كتاب يجمع ألعاب الخفة في التراث العربي

كتاب الحسن بن محمد السكندري القرشي يدور حول ألعاب الخفة التي تسمى قديمًا بأسماء مختلفة، مثل الدكّ والنيرنجات والشعبذة والمشاتين. 
عالم المخطوطات السعودي يشير إلى أنه بسبب اختلاف مفهوم وتعريف ألعاب الخفة بين الفقهاء، اختلفوا في تحريمها وإباحتها
المؤلف ينطلق في كتابه من الحديث عن صفات صاحب الحيل وهي حركات اليد الخفيفة وطلاقة اللسان وحضور البديهة

موضوع الكتاب "الحيل البابلية للخزانة الكاملية" تأليف الحسن بن محمد السكندري القرشي العبدري المتوفي سنة 640 هـ ـ 1243، يدور حول ألعاب الخفة التي تسمى قديمًا بأسماء مختلفة، مثل الدكّ والنيرنجات والشعبذة والمشاتين. وحديثًا نسميها بأسماء أخرى، مثل الألعاب السحرية وخدع السيرك وحيل الحواة. 
محقق الكتاب عالم المخطوطات السعودي د. لطف الله قاري أشار إلى أن الكتب التراثية التي تم تأليفها في هذا الموضوع الضوءَ الكافي، برغم احتوائها على ثروة من المعلومات، التي تعتمد على معرفة مؤلفيها بقوانين العلوم المختلفة من ميكانيكا وفيزياء وكيمياء ونبات وحيوان وبالصناعات المختلفة. فنشرها يهم مؤرخي التكنولوجيا والصناعات، كما يهم الباحثين في التراث الشعبي والأنثروبولوجيا الثقافية "علم الإنسان الثقافي أو الأناسة الثقافية" وما يتصل بها، كالإثنوغرافيا "علم الأناسة الاجتماعية أو وصف أحوال الناس" والإثنولوجيا "علم الأعراق أو علم الثقافات المقارن" والميثولوجيا "تاريخ الأساطير" وغيرها. ويهم كذلك المهتمين بالمصطلحات العلمية، وكل ما يتصل بهذه المجالات. 
مؤلف الكتاب حسن بن محمد الإسكندري القرشي العدوي (العبدري في مخطوطتنا) المتوفى في حدود سنة 640 (أربعين وستمائة)/ 1240. صنّفَ من الكتب الحيل البابلية للخزانة الكاملية "خزانة الملك الكامل الأيوبي" وتاريخ تأليفة إبتداء من سنة 632هـ. موضح أستار الكلل وفاضح أسرار الحيل. ألفه حين قدومه إلى بغداد للناصر لدين الله أحمد العباسي، ونستنتج مما سبق أن المؤلف كان بارعًا في مجاله، ومتصلا بأكبر الحكام في زمانه، كالخليفة العباسي الناصر، والملك الكامل الأيوبي.

الكتاب يشتمل على النصوص الوحيدة التراثية التي نعرفها حول استعمال المؤثرات الضوئية. وذلك باستعمال صندوق ينبعث منه في الظلام ضوء شبيه بالهلال والكواكب وغيرها، ليوهم المتفرجين بحصول معجزات

وقال قاري "عرفت الحرفة التي يدور الكتاب حولها بمسميات متعددة في كتب التراث منها المخاريق والبهلوانيات والنيرنجات والشعبذة والمشاتين، وممن تحدثوا عنها الجاحظ "255هـ ـ 869" قائلا عن مسيلمة الكذاب "فذكر أن مسيلمة طاف قبل التنبي في الأسواق التي كانت بين العجم والعرب، يلتقون فيها للتسوق والبياعات، كنحو سوق الأبلة، وسوق لقة، وسوق الأنبار، وسوق الحيرة. قال: كان يلتمس تعلم الحيل والنيرنجات، واختيارات النجوم والمتنبئين، وقد كان أحكم حيل السدنة والحواء وأصحاب الزجر والخط ومذهب الكاهن والعياف والساحر، وصاحب الجن الذي يزعم أن معه تابعه". وذكر أمثلة من حيله مثل إدخال بيضة في قارورة ونتف ريش حمامة ثم إعادته وجعلها تطير، وصنع طائرة ورقية تصدر صوتا وإطلاقها إلى الجو ليلا لإيهام قومه بنزول ملك عليه".
وأشار قاري إلى أنه بسبب اختلاف مفهوم وتعريف ألعاب الخفة بين الفقهاء، اختلفوا في تحريمها وإباحتها، فروى الونشريسى فتوتين متناقضتين "وسئل ابن أبي زيد القيرواني، أبو محمد 386 هـ 996 عن هؤلاء الذين يجلسون في الطرقات ولهم ملاعب: يظهرون للناس أنهم يقطعون رأس الإنسان، ثم يدعونه فيجيبهم حينا، ويجعلون من التراب دراهم ودنانير، ويقطعون السلسلة، فهل تراهم سحرة؟ فأجاب إن لم يكن فيها كفر فلا شيء عليه، وهذا إنما هو خفة يد ملاعب. قيل وكان الشيخ أبو عبدالله بن عرفه 803 هـ 1400 يقول في الحركات العجائب إنما من عمل السحرة. وممن حرمها ابن عبدالرؤوف قائلا "وكذلك يمنع أهل التخييل الذي يظهر أنه يفعل شيئا من غير فعله، ويخيل به، مثل النواريج وقلب العين وما أشبه ذلك وهو من باب السحر".
ينطلق المؤلف في كتابه من الحديث عن صفات صاحب الحيل "وهي حركات اليد الخفيفة وطلاقة اللسان وحضور البديهة، وإتقان حيله وألعابه وعدم تكليف نفسه بما لا يستطيع، والاستعانة بمساعد قدر الإمكان ويتحدث عن ضرورة معرفته بخواص المواد من جماد أو نبات أو حيوان، حيث يتحدث عن ضرورة معرفته بأجناس الفتائل والأدهان، واختلاف ما ينتج منها من الألوان، وتعليل ما يسأل عنه من الظاهر والخفي، والمستور والجلي، وامتحان الخواص قبل الذكر، وصدق الكلام بعد الفكر، ومعرفة ما يغش من جميع البضائع، والدخول فيما يذكره بإتقان".
ثم يبدأ المؤلف بعد ذلك في استعراض أنواع الحيل فنجد في بعض الفقرات استعمال المؤثرات الصوتية باستخدام صندوق ينبعث منه نور في الظلام، ويتم تشكيل الضوء بحسب فتحات يتم إعدادها في الصندوق حسب الطلب، مرة على شكل هلال، وأخرى على شكل كواكب وثالثة على شكل عبارة "لا إله إلا الله" فينبعث الضوء في الظلام، حسب ما يحدده صاحب الحيلة ليوهم المتفرجين بحصول معجزة في تلك الليلة. ثم يقدم فقرات فيها خرافات مثل عمل طعام سام لقط أسود، ثم بعد تسمييم القط يسلق ويستعمل عظمه لجلب المطر، واستعمال بخور لجعل النهار مظلما بحيث تبدو النجوم والقمر خلاله ويخاف الناس وغير ذلك من الخرافات.
تأتي بعد ذلك حيل السرج أو المصابيح والفتائل المستعملة فيها، وفيها استخدام الخواص الطبيعية الغريبة للمواد استخداما صحيحا ليس فيه خرافات، ثم يأتي على ألعاب وحيل النار ومنها وقود يطفو على سطح الماء ويشتعل فوقه يوما وليلة دون أن ينطفئ، وطلاء للملابس يجعلها مقاومة للحريق، وتركيب مزيج يشتعل ذاتيا، ووقود يظل يشتعل أسبوعا وآخر لمدة عشرين يوما ودهان تطلى به الحيان فيشتعل بحرارة الشمس، ومقذوف ناري للمنجنيق له خاصية التدمير التام بحيث يترك المباني ركاما بعد تدميرها.
وخصص المؤلف بابا للتجارب المثبتة علميا ليس فيها وهم أو خرافة، وباب للطلاسم حسب تعبيره بعض فقراته خرافات كاملة وبعضها يختلط العلم بالخرافة..
 ورغم أن الكتاب حوي بعض المعلومات الخرافية إلا أنه تضمن الكثير من المعلومات القيّمة نجدها عند استعراض محتوياته، ومنها: 
1- استخدام خواص النباتات، مثل صمغ الكثيراء وصمغ الأشراس وخاصية نبات البلاذر لتثبيت الكتابة.
2- استخدام إطفاء الجير لينتج عنه دخان من تحت الأرض يخيف به الناس (الفقرة 81 من النص المحقّق). وأيضًا استعمال الحرارة الناتجة عن العملية لسلق البيض (الفقرة 100)، واستعمال حرارة التفاعل لإشعال لهب (الفقرة 43).
 3- تناول الكتاب استخدام سلاح بحري، وهو النفط الذي يظل مشتعلا فوق سطح الماء دون أن يطفئه الماء، كما شرح كيفية استخدام مقذوف ناري للمنجنيق، له خاصية التدمير التام، بحيث يترك المباني ركامًا بعد تدميرها، ومن فوائد الكتاب أيضا شرح المواد المقاومة للنار.

Arab Heritage
من الحيل التراثية

4- الإشارة إلى فنون صناعة الكتاب، وتناول المؤلف باب كامل عن التعمية أو التشفير، والكتابة السِّرّيّة، هو حول تشفير نص الرسائل والكتابة بخط سري غير مقروء، ثم إظهاره باستخدام خصائص المواد الطبيعية والكيميائية  ويشتمل الباب كذلك على كيفية مسح الكتابة أو قلعها من الورق (الفقرة 209)، وصبغ الورق بألوان مختلفة، ويقول المؤلف في بداية الباب أنه ألّف كتابًا خاصًّا بذلك، عنوانه "الملحمة في حل الترجمة".
5-  باب كامل حول الزراعة وتلقيح النباتات ببعضها، أي التراكيب، وألقي الأضواء علي عدد كبير من أسماء النباتات والحيوانات التي كانت معروفة للمؤلف، وبالتالي متداولة في الثقافة الشعبية. وهذه يجدها القارئ في الكشافات بآخر الكتاب، مع بيان أسمائها العلمية في الحواشي. فكشّاف أسماء النباتات يوضح أنها بلغت مئة وأربعين نباتًا.
6 -  الكتاب يشتمل على النصوص الوحيدة التراثية التي نعرفها حول استعمال المؤثرات الضوئية. وذلك باستعمال صندوق ينبعث منه في الظلام ضوء شبيه بالهلال والكواكب وغيرها، ليوهم المتفرجين بحصول معجزات.
7-  تركيب مواد تشتعل ذاتيًّا، وشرح استخدام العملية الكيميائية المعروفة بالاستقطار أو التصعيد (التقطير).
فقرة في الحيل الهوائية والدخن السماوية
حيلة من يدعي أنه وتد من الأوتاد، وبصلاحه تصلح العباد، وأن كرامته ستظهر في السماء في ليلة مظلمة، في أواخر الشهر من الليالي المعتمة، وهي كتابة بالنور:
 لا إله الا الله محمد رسول الله فلان ولي الله.
إذا أراد فعل ذلك فإنه يصنع تابوتا من أدق ما يقدر عليه من الخشب. ويكون طوله على قدر الكتابة، ثم تخلع في الوجه مواضع الكتابة، كما تخلع كتابة العاج، وتلصق فوقه خرقة رفيعة وتجعل في جوانب التابوت موضعا لرؤوس أربع رماح في قرنه. فإذا كمل سمّر جميع جوانبه، وسد مواضع الأوصال بالورق والأشراس بحيث لا تبين ضوءا البتة، وتجعل في الجانب الذي يقابل الكتابة بابا يفتح ويغلق. فإذا فرغ من ذلك أخذ خرقة خام ثخينة على طول وجه الكتابة، وخيط طرفها الواحد عطافا مثل عطاف العلم. ويدخل فيه خيطا غليظا ويسمّر طرفي الخيط على الوجه الذي فيه الكتابة، بحيث أن يغطي الكتابة، ويركب فيه خيطا متصلا إلى أسفل الرماح، يمد به الخرقة، فتجتمع فتظهر الكتابة وخيطا آخر من الجانب الآخر يمده فيغطيها. وهذه الصفة تعمل سترا في جميع الأديرة على باب المذبح.
فإذا كمل ما وضعه قصد المواضع العالية التي يقصد فيها وضع الناموس، وركب التابوت على الرماح، وأتقن تركيبه وهو على الأرض، وافتح الباب واغرس فيه برادات شمع غليظة الجرم وطيب رؤوسها. وأنفذ بعض أصحابه إلى الموضع الذي وعدهم، ليظهروا في تلك الليلة فيشغلهم بالحديث ويعدهم ويمنيهم ويوعظهم ويبكيهم إلى أن ينتصف الليل، وله وكيزة معه يلحظ موضع الرماح، فإن رأوا لوائح النور ظهرت كبر. وذلك يكون أشعل البرادات ورفع الرماح وشرع يمد الخيط الذي يفتح الضوء الذي في طرف الستر. فحينئذ تهرع الناس لتكبيره وهم خاشعين.
فيقول: انظروا هذه الآيات فيلحظون الكتابة وهي تنكشف شيئا بعد شيء إلى أن يكتمل. فإذا رأوا ذلك وقع التهليل والتكبير، فإذا كملت الكتابة ترك الخيط الذي كشفها ومد الخيط الذي يسترها، فيغطي الستر حرفا بعد حرف إلى أن يستتر الجميع، فيتخيل الرائي أن الكتابة ظهرت من السماء وعادت واختفت، فيقع التهليل والتكبير وصدقوا مقاله، وحققوا ما قاله، واعتقدوا فيه الصلاح.