتها مؤسسات الضغط. وهو ما لم يكن يجرؤ على القيام به رئيس يرغب في ولاية ثانية.

يُقال أن يهود أميركا لم يحبوه بالرغم من أنه طبق كل القرارات التي أتخذها الرؤساء الذين سبقوه في ما يرضي إسرائيل. هل لأنه رجل يعمل في المال وفي نيويورك لم يحبه يهودها؟

لم يكن ترامب محظوظا غير أنه كان ذكيا بلقاء كيم جونغ اون رئيس كوريا الشمالية الذي أظنه قد أعجب به كثيرا.  

لقد عرف كيف يتعامل مع الصراحة الكورية بتفاؤل فيما أحاط نظرته إلى المخاتلة الإيرانية بالتشاؤم. أنا على يقين من أنه قال لنفسه في وصف إيران "هذه دولة يمكن أن تقود العالم إلى كارثة".

تلك لم تكن وجهة نظر النظام السياسي الأميركي.

كان التفكير في الحرب على كوريا ممكنا ومتاحا غير أن الشرق الأوسط ينبغي أن يُرمى في الجانب الذي لا يُرى.

ما فعله ترامب أنه قلب المعادلات المرسومة، لذلك كان مستهدفا وما لم ينجح في سنوات حكمه صار نوعا من الدعابة التي تشبه الفضيحة بعد أن صارت مغادرته البيت الأبيض استحقاقا انتخابيا.

لقد كان ثقيلا على النظام السياسي الأميركي أن يغادر الرجل المشاكس والعنيد البيت الأبيض من غير فضيحة. لذلك ابتكرت مسرحية اقتحام انصاره مبنى الكونغرس بطريقة همجية ليُقال في ما بعد أن ترامب كان همجيا.

لا يملك الرجل وقتا للدفاع عن نفسه إلا عن طريق الاعتذار عما لم يفعله. 

تلك هي محاولة الابتزاز الأخيرة التي لن يتعامل معا ترامب بطريقة جادة.